في لقاء نادر مع الصحافة الأجنبية، تحدث الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى بيل ترو، مراسلة صحيفة إندبندنت البريطانية، مدير مكتب الصحيفة بإقليم الشرق الأوسط، حول مزاعم الجرائم التي ترتكبها ميليشياته وشراكته المستقبلية مع المملكة المتحدة. وقالت الصحيفة: أول الرسائل التي التقطناها عند دخول حميدتي إلى بهو الغرفة المخصصة للحوار كانت واضحة للعيان؛ إذ حرص الرجل الأقوى في السودان على ارتداء أزياء تقليدية؛ جلابية بيضاء، وعمامة، ليبدو أكثر شبهاً بتجار جمال، وهي مهنته في السابق، لا كقائد لقوة شبه عسكرية، متهمة باغتصاب المتظاهرين وقتلهم في الخرطوم، وبارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور. وأجريت المقابلة النادرة داخل مقر إقامة حميدتي في العاصمة. عبرها سارع إلى حث بريطانيا على إقامة شراكة مع قوات الدعم السريع، مستشهداً بجهود ربما كانت ميليشياته قد اضطلعت بها لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وقال حميدتي: "أولويتي ليست الحكم. أقسم بالله أني أرى نفسي مواطن سوداني فقط، مواطن عادي بسيط بلا مطامح في السلطة". وأضاف: "نؤكد للشعب البريطاني أن هذا التغيير هو تغيير حقيقي. صحيح، قد تكون هناك مشاكل هنا وهناك، لكنها تحت السيطرة ونتعامل معها". ويسترسل: "نأمل أن تكون المملكة المتحدة قريبة منا ونبني معاً شراكة حقيقية". وبحسب إندبندنت فإنه في ظل وجود جنود كثر في قوات الدعم السريع، وثروات كبيرة خلف القوات، غالباً ما يشار إلى حميدتي باعتباره القوة الحقيقية في عرش السلطة بالسودان. ووفقاً للصحيفة فإن حميدتي يريد أن يصور نفسه على أنه حامي الثورة. لكن قوات الدعم السريع التي يقف على رأس قيادتها معروفة بتاريخها الدموي في دارفور، وهي متهمة بمواصلة شن هجمات ضد المتظاهرين. ولا يعرف أحد على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين قتلوا منذ اندلاع الصراع لأول مرة في دارفور في عام 2003، لكن التقديرات تراوح عدد 300 ألف، إلى نصف مليون قتيل. كما أسفر القتال عن تشريد مليوني شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بعد الثورة، يقول أكثر من عشرة أشخاص في دارفور، بمن فيهم زعماء قبائل، لصحيفة الإندبندنت إنّ هناك غارات منتظمة على المناطق شرقي جبل مرة في دارفور. ويقول سليمان بلدو، منسق السياسات بمشروع كفاية، وهي منظمة أمريكية غير حكومية، أجرت أبحاثاً حول الإبادة الجماعية: "شنت قوات الدعم السريع هجمات ضخمة على المدنيين في 2014، 2016، 2017. وطبقاً للجنة خبراء الأممالمتحدة المعنية بالسودان، وبعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة هناك فإن هذا حدث ضد أشخاص في جبل مرة". ونشرت منظمة العفو الدولية هذا الصيف أدلة جديدة مقلقة تُظهر أن قوات الحكومة السودانية، بما في ذلك قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، تواصل تدمير القرى وارتكاب أعمال القتل غير القانوني والعنف الجنسي. كما رصدت وسائل الإعلام المحلية عدة هجمات وحشية وحوادث قتل رغم أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن عدد القتلى. وبحسب إندبندنت، يرفض حميدتي الادعاءات باعتبارها "استهدافاً ممنهجاً واتهامات دأب أفراد النظام القديم على الترويج لها ضد قوات الدعم السريع"، ووصف ميليشياته بأنها "حامية دارفور"، و"حامية الثورة". وتساءل: "من يحرس دارفور؟ من يحرس النازحين؟ من يدفع لهم التعويضات؟ من الذي يعيد حقوق الناس؟". وتابع "نحن.. نحن". ويؤكد حميدتي للصحيفة: "أولويتنا القصوى الآن هي نجاح الحكومة المدنية". ودافع حميدتي عن مزاعم ضلوع قواته في حادثات عنف أخرى ارتكبت في العاصمة. وفي الشهر الماضي، نشرت هيومن رايتس ووتش تحقيقًا يلقي باللوم على قوات الدعم السريع، متهماً إياها بفض اعتصام مناهض للحكومة في الخرطوم، قتل خلاله 120 شخصًا على الأقل، في الثالث من يونيو الماضي. ويعترف القائد بأن قواته "ليست ملائكة"، وأنه "قد تكون هناك جرائم" في الماضي، لكنه يؤكد أن المساءلة الداخلية تجري، بما في ذلك التحقيق في هجمات الاعتصام. وبدت تصريحات حميدتي، كما تصفها الصحيفة، كما لو أنها تنحي جانباً إفادات أخرى دأب على القول بها في مقابلات صحفية سابقة، حين كان يتحدث عن أن قواته دُفعت دفعاً إلى ما جرى، بعد أن تعرضت إلى "استفزازات لا توصف"، إذ قال بدلاً من ذلك: "إن من ارتكبوا الهجمات المروعة في العاصمة كانوا متسللين انتحلوا صفة قوات الدعم السريع". وبحسب حميدتي فإنّ "تفكيك الاعتصام كان في الواقع انقلاباً"، وتابع قائلاً إنه تم اعتقال 200 شخص على الأقل بتهمة انتحال شخصية رجاله، في محاولة لتشويه سمعة القوات. وأضاف: "وجدنا أن بعض الضباط الذين ألحقوا بقواتنا، وبينهم رتب مختلفة تشمل العمداء والألوية وكبار الجنرالات من التابعين لرجال النظام القديم". وبغض النظر عن اتهامات العنف ، كان حميدتي حريصاً على معالجة الموضوع الصعب المتمثل في الذهب، وهو أحد الأصول السودانية الأكثر إثارة للجدل والمثيرة للجدل أيضًا. وكان حميدتي قد ادعى في خطاب متلفز بعد أيام قليلة من سقوط البشير، أنه أودع مليار دولار في البنك المركزي، حصل عليها من مصادر متباينة تشمل الذهب والأموال التي يدفعها الخليج إلى قواته نظير قتالهم في اليمن. وظهرت بعد التصريحات سلسلة من التحقيقات تتساءل عن شركة عائلته المعروفة باسم "الجنيد"، التي يقال إنها تعمل في مجالات النقل والمقاولات إلى إدارة المناجم في دارفور وجنوب كردفان، وكلها تحت حراسة جنود من قوات الدعم السريع، ويُزعم أن الكثير من سبائك الذهب تهرب إلى دبي. وفي هذه المقابلة مع الصحيفة تشير إندبندنت إلى أن القائد حميدتي يحاول أن يؤطر نفسه كشخص وطني، صاحب "شراكات" و "أسهم" في الشركات لا صلة لها بقوات الدعم السريع، وأنه يدفع الضرائب. وتابع "ليس لدي مناجم ذهب. لا يوجد سوى منجم واحد في جبل عامر وشراكات الشراكات مع آخرين"، على الرغم من تعثرها إلى حد ما. ويضيف: "نحن ندفع الضرائب. نحن ندفع الزكاة. ندفع الجمارك. ندفع رسوم التصدير". مؤكداً أن وضعية الجنيد قانونية، وأن قوات الدعم السريع لا "تخلط بين السلطة والثروة". لكن مصادر حكومية وأخرى ذات صلة بالملف، وكذلك شهود العيان، يرسمون -بحسب إندبندنت-صورة مختلفة قليلاً وأكثر مدعاة للشك؛ إذ تنتشر في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، قصص ومزاعم عن رحلات ليلية إلى الإمارات بطائرات محملة بالذهب. وقال أحد السكان للصحيفة البريطانية، بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته: "لقد رأيت في الواقع مرة إحدى الشاحنات محملة بسبائك الذهب، قبل أن يغلقوا المطار بالكامل". ترجمة خاصة بسودان تربيون