د.كمال عبد القادر لقد مضى على شعار (وقف اطلاق النار) في السودان عقدان من الزمان، وهو الذي ظل على الدوام كلام تلوكه جهات حكومية أو محاربة أو اجنبية، وبالطبع فإن ايقاف اطلاق النار هو المقدمة الأولي لوقف الاحتراب والمضي لإقرار السلام. وبالأمس طلعت علينا الصحف بنداء اللواء دانيل كودي، وسبقه الفريق مالك عقار وقبلهم كثيرون وهكذا. ولكن الذي يراه السودانيون اليوم ليس سوي حرب عبثية تبدأ هنا وتستمر هناك ولا تنتهي هنالك ، والحرب أولها كلام. هنا يحتار العقل أمام مشاهد هذه المسرحية العبثية، فالحرب التي بدأت في الجنوب انتهت وبعد عدة مرات توقف خلالها اطلاق النار إلى انفصال وتمزيق السودان ليصبح دولتين، ونجد للأسف من يصفق للانفصال الذي حشدت له نوافير الجحيم من صحف وإعلاميين ومن قارعي طبول الحرب فضلاً عن الذين خططوا له بدقة لتنفجر الأوضاع التي انتهت إلى ما انتهت إليه لتنتقل إلى غرب السودان. ويعجب الإنسان أكثر، إن وقوع الانفصال الذين جدوا في تبريراتهم إنهم يتناسون إن جذور الأزمة التي افضت إليه هي (إثنية، ثقافية وعرقية.. الخ) ويتناسون إن الجنوب والغرب يلتقون في جذور الأزمة التي لم يأخذونها في الإعتبار. إن آمال وأماني شعبنا كلها تتجسد في كلمتين هما الوحدة والسلام، وإنها تعلو على أي مطامع، وكيف إن كل هذه الآمال والاحلام تتحطم على صخرات النوازع الخاصة والافكار المتصلبة والاطماع التي لا تقف عند حد. إنها محنة العقل في الأزمة السياسية في السودان، والتي يدركها كل من ميز بين الأسباب والنتائج، ونتساءل: أي الطريقين اسهل واضمن للخروج من المأزق الراهن؟ السير في اتجاه قرع طبول الحرب أم ايقاف اطلاق النار تمهيداً للجلوس إلى مائدة المفاوضات بمصداقية من يخشي تمزيق الوطن، وأي الهدفين ينبغي أن تكون له الأولوية؟ ما أكثر علامات الاستفهام التي تنتاب الإنسان أمام الذي يفعله دعاة الحرب لتحقيق مأربهم ومطامحهم، حتى لو جاءت النتائج مزيداً من الجثث والخراب وأنهار الدماء والموت، أم إن هؤلاء لا يفيقون حتى يلف أبناء شعبنا الحسرة والضياع على ضياع الوطن. القضية يا سادة ليست في وقف اطلاق النار (رغم أهميته عند وقوع الإحتراب) ولكن في اطلاق الحريات التي تكون المقدمة الأولى للحفاظ على وطن الجدود. الميدان نشر بتاريخ 11-08-2011