الإمارات تطالب برقابة غربية على علاقة الدوحة بالمتشددين، ومناورة تركية لتمرير وضع قواتها في قطر تثير غضب السعودية. العرب [نُشر في 2017/06/18، العدد: 10667، ص(1)] المواقف الملتبسة لا تصنع وساطة الرياض - انتقلت الدول الأربع، الضاغطة لأجل إجبار قطر على تغيير سياساتها في تمويل الإرهاب، إلى تحرك دبلوماسي وإعلامي كبير لشرح الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ إجراءات مشددة ضد الدوحة، فضلا عن تبديد مزاعم قطر بشأن وجود حصار ضدها بهدف التغطية على تورطها في ملفات قد تجعلها في مواجهة قانونية مع العالم ككل وليس فقط مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في الوقت الذي تناور فيه تركيا للتقرب إلى السعودية لإيجاد صيغة تمرر بها تواجدها العسكري لدعم قطر. ودعت الإمارات السبت إلى إنشاء آلية مراقبة غربية تجبر قطر على الالتزام بأيّ اتفاق لإنهاء دعمها للإرهاب، مضيفا أن الهدف من هذه الآلية "ضمان أن تتوقف الدوحة عن تمويل التطرف وأن تكون أراضيها مأوى للمتشددين وأن تلتزم بعدم توفير الدعم لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وتنظيم القاعدة". وأكد أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تصريحات نقلتها صحيفة الغارديان البريطانية بمناسبة زيارة للوزير الإماراتي إلى لندن تهدف إلى حشد التأييد الدبلوماسي لقرار المقاطعة "نحن بحاجة إلى نظام للمراقبة لأننا لم نعد نثق بقطر. ثقتنا بها صفر". وأضاف ملوّحا بالعصا بعد استنفاد طرق الحوار التقليدية لجدواها "حاولنا التحاور مع قطر، والآن لا بد من المواجهة معها"، ملوّحا بأن الأمور قد تصل إلى قطيعة كاملة مع قطر من قبل مجلس التعاون الخليجي. وأشار إلى أن الدوحة تريد أن تقدم الأمر وكأنه نزاع عائلي، بينما هي حريصة ليس فقط بالتحريض على الاضطرابات من خلال وسائل الإعلام، بل تمول وبشكل مفتوح جماعات إرهابية تنتمي للقاعدة ويتجول في شوارعها أشخاص موضوعون على قوائم الإرهاب في الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة. وتأتي زيارة قرقاش للندن بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد إلى واشنطن وزيارة وزير الدولة الإماراتي سلطان أحمد الجابر لموسكو ولقائه الجمعة مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إضافة إلى زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى واشنطن ثم لندن، ما اعتبره مراقبون تحركا دبلوماسيا للتعريف بخفايا الإجراءات الخاصة بمقاطعة قطر وتراجع الأخيرة عن التزاماتها بتعهدات كثيرة في السابق. وكان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني زار عدة دول أوروبية بحثا عن وساطة. لكن هذا التحرك لم يفض إلى نتائج في ضوء خطورة التهم الموجهة إلى قطر خاصة ما تعلق بتمويل جماعات إرهابية. وعلى العكس، فقد زاد تحرك الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني من الضغوط على قطر. وحثت الدول التي زارها الوزير القطري على أن تلتزم الدوحة بتعهداتها الدولية في مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة. وقال متابعون لشؤون الخليج إن دولا أوروبية بارزة بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا انضمت إلى الضغوط القوية التي تمارسها الولاياتالمتحدة على قطر لإجبارها على الإيفاء بتعهداتها في الحرب على الإرهاب. ولفت قرقاش في تصريحاته للغارديان إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخرج على الملأ وجهات النظر المتعلقة بقطر والتي كان يتم التعبير عنها خلف الأبواب المغلقة، في إشارة إلى تصريح ترامب بأن "قطر، ممول تاريخي للإرهاب على مستوى عال جدا. يجب أن ينهوا هذا التمويل". وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير ريكس تيلرسون ألغى الجمعة مشاركته في اجتماع منظمة الدول الأميركية بهدف البقاء في واشنطن والتركيز على أزمة الخليج. واعتبر المتابعون أن التركيز الأميركي على حلّ الأزمة لن يترك الفرصة لقطر لتستمر بربح الوقت والإيحاء برغبتها في التوصل إلى حل للأزمة الخانقة التي تعيشها في ظل تمسك الدول الأربع بأنّ لا انفراجة قبل استجابة قطر للائحة مطالبها. وقال هؤلاء إن الدوحة كانت تراهن على زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الرياض، إلا أن الزيارة لم تحقق على ما يبدو ما كانت قطر تتمناه منها، خاصة أن الوزير التركي لم يدل بأيّ تصريحات منذ لقائه مساء الجمعة بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر الضيافة بمكة. وأشارت أوساط سعودية مطّلعة إلى أن العاهل السعودي جدد التأكيد على أن المملكة لا ترى من طريق لتطويق الأزمة سوى استجابة قطرية سريعة وعملية لمطالب الدول الأربع، وخاصة ما تعلق بوقف تمويل الإرهاب. وكشفت المصادر في تصريح ل"العرب" عن أن رهان الوزير التركي على تضخيم البعد الإنساني للمقاطعة لم يلق أيّ تجاوب خلال الزيارة، خاصة أنه لم يحمل معه أيّ تعهدات قطرية ولا حتى اعترافا من الدوحة بمسؤوليتها المباشرة في التوتر الحاصل. وأكد مصدر سعودي مسؤول أن المملكة لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها. وأوضح المصدر أن المملكة ليست في حاجة إلى ذلك وأن قواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، ولها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك قاعدة إنجرليك في تركيا لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة، حسبما ذكرت السبت وكالة الأنباء السعودية (واس). واعتبر هؤلاء المراقبون أن وضوح الرد السعودي بخصوص رفض قاعدة عسكرية تركية على أراضي المملكة كعرض مثير للاستغراب والاستفزاز في بلد بحجم السعودية، خاصة أن المقترح فهم في الرياض على أنه مناورة تركية لتمرير وضع قواتها في قطر، وهو الموقف الذي يرجّح أن يكون أحد أسباب البرود الذي حف بزيارة وزير الخارجية التركي للسعودية. التعنت يضع قطر في عزلة ل'سنوات' هروب الدوحة من مناقشة أصل القضية وإثارة الضجيج الإعلامي حول جوانب ثانوية لن يجلب لها تفهم العالم. العرب [نُشر في 2017/06/20، العدد: 10669، ص(1)] الأتراك يستعرضون في الدوحة الرياض - حذّر مصدر خليجي مطّلع من أن رهان قطر على الوقت لحل خلافها مع الدول الأربع خيار خاطئ تماما، لافتا إلى أن التعنت القطري وسياسة الهروب إلى الأمام زادا من تمسك الطرف المقابل بأن لا وساطة إلا بتنفيذ الدوحة للائحة المطالب الخليجية المصرية، وأن استدعاء المئات من القوات التركية سيزيد وضع الدوحة تعقيدا، فضلا عن تورط أنقرة في عداء دول الخليج. وأشار المصدر في تصريح ل"العرب" إلى أن لعب قطر على المصطلحات من نوع توصيف المقاطعة الخليجية لها على أنها حصار لكسب بعض التعاطف الدولي لاعتبارات إنسانية لن يحل المشكلة، كونه جزئية صغيرة لا يمكن أن تغطي على ملف الدوحة بتمويل الإرهاب ورعايته، مؤكدا على أن استمرار قطر في المكابرة والإنكار سيثبّت التهمة عليها عالميا، ما يسهل معاقبتها وفق قوانين مكافحة الإرهاب. وأكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش في لقاء مع صحافيين في باريس أن عزل قطر "قد يستمر سنوات". وقال قرقاش الذي قطعت بلاده إلى جانب السعودية ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر على خلفية اتهامها بدعم الإرهاب "نراهن على الوقت. لا نريد التصعيد، نريد عزلها". أنور قرقاش: نراهن على الوقت، لا نريد التصعيد، نريد عزل قطر وشدد قرقاش على وجوب أن "تعدل قطر عن دعم الجهاديين والإسلاميين المتطرفين، مشيرا إلى أن الدول الأربع ستقدم "خلال الأيام المقبلة" لائحة بمطالبها إلى قطر تتضمن إبعاد شخصيات متطرفة، من دون إعطاء تفاصيل إضافية. وجدد الوزير الإماراتي مطالبة الغرب بوضع "آلية مراقبة" من أجل التحقق من أن الإمارة ستلتزم بتعهداتها. وحث تركيا على الحفاظ على التوازن في هذه الأزمة وعلى أن تفهم أن مصلحتها تكمن في دعم الجهود العربية. وقال إن "تركيا تحاول حاليا الحفاظ على التوازن في أزمة قطر بين الحماس الأيديولوجي والمصالح الوطنية". ويرى متابعون للشأن الخليجي أن الدول الأربع في وضع مريح سياسيا وأخلاقيا طالما أنها تنطلق في موقفها الصارم من قطر من تعهدات سابقة لها بأن توقف التحريض ضد جيرانها، وأن تلتزم بموقف مجلس التعاون الخليجي الداعم لمصر، فضلا عن طرد ممثلي جماعات متشددة مقيمين بالدوحة. واعتبر المتابعون أن هروب الدوحة من مناقشة أصل القضية وإثارة الضجيج الإعلامي حول جوانب ثانوية لن يجلب لها تفهم العالم، خاصة أن الدول الأربع تتحرك لإقناع العالم، وخاصة القوى الدولية المؤثرة، أن خلافها مع قطر يستمد مشروعيته من القانون الدولي، وهو وجه من وجوه الحرب على الإرهاب، وأن القضية ليست خلافا حدوديا أو دبلوماسيا طارئا يمكن أن تحله وساطات أو دعوات للتهدئة. ولا يبدو أن الدوحة تقيم وزنا لتأثير المقاطعة على اقتصادها الذي بدأ يتهاوى أو على أوضاع مواطنيها الذين صار تنقلهم إلى الخارج صعبا، فضلا عن صعوبة حصولهم على الحاجات الضرورية، وهو أمر مرشح للتعقيد أكثر فأكثر. وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن بلاده لن تتفاوض مع الدول الأربع ما لم ترفع إجراءاتها ضد الدوحة، وأن الشؤون الداخلية لقطر غير قابلة للتفاوض بما في ذلك مستقبل قناة الجزيرة. ومع دخول الأزمة أسبوعها الثالث، وصف الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني قطع العلاقات مع قطر ومحاولة عزلها اقتصاديا ب"الإجراءات العدائية". وقال الوزير القطري متحدثا لصحافيين في الدوحة "نريد أن نوضح للجميع أن المفاوضات يجب أن تتم بطريقة حضارية وان تقوم على أسس قوية وليس تحت الضغط أو تحت الحصار". الشيخ محمد بن عبدالرحمن: لن نتفاوض ما لم ترفع الدول الأربع إجراءاتها ومن الواضح أن الوزير القطري يرسل بإشارات سلبية ليس فقط للدول الأربع. ولكن أيضا للدول الغربية التي حثت على التهدئة والحوار للوصول إلى حل، وأن الأمر قد يكون مرتبطا باستقواء الدوحة بوجود قوات تركية على أراضيها وإقامة تدريبات مشتركة معها. ويعتقد مراقبون أن قطر تعطي الوجود التركي أهمية أكثر مما يستحق، خاصة أنه تمثيل محدود، ولا يمكن للمئات من الجنود أن يؤثروا على قرار سياسي قوي يستمد مشروعيته من التماسك الداخلي ومن الدعم الدولي، مشيرين إلى أن الخطوة التركية كسرت قواعد التعامل الدبلوماسي، وأن أنقرة ورطت نفسها في ملف شائك سيخلق حالة من العداء لها رسميا وشعبيا في المنطقة. وبدأت قوات تركية تمارين عسكرية مشتركة مع نظيرتها القطرية، وبثت قناة الجزيرة مقطعا مصورا لطابور من حاملات الجنود المدرعة يتحرك وسط الشوارع. وذكرت أن قوات تركية إضافية وصلت إلى قطر الأحد للمشاركة في التدريبات غير أن مصادر عسكرية في المنطقة قالت إن العملية تشارك فيها قوات تركية موجودة بالفعل هناك ولم ترسل تركيا أي وحدات عسكرية جديدة. وقال المراقبون إن استمرار التدخل التركي المنحاز لقطر في الأزمة قد يجعل من أنقرة الهدف التالي للمقاطعة الخليجية المصرية، وأنها قد تتوسع لتصبح مقاطعة عربية في ضوء توتر علاقات تركيا بدول كثيرة في المنطقة، وابتعادها عن الأسلوب الدبلوماسي في مقاربة الأزمات. ولا يبدو أن تركيا مدركة لمجازفتها بإغاظة السعودية في ملف حساس، وهي التي تسعى لبناء علاقة اقتصادية مميزة معها واستقدام رؤوس الأموال السعودية إليها، فضلا عن تدفق السياح. وحذّر المراقبون من أن الأزمة الجديدة مع السعودية لن تنفع معها رسائل الاعتذار السرية كتلك التي كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرسل بها إلى نظيره الروسي فلادمير بوتين لإثنائه عن الاستمرار بالمقاطعة الاقتصادية مقابل تغيير دراماتيكي في المواقف والتحالفات التركية في الملف السوري. وتتهم المعارضة التركية أردوغان بأنه ورط أنقرة في صراعات إقليمية لا مصلحة لتركيا فيها سوى سعيه الشخصي للبحث عن أدوار الزعامة، وأن تلك الأدوار أصبحت تهدد الأمن القومي للبلاد، وتفقد تركيا شراكات اقتصادية وعسكرية كانت توفر حلولا إضافية للاقتصاد التركي.