مع بداية الألفية الثانية، كان أداما بارو يعمل لنحو 15 ساعة يوميا كحارس أمن في شركة "أرغوس" للتجزئة بشمال لندن، وكانت تداعب مخيلته أحلام بأن يصبح مطورا عقاريا، لكنه حينما قرر خوض أول اختبار سياسي في حياته تمكن من أن يحكم أصغر دولة في أفريقيا. العرب [نُشر في 2016/12/08، العدد: 10479، ص(12)] ابتسامة طفولية بانغول – لم يتوقع السكان في غامبيا، البلد الأفريقي الصغير الواقع في غرب القارة، أن يتمكن أحد منافسي يحيى جامع الرئيس مرهوب الجانب الذي قال يوما إنه سيحكم "لمليار عام"، أن يزيحه ببساطة عن السلطة. لكن الوضع اختلف جذريا، الجمعة الماضي، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت بحارس الأمن السابق أداما بارو البالغ من العمر 51 عاما ليكون بذلك الرئيس الثالث للبلاد. واحتفل عدد كبير من الغامبيين، الجمعة، في شوارع العاصمة بانغول بفوز بارو، من دون أي تدخل من قبل قوات الأمن، مع أنه قد شوهد شبان وهم يمزقون أو يدوسون لافتات وصور جامع. وأصبح هذا السياسي المغمور رئيسا لغامبيا بعد أن حصل على 45.5 بالمئة من الأصوات، مقابل 36.7 بالمئة لجامع وسط انقطاع كامل للإنترنت وجميع الاتصالات الدولية، ومع إغلاق الحدود البرية للبلاد. ويتطلع الغامبيون الآن إلى الرجل المشهور باسم "نو دراما أداما" بسبب طلته التي تتميز بالهدوء ورباطة الجأش، لإزالة آثار حكم مستبدّ استمرّ قرابة 22 عاما، وكان سببا في تدهور الاقتصاد وتحويل هذا البلد من مقصد سياحي إلى دولة منبوذة إقليميا. وبارو المشهور برقة حديثه، هو رجل أعمال متخصص في مجال العقارات قبل دخوله في السياسة. وهو مسلم ينتمي إلى عرقية الفولا المنتشرة في مانكامانغ كوندا، وهي قرية صغيرة في أقصى شرق البلاد. وكان بارو قد درس المرحلة الابتدائية في مسقط رأسه، والإعدادية في العاصمة بانغول، أما المرحلة الثانوية فدرسها في معهد إسلامي عال بعد حصوله على منحة، بحسب مجلة "جون أفريك". والتحق بارو في 1996 بصفوف الحزب الديمقراطي الوحدوي، وشغل منصب أمين الخزينة في الحزب، لكنه لم يكن يفكر في أنه سيصبح لاحقا مرشحا للانتخابات الرئاسية. نجاح أداما بارو السياسي يرجع إلى الأعوام الصعبة التي عاشها في ضواحي لندن حينما كان يدرس إدارة العقارات وأوضح بارو أنه يدين بنجاحه إلى الأعوام الصعبة التي عاشها في بريطانيا، إذ درس إدارة العقارات بين 1998 و2002، وخلال تلك الفترة كان يدفع إيجار مسكنه ويقوم بوظيفة حراسة أمنية في المكاتب والمهرجانات الموسيقية والمخازن. ويقول إنه في إحدى المرات أوقف لصا في متجر أرغوس شمال لندن حكم عليه بالسجن 6 أشهر. وعاش بارو في منطقة كيدبووكي السكنية في جنوب شرق العاصمة البريطانية. لم يفكر بارو يوما في السلطة ولم يسع إليها، بل تمّ إبلاغه بأنه يجري التفكير فيه كزعيم لحزب معارض حينما حضر للإدلاء بصوته في انتخابات الحزب، خلال سبتمبر الماضي. وقال بتواضع في خطاب قبوله للترشح "أنا ممتن للغاية بثقتكم". وكشفت القيادية في ائتلاف دعم ترشح بارو للانتخابات، رمزية دياب، أنه قبل أن يأتي بارو إلى التصويت لاختيار زعيم جديد للحزب لم يكن يعلم أن اسمه على بطاقة الاقتراع. وصرح جيفرى سميث، المدير المؤسس لمجموعة "فانغارد أفريكا" قائلا "لقد تم دفعه (بارو) دفعا إلى المنصب"، مشيرا إلى أنه اعتمد على هذه الزعامة ولعب دورا أساسيا في حشد زعماء المعارضة المختلفين حوله. وبحسب كارامبا توراي، المتحدث باسم رئيس غامبيا الجديد، فإن بارو يخطط لإلغاء البعض من القرارات التي كان اتخذها سلفه، منها انسحاب غامبيا من المحكمة الجنائية الدولية. وأكد توراي أن بارو سيسعى أيضا إلى إعادة بلاده للانضمام إلى دول الكومنولث، إلى جانب إلغاء إعلان غامبيا جمهورية إسلامية. واستولى جامع وهو ضابط سابق بالجيش على السلطة عام 1994 في انقلاب نفذه وهو لم يبلغ وقتها الثلاثين من العمر. لكن في المقابل فإن بارو لم يكن معروفا لدى معظم رفاقه قبل انتخابات قيادة حزب المعارضة الرئيسي في البلاد.