وضع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حدا لشكوك المراقبين في تنفيذ الوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، من خلال تصريحات أدلى بها إلى صحيفة بريطانية وأخرى ألمانية، قبيل خمسة أيام من تولي مهامه رسميا كرئيس للولايات المتحدة. العرب [نُشر في 2017/01/17، العدد: 10515، ص(5)] سأفعل ما قلته لندن - أطل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على العالم ليؤكد أن جل مواقفه التي جاهر بها إبان الحملة الانتخابية هي مشروعه السياسي المقبل على رأس الإدارة الأميركية في البيت الأبيض. واعتبر المراقبون الأوروبيون أن التصريحات التي أدلى بها ترامب إلى صحيفتي "بيلد" الألمانية و"تايمز" البريطانية تؤكد مواقفه السابقة لجهة التقليل من أهمية حلف الناتو ودعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كما عزمه السعي إلى اتفاق بين بلاده وروسيا. واعتبر ترامب أن حلف شمال الأطلسي منظمة "عفا عليها الزمن"، متهما دولا أعضاء في الحلف بأنها لا تدفع حصتها في إطار عملية الدفاع المشتركة وبالاتكال على الولاياتالمتحدة. وقال إن "الأطلسي لديه مشكلاته وهو (منظمة) عفا عليها الزمن لأنها أنشئت بالدرجة الأولى منذ سنوات". وقال "من المفترض أن نقوم بحماية بلدان (الحلف)، لكن بلدانا كثيرة لا تدفع ما يتوجب عليها" في إطار الحلف. ويتناقض موقف الرئيس الأميركي المنتخب الذي يتسلم مهامه الجمعة المقبل، مع موقف وزير الدفاع الأميركي المقبل الجنرال السابق جيمس ماتيس الذي اعتبر، الخميس خلال جلسة في مجلس الشيوخ لتثبيته في منصبه، أن الحلف الأطلسي يعدّ "حيويا" للولايات المتحدة. وقد أعرب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الاثنين، عن "قلق" حلف شمال الأطلسي حيال هذه التصريحات. وقد اختار ترامب الإدلاء بتصريحاته إلى صحيفتين، ألمانية وبريطانية، في نفس الوقت في سعي على ما يبدو للإطلالة على العالم من خلال تأكيد الدعم للبريكست البريطاني، وتوجيه انتقادات إلى الاتحاد الأوروبي الذي "تهيمن عليه ألمانيا". واعتبر ترامب أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيشكل "نجاحا"، "مبشرا" بأن بلدانا أخرى ستغادر الاتحاد الأوروبي بعد بريطانيا، معربا عن رغبته في أن يوقّع سريعا على اتفاق تجاري مع لندن. الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني لن تذهب إلى ما ذهب إليه ترامب، وستعارض أي محاولة لإلغائه واعتبر ترامب أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ارتكبت "خطأ كارثيا للغاية وهو استقبال كل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين". ورأى أن أزمة اللاجئين هذه هي التي دفعت البريطانيين إلى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولدى سؤاله عن احتمال التوصل إلى اتفاق مع روسيا، قال ترامب إن خفض روسيا لأسلحتها النووية لا بدّ أن يكون جزءا من الاتفاق، في مقابل إنهاء العقوبات الأميركية المفروضة عليها لضمّها شبه جزيرة القرم. وفيما رأى المراقبون في موقف ترامب تراجعا عن تعهدات واشنطن إزاء اوكرانيا، ردّ جو بايدن نائب الرئيس الأميركي أثناء زيارة له إلى كييف، الاثنين، إن العالم يجب أن يقف في وجه العدوان الروسي. وحث إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على أن تكون داعما قويا وشريكا لأوكرانيا. لكن ترامب الحريص على علاقة ودّ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجه إلى موسكو انتقادات بسبب الحرب التي تشنها في سوريا معتبرا أنها زادت الأمر سوءا. وقال ترامب إن تدخل بوتين في سوريا "شيء سيء جدا" أدى إلى "وضع إنساني فظيع". وانتقد بنفس المناسبة إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بأنها لم تتحرك في الوقت المناسب لضبط الأمور في سوريا كما ضبط التحرك الروسي فيها. ولفتت المراقبين تصريحات ترامب حول مسؤولية بلاده في العبث والفوضى الجارية في المنطقة والعالم من خلال غزو العراق عام 2003، حيث وصف قرار غزو العراق بأنه "قد يكون أسوأ قرار اتخذ في تاريخ الولاياتالمتحدة على الإطلاق"، مضيفا قوله "إنه أشبه برمي أحجار على خلية نحل. إنها واحدة من (لحظات) الفوضى العارمة في التاريخ". إلا أن المراقبين لم يروا في موقف ترامب جديدا، خصوصا أنه لم يفصح عما تعنيه هذه المسؤولية وما الترتيبات الواجب أخذها تصويبا لهذه الخطيئة التاريخية. ولم يتورط ترامب في الكشف عن خططه حيال الاتفاق النووي مع إيران بذريعة أنه لا يريد "كشف أوراقه"، وبأنه "ليس رجل سياسة يعد بفعل هذا وذاك". وكل ما أباح به في تلك المقابلة أنه "غير سعيد" بذلك الاتفاق، وأنه "من أسوأ الاتفاقات التي أبرمت حتى الآن" و"من أكثرها حماقة"، رافضا أن يؤكد ما إذا كان يعتزم إلغاءه. لكن مراقبين اعتبروا أن ما كشف عنه وزير الخارجية المعين ريكس تيلرسون من دعوته إلى "مراجعة تامة" للاتفاق قد يكون أقصى ما يستطيع ترامب التلويح به ضدّ الاتفاق. وفي هذا الصدد أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، الاثنين، في بروكسل أن الاتحاد سيلتزم بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني معتبرة أنه "في غاية الأهمية" وخصوصا بالنسبة إلى أمن القارة. كما أعلن بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني التزام بلاده بالاتفاق النووي مع إيران في إشارة إلى أن الدول الموقعة على الاتفاق لن تذهب في ما ذهب إليه ترامب، وستعارض أي محاولة لإلغائه. وكانت لهذه التصريحات أصداء مدوية في بروكسل دعت العديد من الوزراء الأوروبيين إلى التصدي لمواقف الرئيس المقبل بالوقوف جبهة موحدة. وقال الفرنسي جان مارك آيرولت إن "أفضل رد على مقابلة الرئيس الأميركي هو وحدة الأوروبيين". وفي ألمانيا، شدّد سيغمار غابريال نائب ميركل على ضرورة "عدم استسلام الأوروبيين للإحباط" مضيفا "على أوروبا في المرحلة الحالية حيث ضعفت قوتنا، أن تستدرك الأمر، وعلينا التصرف بثقة والدفاع عن مصالحها".