حديث المدينة تصحيح مفاهيم..!! عثمان ميرغني. بمناسبة شهر رمضان.. هل تذكرون ما كتبته قبل عدة سنوات.. عن أحد الأصدقاء الذي ذهب في شهر رمضان لمصلحة حكومية لقضاء عمل.. قالت له الفتاة التي كانت تقف خلف (الكاونتر) في المصلحة الحكومية.. إن عليه الانتظار لمدة ساعتين ريثما تنتهي (تلاوة الصباح).. صديقي أغضبه الأمر فسألها كيف يتلون القرآن في موقع العمل.. ويعطلون حاجات المواطنين.. فحدقته بنظرة فهم أن معناها (انتظر.. ويستقطع ثمن محاججتك لي).. وفعلاً بعد نهاية التلاوة.. أي بعد ساعتين قالت له الفتاة: (الأرانيك خلصت).. بعبارة أخرى: لن نتمكن من إنجاز ما تريده.. لكنه استمرّ يستعطفها حتى تدخلت زميلة لها في العمل كانت تراقب الوضع فأخرجت (الأورنيك) من الدرج. ولسان حالها يقول له: (آخر مرة.. تقلّ فيها أدبك معانا). كان ذلك في رمضان.. ولأن الموظف العام يقهره الصيام.. أنصحك لوجه الله.. إن كنت تنوي أن تستثمر رمضانك هذا في تقويم حالك وترفيع سلوكك.. أن تعيد النظر في مفهومك عن الشهر الكريم.. الضجر من الصيام.. وإبداء القهر.. والضيق من العمل والتحايل عليه بحجة الصيام.. كلها محبطات لأجر الصيام وللحكمة التي يستهدفها الصوم.. لكن المشكلة أن الغالبية الكاسحة من الصائمين لا يفطنون لذلك.. ويتعاملون مع الصيام بمحطتي البداية.. ومحطتي النهاية.. بمنتهى المراسيمية.. بداية الإمساك فجراً.. ثم الإفطار مساءً.. بداية الشهر.. ونهايته بالعيد.. الصيام الحقيقي يعني ألاّ يتغير سلوكك العام.. نفس ساعات العمل بنفس الهمة والنشاط والحيوية.. والمحكّ أن تمارس كل ذلك وأنت ممتنع عن الطعام والشراب.. لكن إذا عطلت طاقاتك.. قصرت يوم العمل.. وأمعنت في الاسترخاء والكسل.. وأكثرت من التثاؤب.. وعطلت مصالح المواطنين الذين يراجعون الدائرة الحكومية التي تديرها.. فأنت هنا تمارس الاحتجاج الصامت لرب العالمين عن شهر رمضان.. انس تماماً أنك صائم.. قم بنفس العمل الذي كنت تؤديه في فطرك.. وحافظ على نفس الهمّة والبشاشة و(رطوبة) المعشر العام.. ولا تفترض أن للصيام (خلقه!) الخاص.. الضجر ضيق النفس وقسوة قسمات الوجه.. وتذكر أن الجيل الأول من المسلمين أنجزوا أعظم الفتوحات وهم صائمون.. انتصروا في معارك عسكرية قاسية .. وآخرها معركة عشرة رمضان في مصر الشقيقة.. عبر المصريون قناة السويس وهم في أضعف حال وأمام مخاطرة بالغة التعقيد.. ومع ذلك انتصروا وهم صائمون.. كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف الشباب وهم مندفعون كالأسود في صحارى سيناء بلا أدنى إحساس برهق الصيام والجوع والعطش.. هي ثلاثون يوماً.. المحكّ فيها أن تمارس الجوع والعطش بأقصى يقين ممكن.. ثم تفطر مساء وتمارس الأكل والشراب دون أن يراودك مجرد إحساس أنك في حالة طوارئ.. بغير ذلك .. يصبح الصيام مجرد عادة اجتماعية.. تتطلب فعلاً أن يتسابق أصحاب السيارات قبل أذان المغرب للوصول إلى بيوتهم والاستمتاع ب(العادة). عادة الإفطار الأسري في رمضان.. التيار نشر بتاريخ 31-07-2011