مريم عبد الله عمر آدم الشهيرة بلقب (أم الجيش) امرأة دارفورية انضمت لصفوف القتال لم يكن وراءها تعليم عالٍ ولكن أمامها أحزان دارفور الممتدة عميقا في جرح الوطن. كانت في حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة السيد عبد الواحد محمد النور، ثم انضمت لحركة وجيش التحرير والعدالة بقيادة دكتور التجاني السيسي. ولأنها كانت كبيرة في سنها بالنسبة للشباب الذي كان ينضم لفرق حملة السلاح لقبت بأم الجيش، فكانت حيثما حلت مضرب المثل في الإقدام لامرأة دارفورية، والنساء الدارفوريات معروفات بعزة النفس والإقدام منهن الميارم اللائي لا ينعقد شيئا بدونهن والحكامات اللائي يرسمن العرف ويجزين ويحاسبن بكلماتهن. وبلغت درجة سطوة النساء هناك أن الرحالة ابن عمر التونسي الذي زار الإقليم في عهد سلطنة الفور قال: ولولاهن لما استقام لأهل دارفور شيء. في يوم الخميس 14 يوليو 2011م وقع دكتور التجاني السيسي وثيقة بزعم حل مشكلة دارفور. كان مؤتمر أصحاب المصلحة (وهي ترجمة خاطئة لجملة إفرنجية يصح أكثر أن تترجم بأهل الشأن) عرضا مصاحبا للتوقيع حضرته جماعات تيمية تشهد فلا تستأمر ولا حتى وزعت الوثيقة لهم: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود! كان التوقيع من قبل قامة كالدكتور التجاني السيسي فاجعا لكثيرين أملوا في حكمته وعلى الأقل في أن يكون (أذن خير) تسمع للنصائح المتكررة من حادبين ألا يكرر سقطة أبوجا وتكون له أسوة غير حسنة في تجربة السيد مني أركو مناوي الذي قال إنه كان مساعدا لرئيس للجمهورية بصلاحيات أقل من “مساعد حلة" ومساعد الحلة هو الشخص الذي يرافق سائق عربات النقل في السفريات البرية ويقوم بتحضير الطعام! كانت الأصوات تعلو قائلة إن أي اتفاق لحل دارفور ينبغي أن يحتوي على الحد الأدنى من مطالب الإقليم التي صارت معلومة للجميع: مطلوبات توحيد الإقليم وتصحيح حدوده وتمثيله في الرئاسة واحترام خارطة حواكيره الموروثة، ونصيبه في السلطة والثروة وفقا لحجم السكان، والتعويضات الفردية والجماعية عن أضرار القصف والتهجير، وصيغة مقبولة للعدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة، ومشاركة جميع الفصائل المسلحة والمدنية والسياسية والقبائل في مؤتمر لإجازة أسس الحل، والمصادقة القومية عليه وتسكينه في دستور ديمقراطي يكون محط إجماع وطني. هذه الأسس تجب أبوجا، والإستراتيجية الحكومية المقررة لدارفور والتي أمنت على شرعية حكام دارفور الحاليين (المنتخبين). فالمجتمع الدارفوري مجمع على رفض الانتخابات والإحصاء السكاني الذي قامت عليه. الوثيقة الموقعة في الدوحة وبرعاية قطرية أمنت على بعض المطالب المشروعة، ولكنها أغفلت مطالب هامة. فهي تتذبذب في أمر وحدة الإقليم والاستفتاء المزمع حولها يمضي كالمثل (تنبح أم عويل والهبوب تشيل)؛ وحول الرئاسة: (نفى الدكتور غازى صلاح الدين، مستشار الرئيس السودانى ومسئول ملف دارفور، وجود اتجاه لتعيين نائب لرئيس الجمهورية من دارفور، وقال فى لقاء تليفزيونى بقناة “النيل الأزرق" إنه إذا كان هناك منصب نائب للرئيس فسيكون من أبناء المؤتمر الوطنى). وأمنت الوثيقة على الحكام الحاليين مع سلطة هلامية الصلاحيات، وعلى التعداد السكاني الخامس الذي انتقده أهل الإقليم بقوة وأصدر مجلس شورى قبيلة الفور بيانا ملتهبا طالب بإلغاء نتائجه استنادا على ملاحظات أساسية وبالرجوع لتعداد 1993م. كذلك فإن الوثيقة تعيد إنتاج مشاكل نيفاشا فتنص على إجراءات دقيقة مجدولة باليوم بعضها ينفذ بعد خمسة أيام أو أسابيع أو شهر، كأن جداول نيفاشا لم تكن إلا شاهدا على الأحلام الزلوطية أو كما قال الإمام الصادق المهدي (اتفاقية كثيرة الثقوب كالجبن السويسري ومخطط لتنفيذها بالساعة السويسرية!) ومن أبوجا استنسخت ابتعاد حملة السلاح الأثقل في الميزان! وسوف نقدم بإذن الله قراءة أكثر تفصيلا للوثيقة التي تحصلنا عليها برغم سياج الحظر المضروب والتضارب في الوثائق والحديث عن أن بعضها مسرّب.. بالله هل من قبل سمعتم أو قرأتم عن وثيقة تزمع حل قضايا وطن تُحبس عن الناس، ولماذا؟ حينما كتبت الأستاذة شمائل النور بصحيفة التيار مستنكرة توقيع الدكتور التجاني السيسي بذلك الشكل الذي لم يتعظ من الدروس، ردت عليها الأستاذة فاطمة غزالي بصحيفة الجريدة بعنف ما كنا نحبذه لفاطمة التي قرظنا موقفها الشجاع الأخير. لدكتور التجاني السيسي تاريخه المشرّف ومواقفه الوطنية، وكانت عليه آمال عراض ولكنه وقع في ذات الفخ، فلا تمدحن غزالي لنا (الراكوبة في الخريف)! كيف يقوم شخص بحنكة السيسي بعقد اتفاقية مع حزب المؤتمر الوطني وحده وبدون حتى فتح الباب مستقبلا للآخرين كأن أهل دارفور ومشكلة دارفور هي مشكلة حركة وجيش التحرير والعدالة فقط؟ وها نحن نقرأ: (وشدد غازى على أن وثيقة سلام دارفور التى وقعت فى الدوحة نهائية ولن تفتح أبدا)!..(وأبدى تفاؤلا كبيرا فى أن تحقق وثيقة سلام دارفور السلام العادل، مقارنةً باتفاقية أبوجا، وعلل ذلك بوجود أجواء إقليمية ودولية وداخلية مواتية). فهل يظن دكتور السيسي مثل العتباني أن الأجواء اليوم مواتية؟ إذن علينا نحن في آمالنا الأولى عليه العتب! أظهر موقف واضح اتخذته أم الجيش اتجاهات البوصلة الدارفورية الآن. إذ أصدرت بيانا بتاريخ 25 يوليو الماضي أكدت فيه مغادرتها لصفوف التحرير والعدالة وقالت (إن التسويات الجزئية رفضناها فى أبوجا والدوحة وسنرفض أى منبر لا يناقش كل قضايا السودان, وندعو لوحدة صف قوى المقاومة المسلحة تحت هدف واحد وهو إسقاط نظام الجبهة الإسلاموية فى الخرطوم, وإقامة نظام حكم ديمقراطى علمانى رشيد, يحترم التعدد والتنوع, وأن تكون المواطنة هى الأساس الأوحد للحقوق والواجبات, وينصف المظلومين والمقهورين والمحرومين, ويقدم القتلة والمجرمين للعدالة جراء ما إقترفوه من جرائم فى حق شعبنا الأعزل). نحن لا نوافق أم الجيش على العلمانية ونظنها ككثيرين يتحدثون عنها لنفي المشروع الحضاري المستند على شعار إسلامي وحسب.. ولكننا نعتقد أن (أم الجيش) قد أثبتت أن بوصلتها صحيحة ولا تنطلق من أسس عسكرية وحسب بل كذلك من وعي وطني وإدراك للاتجاهات المطلوبة لبناء الدولة السودانية المرجوة.. فهي وإن كانت أما للجيش، أمٌّ للدولة! وليبق ما بيننا