بقلم / شريف ذهب مهنة المتاعب .. هكذا تُنعت الصحافة دوماً ، فالصحفي غايته البحث عن الحقيقة ، رقيبه في ذلك ضميره الإنساني وشرف المهنة ، سلاحه قلمه ، يسطّر به مادته الصحفية ويدافع به عنها ، وحينما تتلغم كافة الأجواء ويعم الفساد كل البلاد ويطغى الظلم على العدل وتنكسر إرادة الناس بقوة السلاح الآخر الذي بيد السلطان الجائر ليتحول الباطل حقاً والحق باطلاً ، عندئذٍ تصبح مهام الصحافة والصحفي أكثر صعوبةً ، ويصبح احتمال تعرضه للمخاطر أكثر توقعاً ، ( قمعاً ، سجناً وأحياناً ربما قتلاً ) . بكل أسف هكذا هو الحال في السودان في ظل حكم نظام الإنقاذ ، وفاطمة غزالي ليست الأولى التي تدفع ضريبة المهنة وكشف الحقيقة المُرة التي يُراد لها دوماً أن تبقى مستورة خلف الستار ولو أزكمت رائحتها الأنوف ، ولن تكون الأخيرة ما بقي هذا النظام الجائر جاثماً على ظهر هذا الشعب ( المنبطح ) !! ، ومن قبل كانت لبنى أحمد حسين ، الغالي شقيلات ، أبوذر الأميين ، حواء عبد الله إسحاق وآخرون كثر ، وقضية صفية التي بموجبها تُحاكم فاطمة غزالي لا تشوبها أدنى شائبة مهما حاولت أجهزة أمن الدولة القمعية تبديل حيثياتها وتعطيل الحكم فيها أو طمسها وطمر الحقيقة ليصبح الجاني بريئاً والبريء جانياً . وإذا كان الأمر يتعلق بتوثيق مثل هذا النمط من جرائم الاغتصاب ، فدارفور خير شاهد حيث هناك مئات إن لم يكن ألاف القضايا الموثقة وضحاياها حضور للشهادة في يوم الوقت المعلوم . إن ( الحقيقة ) كالشمس في كبد السماء ، والذي يود حجبها عن الناس بإصبعه لا يخدع إلا نفسه ، وقد هب رياح التغيير الذي سيسقط كل أوراق التوت البالية عن جسد هذا النظام العاري لتتكشف سوءتها القبيحة ، وحينها سيهرب منها أهلها قبل غيرهم ، وحتى ذلك الحين فالحكم بالحبس لأي فرد من أفراد هذا الشعب لا يعدو عن كونه انتقال من غرفة كبيرة إلي زنزانة صغيرة ، فالشعب كله سجين يرتجي الخلاص من أهل الخلاص . المقال الذي سجنت بسببه الصحفية فاطمة غزالي مع (صفية) إلى أن يحصحص الحق الخرطوم في 6 يوليو 2011 / حريات /ظهور الفتاة الجامعية المغتصبة (صفية) من قبل أفراد تابعين لجهاز الأمن على حد قولها على شريط فيديو ، غير مطموس الملامح لشخصها، روت فيه تفاصيل ما تعرضت، تعد خطوة جريئة من فتاة سودانية، أقحمتها العادات والتقاليد في تابوت صمت عن ما يلحق بها من أذى جنسي لسنين عددا، دون مراعاة لكرامتها أمام نفسها ، قبل الأخرين،و بعيداً عن التفكير في إستعادة حقها المغتصب، وعرضها المهتوك، مما سهل على المجرميين والشواذ مهمة إرتكاب جرائم جنسية في حق المرأة سواءاً كان الغرض من الإغتصاب إستجابة لدواعي مرض نفسي، أو محاولة لإلحاق الأذى بخصوم سياسيين كما حدث لبعض نساء دارفور ، أو قهر نفسي قصد منه التخويف والإرهاب وإجهاض نشاط شبابي مناكف للنظام ، كما حدث ل (صفية). والآن يحق لنا أن نقول بأن جسر الحماية لهؤلاء المجرميين قد تهاوى بسيل من الوعي الحقوقي إنهمر من عل على عقول النساء،و أن مرحلة حماية الشواذ من أن يقدموا للعدالة بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد التي لا تسمح بذلك حرصاً على خصائص الشعب السوداني، ما عادت مجدية، لأن بعض من هذه العادات والتقاليد أوقعت معشر النساء في مهالك الضيم ، بوعي أو بدون وعي ،ووفرت الحماية للمعتدين على النساء، من منطلق نهج الصمت المتعمد الذين إستحسنه الكثيرون، بوصم الخوض في قضايا الجنس، والإغتصاب ما دامت تتعلق بفتاة وليس طفلة، خروج عن الأعراف ، والقيم ،والتقاليد السودانية، وأن الجرأة في تناولها( قلة أدب)، وفقاً لمفاهيم الكثيرين، بما فيهم بعض الذين ينصبون أنفسهم قادة مجتمع وسياسة ،وفكر ، وثقافة ، وعلم، ولكن نقول لهؤلاء (قلة الأدب) هي الصمت عن الظلم والقهر، قلة الأدب أن تكون نظرة الرجل للمرأة لا تتعدى (ما بين الفخذين) ، قلة الأدب أن نضع التي تتحدث عن إغتصابها في دائرة الإجرام إلى أن تثبت براءتها التي كثيراً ما تضيع بين (دا ما بشبهنا كسودانيين) كأن الشعب السوداني من الملائكة وليس من طينة آدم وحواء. لاغرابة في أن تواجه (صفية) هجمة شرسة من أشخاص لا يفقهون في الدين والعادات والتقاليد والقيم والأعراف إلا ما يتماشى مع أهوائهم، ويمكن لهؤلاء أن يرمونها بسيئ القول، والهمز واللمز، ونحن النساء ، وأخواننا من الرجال الذين يقفون بجانب حقوقنا نقول ل (صفية أنتي بطلة)، وأصبحتي الناطق الرسمي بأسم اللائي لم يجدن نصيراً في دارفور القصية، ويحق علينا أن ننصب لكي تمثال (شرف)، وبمقدار قساواة ما تعرضت له صفية من عنف جنسي ،وقهر نفسي، وعدوان جسماني عبرت عنه كلماتها العامية الواضحة لا لبس فيها، حتى العبرة التي كثيراً ما تعترض سير كلماتها، كانت كل الرسالة، وبمقدار الشجاعة التي ظهرت بها ، ستجد الحقوقيات والحقوقيين يقفون من خلفها إلى أن يحصص الحق، بفتح ملف تحقيق بشأن قضيتها مادامت هنالك جهة متهمة، وبحجم خطوتها الجريئة التي كسرت بها حاجز الصمت الذي ظل يؤرق بألم وجدان كثيرات تعرضن لجرائم الإغتصاب، سيضعها التأريخ في قائمة الشرف في زمن أضاع فيه الخوف قيمة الثأر للشرف.