( مما لا شك فيه في التاريخ السياسي أنه خلال عصور طويلة سيطرت على الشعوب نظم إستبدادية من حكم الملوك والسلاطين ، وأقلية تشكلت من رجال دين اعتبروا أنفسهم أسمى مرتبة من رعاياها المنغمسة في الرذيلة والمعصية ، وزعموا أن أفعالهم ملهمة من قبل الاله ، ونصبوا أنفسهم حكاما بإسمه ، لا لهدف سوى بسط سيطرتهم على الناس ، ولكي يدافعوا عن مصالحهم الدنيئة التي تميزت بالبذخ والإسراف والسلطان ، ومن أجل ذلك أشاعوا الخرافة بين الناس وصدقوها ، وشرعوا المراتب بين الناس والطبقات ، وأشعلوا الحروب الطائفية ، وأعتمدوا سياسة القهر والإذلال للشعوب ووقفوا عكس حركة عقارب الساعة وضد العلم ومنطق العقل ، فكانت النتيجة أن غرقت الشعوب في التخلف والظلام ، وكان مصير الناس أن يكونوا أمما من عبيد ورعايا مثلهم مثل قطيع الخراف والأغنام ، لا تعرف ولا تملك من أمرها شيئا ، وأن عليها الخضوع والطاعة وتسليم مصائرها لولي الأمر). وهذا ما تنتهجه الانقاذ من سياسة إقصائية إستبدادية نحو رعاياها وشعبها ومواطنها ، الذي جعلت منه أسيرا للفقر والحاجة والفاقة ، وأقحمته في متون حرب مفتعلة شعارها ( أفيونة ) إسم الاله والجهاد ، ومضمونها الظاهر وهدفها المزعوم وحدة البلاد ولم الصف ، وحقيقتها الصارخة التقسيم والإقصاء والإبادة . ومما لا شك فيه أيضا أن مواطن السودان البسيط أصبح يعي ويدرك ذلك تماما على الرغم من كونه مطأطئ الرأس يرزح في مستنقعات الفساد والجهل ، وتحت إستبداد أقلية فاسدة خائنة للوطن ، تعبث بمستقبله ومستقبل أطفاله . نعم هو يعلم كل ذلك ويعيش ذلك الواقع بينما يعاني من إحتقار ضمني لذلك الواقع ، ولكن تخونه قدرة المواجهة والصدام والمجاهرة بالرفض ، ربما لعامل الخوف والرهبة ، وربما لعامل الفقر والحاجة ، وربما لعامل المرض والوهن ، وربما .... وربما ...... لكن المؤكد والأكيد أن المواطن السوداني البسيط تغيب عنه حقيقة أن هذا النظام بات أوهن من بيت العنكبوت ، وأن تلك الأقلية الحاكمة ضعيفة رعناء مهترئة تفتقد إلى كافة المعايير الوطنية والأخلاقية لبقائها في مسئولية الحكم ، على الرغم من كل أشكال ومظاهر ( فرفرة المذبوح ) التي يقومون بها ، وعلى الرغم من ( عنتريات ) رأس حيتها البشير وتصريحاته التي تأتي متناقضة ، متنافرة ومتضادة سواء مع نفسه أو مع تصريحات زبانيته من مسئولين ومستشارين أو مع قرارات وسياسات المنظومة العالمية عبر مؤسساتها والتي لا ترى فيه سوى مجرما للحرب ، ومحرقا للنسل ومغتصبا للعرض . لقد قتل ذلك البشير بدارفور من قتل ، وحرق ما حرق ، وأباد ما أباد ، ولم يكتف بذلك طيلة الفترة السابقة ، فلا يزال يمارس تلك الجريمة بدارفور على مسمع ومرأى العالم الخارجي ، وها هو يتوعد جنوب كردفان بمواصلة العمليات العسكرية وبتكرار لسيناريو دارفور وبنفس الاليات والأفراد ، فأحمد هارون وزير الدولة السابق بوزارة الداخلية ومشرف ومخطط عمليات الشرطة بدارفور أصبح واليا بجنوب كردفان ، بغض النظر عن تزوير الانتخابات وعن كونه مطلوبا للعدالة الدولية لجرائمه السابقه والأنيه واللاحقة . ولعل( ما يثير الضحك من شر البلية )هو تصريح البشير( بأن عبد العزيز الحلو مجرم وسيظل مجرما حتى تنفذ عليه أحكام العداله ، وبأن من خرج حاملا للسلاح وقتل المواطنين لا يمكن أن يرجع مواطنا عاديا ، وبأن العمليات العسكرية لن تتوقف في ولاية جنوب كردفان حتى يتم القبض على عبد العزيز الحلو وتقديمه للمحاكمة ) أوليس ذلك التصريح بمضحك ؟؟؟ أوليس ذلك التصريح بمبكي ؟؟؟ أوليس ذلك التصريح بمخزي ؟؟؟ أوليس ذلك الهذيان ببداية النهاية ؟؟؟ إن أقل ما يقال في حالة ذلك البشير ، خطبت فكنت خطبا لا خطيبا أضيف إلى مصائبنا العظام أشك في أن قائد ثورة المشروع الحضاري وخرافة الأسلمة المزعومة يعي مضمون الاية التي فحواها أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) ، وأن معلوماته الدينيه اقتصرت على ( فكذب وعصى ... ثم أدبر يسعى ... فحشر فنادى ... فقال أنا ربكم الأعلى ). منذ أن أطل علينا ذلك البشير ونظامه في ذلك الإنقلاب المشئوم وأستولى على مقاليد الحكم ولأمد يقارب من الربع قرن ونحن نستمع لتلك الهرطقات الجوفاء :- - في إيدنا رشاش في إيدنا مدفع ..... توكلنا على الله - أمريكا روسيا قد دنا عذابها - شهيدنا عرسو الليلة - الزارعنا غير الله يقلعنا - على الطلاق - المحكمة الجنائية الدولية تحت جزمتي - الداير الكرسي القاعد فيهو دا يطلع لينا الشارع - العمليات العسكرية في دارفور ما بتقيف - العمليات العسكرية في جنةب كردفان لن تتوقف - الحرب مع الجنوب انحنا مستعدين ليها ويظن المستمع لتلك الأكاذيب بأننا نعيش أيام العرب من حرب للبسوس وداحس والغبراء وكل جهالة العرب ولكن بمنظور( إسلاموإنقاذي) ، منظور جبان مهترئ لم يحرك ساكنا حين انتهكت سماء البلاد بالطائرات المقاتلة الإسرائيلية وقصفت الأراضي السودانية وقتلت من قتلت ، واكتفى حينها النظام السوداني بتصريحه بأنه يحتفظ بحق الرد . ( أسد على وفي الحروب نعامة ) ، منظور مريض ، كان أثره أن افتقد مواطن السودان للوعي بمفهوم الحرية وكرامة الإنسان ، تلك هي المشكلة أو الداء العضال الذي أصاب المجتمع السوداني وعلى مختلف مستوياته الإجتماعية والسياسية . فالمجتمع أصبح تحت وطأة رجال الدين الذين يرون أن الحرية قيمة شائنه وانحلال أخلاقي ودعوة للشذوذ ، يبكون انهيار الاخلاق التي ستأتي بها الحرية ، في حين أن الكبت وتقييد الحريات في عهد الانقاذ ألقى بظلاله على الجميع إبتداءا بالشارع العام ، مرورا بالجامعات والمؤسسات و وصولا الى مراكز إيواء اللقطاء ( بالمايقوما وغير المايقوما ) ، واصبح ( لبس البنطلون ) للفتاة هي ما يثير حفيظة الساسة والقضاة والسلطات التنفيذية ، وأصبح ذلك باعثا لاسقاطات رجال الدين و الفتاوى والنظريات ، في حين أن تلك الأصوات و( البلاعيم ) لم نسمع منها جملة مفيدة واحدة او كلمة عزاء عندما لقي العشرات من الاطفال من ضحايا الظلم الاجتماعي وفساد الانقاذ حتفهم تسمما بين صناديق القمامة وأرصفة الشوارع وقبيل أيام من إحتفالات البلاد بعيد ثورتها الثاني والعشرين ليأتي ذلك خير شاهد على إنجازات المشروع الحضاري وثورة الإنقاذ ومدى رفاهية الشعب والفضل والمن والسلوى التي أسبغت بها الانقاذ على مواطنيها . تمت إذاعة الخبر على حياء بوصفهم ( متشردين ) بعد أن تداولته وسائل الاعلام الخارجي بإعتبارها مأساة إنسانية تحدث في بلد (يتعنتر) رأس نظامها بتحدي القانون الدولي وتفتخر وسائل إعلامه بفحولته المطلقة ، ولم يجرؤ أحد من شيوخ الضلال والضلالة بأن يذكره بالحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) أو بمقولة عمر بن الخطاب في المسئولية التي تتجاوز ظلم الانسان الى ما أدنى من ذلك . أما سياسيا فحدث ولا حرج ، فقد أصبحت الأحزاب السياسية السودانية الرجعية التقليدية والتي تخلو برامجها من الايدولوجية السياسية الواضحة والمضمون الوطني أبعد ما تكون وعيا عن مفهوم الحرية وحقوق المواطن ، وباتت تسعى وتهرول وتركض لإغتنام ما يمكن إغتنامه من فتات مائدة الإنقاذ ( فسيدي ) لم يعد ( سيدي ) و ( الامام ) لم يعد ( إماما ) ، فهم يتسابقون إبتغاء السلطة لذاتهم وذويهم ، أما أبناء الوطن وحقوقهم فالتذهب مع الريح كما ذهبت سالفا بفعل أباء أولئك السادة والائمة والذين كانوا هم أنفسهم السبب في وصول من هو مثل البشير الى السلطة ليعيث الفساد في الوطن . إن حقوق المواطن تتضمن ثلاثة مبادئ لا يمكن الحياد عنها ولا تقبل المساس :- 1/ الناس يولدون أحرارا متساوون في الكرامة والحقوق وهم سواسية أمام القانون، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي . 2/ حق المواطن في الحياة والحرية وسلامة شخصه وعدم جواز إستعباده ، أو تعرضه للتعذيب أو الحط من كرامته بأي صورة من الصور ، وليس لسلطه أن تتدخل بشكل تعسفي في حياته الخاصه أو أسرته . 3/ لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والرأي والتعبير والدين ، والتظاهر السلمي و الإضراب وتشكيل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات السلمية . هذه الحقوق لم يتم تناولها بصورة موضوعية علمية واضحة من كافة الأحزاب السياسية بالسودان ولم يجرؤ أحدا من الإفصاح عنها جهارا نهارا سوى من قبل الأستاذ / عبدالواحد محمد النور ، وذلك عبر إعلانه في البداية الجديدة وعبر الفعاليات التي تلت ذلك الإعلان . ففي الوقت الذي تترامى فيه أحزاب الأئمة والأسياد في أحضان مجرمي الانقاذ تميعا في الرأي وترددا في العنصر وأفولا في الساحة السياسية السودانية يسطع نجم عبدالواحد محمد نور يقوة الطرح الفكري والذي يتضمن : ا / معرفة ما هية المشكلة الحقيقية التي تواجه السودان على إمتداد مساحته الجغرافية وإختلاف أقاليمه والتباين القبلي والعرقي بين مواطنيه . ب / الحلول الجذرية لتلك المشكلة بصورة سليمة وعادلة وموضوعية تكفل حريات الجميع وحقوقهم ج / اليات تنفيذ تلك الحلول ، بالصورة والكيفية التي تقتضيها الحاجة لإنفاذها على أرض الواقع . لقد ظل السودان ومواطنه يرزح في مستنقع فساد الحكم العسكري لأمد بعيد ، ولم تجلب الأحزاب السياسية السودانية سوى التعاسة وأمراض الفصام للمواطن السوداني لخلوها من المضمون الواقعي القابل للتطبيق الحقيقي ، و لعدم مصداقيتها أو لعدم أخذها بعين الاعتبار حقوق المواطن وحرياته ، وسئم المواطن السوداني المهاترات ومحاولات تحصيل الحاصل ، وبات خنوعا قنوعا ، ولكن كل دور إذا ما تم ينقلب ، ومن هنا أقف مناشدا وداعيا للأستاذ / عبدالواحد محمد النور لمواصلة ما ابتدأه في البداية الجديدة ، وأدعو جماهير الشعب السوداني للوقوف صفا واحدا والعمل من أجل سودان واحد ، يعلو فيه صوت الحريه والعلم والعمل ، بلا تزييف ، بلا تخويف ، بلا شعوذة ، بلا البشير . د.محمد الفاضل عبدالله