منذ بدء غارات طيران خليفة حفتر، قبل شهر، على قاعدة الجفرة الجوية، تحول الجنوب الليبي إلى ساحة لصراع على النفوذ العسكري بين قوات حفتر، المسيطرة على معظم مناطق الشرق، و"كتائب مصراتة"، أكبر قوة عسكرية في الغرب، وداعمة ل"سرايا الدفاع عن بنغازي". العرب [نُشر في 2017/01/10، العدد: 10508، ص(4)] صراع الإخوة طرابلس - انتقل ثقل المعارك في ليبيا من إقليمي برقة (شرق) وطرابلس (غرب) إلى "إقليم فزان" (جنوب)، عقب تدشين قوات خليفة حفتر، الموالية لمجلس النواب بمدينة طبرق (شرق)، هجمات برية على قاعدتي "براك الشاطئ" و"تمنهنت" شمالي مدينة سبها، مركز إقليم فزان، وغارات جوية على قاعدة الجفرة الجوية (وسط). فبعد سيطرة قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي (شمال وسط)، وحصر قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي" في أحياء ضيقة شمال وسط بنغازي، إضافة إلى طرد "كتائب مصراتة" (موالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من المجتمع الدولي) لتنظيم داعش الإرهابي من مدينة سرت (شمال وسط)، أصبح الجنوب ساحة القتال الرئيسية بين أكبر قوتين في الشرق والغرب. وبينما يقول مجلس النواب، الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوفاق ويطالب بإدخال تغييرات على اتفاق السلام، إن تحركات قواته حفتر جنوبا تستهدف مكافحة الإرهاب، يرجح مراقبون أن هذه القوات، وبتلك التحركات، تسعى إلى الالتفاف جغرافيا على مدينة مصراتة، والانقضاض على العاصمة طرابلس، دون الاصطدام بكتائب مدينة مصراتة، الواقعة بين طرابلسوبنغازي على البحر المتوسط. وعامة، فإن الغارات على قاعدة الجفرة، الثلاثاء الماضي، وما سبقها من تحركات واشتباكات بين "القوة الثالثة"، التابعة ل"كتائب مصراتة"، وقوات "اللواء 12"، التابعة لحفتر، في "بوابة قويرة المال"، المدخل الشمالي لسبها (جنوب غرب) وقاعدة تمنهنت الجوية، يثيران مخاوف من تصاعد التوتر في محافظتي سبها والجفرة بين قوات حفتر و"كتائب مصراتة". محافظة الجفرة ومدينة سبها، بل والجنوب الغربي عامة، خاضع لنفوذ "القوة الثالثة"، التابعة ل"كتائب مصراتة" (نحو 200 كلم شرق طرابلس)، والتي تمثل أكبر قوة عسكرية في الغرب، لكن قاعدتي "براك الشاطئ" و"تمنهنت"، تقعان في مناطق تسكنها قبائل موالية للنظام السابق (معمر القذافي)، على غرار القذاذفة، المنحدر منها القذافي؛ مما يفسر وقوع محاولات للسيطرة على القاعدتين الجويتين. وفي ديسمبر 2016، تمكنت قوات تسمي نفسها "اللواء المجحفل 12"، بقيادة محمد بن نائل، (ضابط قاتل مع كتائب القذافي قبل أن يعلن ولاءه لحفتر) من السيطرة على قاعدة "براك الشاطئ" الجوية، وهي خارجة عن الخدمة، لكنها تضم مخازن أسلحة وذخائر، وكثيرا ما لجأت إليها "القوة الثالثة" لنقل العتاد إلى ساحات المعارك، خاصة في الهلال النفطي بين عامي 2014 و2016. غير أن قوات "بن نائل" فشلت في السيطرة على قاعدة "تمنهنت"، التي تضم مطارا، تابعا لسبها، لنقل المسافرين، وذلك عقب تعزيز "القوة الثالثة" تحصيناتها في المنطقة، وإعلانها استعادة قاعدة "براك الشاطئ" من بن نائل، الذي سبق وأن سقط أسيرا في أيديها عام 2015، بعد سلسلة معارك في منطقة ورشفانة جنوبطرابلس، قبل أن يتم إطلاق سراحه ضمن تبادل للأسرى بين القوتين المتصارعتين. وقال محمد أقليون، المتحدث باسم "القوة الثالثة"، التابعة ل"كتائب مصراتة"، إن "هذه الاشتباكات تأتي ضمن محاولات قوات حفتر المستمرة للسيطرة على كافة مناطق الجنوب الليبي، وخاصة القواعد العسكرية، وتحديدا قاعدتي تمنهنت وبراك الشاطئ". وتابع أقليون أن "الهدف من استهداف القواعد العسكرية بالطيران هو إخلاؤها من الثوار، ثم اتخاذها مكانا لتزويد طائرات حفتر بالوقود والسلاح، لمهاجمة الغرب الليبي، وقبل أيام صدت القوة الثالثة هجوما شنته قوات لحفتر على قاعدة تمنهنت (جنوب غرب)، وسيطرت على الطريق بين سبها وبراك الشاطئ وتمنهنت". بالمقابل، أضاف المتحدث، أن "القوة الثالثة بصدد الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، إذا فشلت مساع يقوم بها أعيان الجنوب لخروج قوات بن نائل من القاعدة سليمة". وفي مارس 2015، شهدت منطقتا براك الشاطئ والقيرة (جنوب غرب) مواجهات بين "القوة الثالثة" وقوات بن نائل، على خلفية مقتل جندي تابع ل"القوة الثالثة" واختطاف خمسة آخرين، إثر اشتباكات مع مجموعة مسلحة تسللت إلى مخازن الذخيرة قرب قاعدة براك الشاطئ، وبعدها بيومين أطلقت "القوة الثالثة" عملية عسكرية لتحرير بلدتي براك الشاطئ والقيرة، لتتمكن من السيطرة على القيرة، بداية أبريل 2015. وإذا كان الصراع في سبها بالجنوب الغربي، في حقيقته، نزاعا بين بقايا كتائب القذافي، مدعومين من قبيلة القذاذفة من جهة، وبين "كتائب مصراتة" من جهة ثانية، فإن القتال في جبهة الجفرة (وسط) يختلف تماما، حيث يدور القتال بين قوات حفتر، المتمركزة في منطقة الهلال النفطي منذ سيطرت عليها في سبتمبر الماضي من جهة، وبين "كتائب مصراتة" و"سرايا الدفاع عن بنغازي"، وهو تجمع لمسلحين من الشرق معادين لحفتر، وينسقون مع وزير الدفاع بحكومة الوفاق، مهدي البرغثي. وتعرضت قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي"، المتواجدة في الجفرة، خلال ديسمبر 2016، لقصف من قوات حفتر، وهو القصف الثاني من نوعه لمواقع "سرايا الدفاع"، خلال شهر واحد، بعدما شهدت منطقة الهلال النفطي، بداية ديسمبر 2016، مواجهات مسلحة دامت ساعات بين قوة مهاجمة من "سرايا الدفاع" وقوات تابعة لحفتر. و"سرايا الدفاع عن بنغازي" هي تشكيل عسكري أعلن عنه لنصرة "مجلس شورى بنغازي" (تحالف كتائب شاركت في إسقاط القذافي) في مواجهة قوات "عملية الكرامة"، التي أطلقها حفتر في مايو 2014. وتوجد حساسية تاريخية قديمة بين قبائل الشرق (إقليم برقة) وبين مدن وقبائل الغرب (إقليم طرابلس)، حيث تدعم عشر قبائل كبيرة في الشرق حفتر، بينما ترفض "كتائب مصراتة" في الغرب عدم إرسال قواتها للقتال في الشرق (باستثناء عملية الشروق لاستعادة الهلال النفطي 2014- 2015)، وتفضل بدلا من ذلك دعم الكتائب المنحدرة من الشرق، والتي تقاتل حفتر، مثل "مجلس شورى ثوار بنغازي"، و"سرايا الدفاع عن بنغازي"، و"مجلس شورى مجاهدي درنة".