إليكم ....... ( تعالوا نعالج بعضنا)..فالحكومة تشغلها الفضائيات..!! الطاهر ساتي [email protected] ** قبل رمضان بأسابيع، قصدت ذات مساء مستشفى بحري لزيارة أحد معارفي، شفاه الله.. وإذ بأمرأة في العقد الرابع من عمرها تحمل طفلا تمد لي يدها لتريني ورقة لم استطع قراءة محتواها في ذاك الظلام.. ومع ذلك، لم أعجز عن تفسير مقصدها، ولذلك ناولتها ما تيسر، ولكنها قالت بحياء : ( الدواء ده غالي يا ود أبوي وما عندي غير 3 جنيه)، فعلمت بأنها مدت لي ( روشتة دواء)..للأسف لم أحسن الظن، حيث كثيرة هي التحقيقات الصحفية والتصريحات الشرطية التي أكدت بأن هناك نساء يستأجرن أطفالا ليمارسن ( الشحدة) في شوارع الخرطوم.. لذلك، توجست وطالبتها بالروشتة ثم بمرافقتي الي أقرب صيدلية، ولم تكن بعيدة عن المستشفى، ولم تمانع..وقفت عند مدخل الصيديلة بالخارج، فدخلت ثم عدت اليها بالأدوية التي لم يتجاوز سعرها ( كم وعشرين جنيه)، ولم تدعني أغادر..سألتني عن الدواء الذي يمكن أن يتناوله طفلها في ذات اللحظة، بحيث يخفض درجة حرارة جسده قليلا، فناولتها المضاد الحيوي المصاحب للدواء وقارورة مياه.. وغادرتهما بعد الدعاء بالشفاء ..!! ** قبل أن تغادر ( مسطبة الصيدلية)، عاتبت نفسي على سوء الظن، بحيث حسبتها (محتالة)، وإذ هي ( محتاجة)..كم من الزمن إستغرق وقوفها أمام ذاك المستشفى ومعها طفلها المريض؟، وكم نفرا تجاوزوهما وغضوا الطرف عن سؤالهما وحاجتهما للدواء بمظان انها تحتال على الناس، أوكما كدت أفعل؟..والأدهى والأمر : كم مثلهما في جوف الأرياف وقاع المدائن؟.. أوهكذا تساءلت يومئذ، ثم ( لعنت الحكومة )، كأفضل إجابة نموذجية على كل تلك الأسئلة، وذاك الحال المحزن..نعم تلك هي السبب، لانها عجزت عن توفيرحكم راشد يحتوي (الفقير والمسكين) بحيث لا ترهقه أثمان الدواء الذي به يتداوى حين يمرض أو يمرض طفله..ثم سياسة الحكومة لاتزال ترجح كفة ( الأمن والدفاع) على كفة ( العلاج والتعليم) في ميزان صرفها، ولذلك لايرجى من ساستها شئ غير تبرير (ذاك الترجيج)، وهو تبرير لايفارق محطة ( انتو طبعا عارفين الظروف اللى بتمر بيها البلد في دارفور وجنوب كردفان)..طبعا تم خصم الجنوب من أسطوانة ذاك التبريرالفطير لتحل محلها (جنوب كردفان)، ولا يسألون أنفسهم في ساعة صفاء سؤالا من شاكلة ( لماذا أصلا تمر البلد بهذه الظروف ؟، ولماذا لاتفارق خطاها درب تلك الظروف ولو عاما، ناهيك عن العقود والقرون كما بلاد الدنيا والعالمين المطمئنة أطرافها والآمنة حدودها ؟)..ولو كانوا يسألون لما برروا بتلك الأسطوانة المشروخة كل عام ، ولما وقفت تلك إمرأة في الطرقات ليلا، لتسأل الناس ثمن دواء طفلها ..!! ** وتلك المرأة كانت في خاطري حين قصدت خيمة الصحفيين يوم الخميس الفائت، ولذلك سألت والي الخرطوم أسئلة منها : هل الأفضل لأهل ولايتك - ثم لك شخصيا - الإنفاق على التعليم والصحة والفقراء العاجزين عن الدخول في مظلة التأمين الصحي، أم الإنفاق في تأسيس فضائية جديدة قيمة ايجار قمرها الصناعي تتجاوز شهريا ( 15 الف دولار)، ناهيك عن الميزانية الشهرية التي تنفق على كادرها وبرامجها، والتى تقترب الى (100 الف دولار)، كما أقر بها سيادته في تلك الليلة ؟..أيهما يجب أن يعلو على الأخر في قوائم أولويات هذا الظرف الاقتصادي المهين يا عالم : إكمال مظلة التأمين الصحي لشريحة تلك المرأة - والملايين من أمثالها- أم تأسيس ( قناة ولاية الخرطوم) ؟..ومن هو هذا العبقري الذي رفع تقريرا - للوالي - يفيد ب ( الشعب يريد فضائية دولية )؟..هل فضائية السودان أدت دورها كما يجب، بحيث صارت ( قبلة المشاهدين)، حتى تتحفون الناس والحياة بفضائية الخرطوم (كمان)..؟؟ ** فلتكن للخرطوم فضائية دولية، وكذلك لبحري وجبل أولياء، ولاتنسوا الحاج يوسف والكلاكلات و دار السلام أيضا، ولكن ليس الآن..نعم ليس في زمان يجوع فيه (140 الف طفل) أثناء ساعات الدراسة ليطعمهم أهل الخير بواسطة مجددون..وليس في زمان عجزت فيه حتى لجان الزكاة عن رصد واحصاء وتغطية أعداد الأسر المتعففة في طول البلاد وعرضها..وليس في زمان بلغ فيه سعر جوال السكر ( ربع مليون جنيه)، وسعر الدولار تجاوز ذاك الربع و يزحف نحو الربع الثاني..فلتكن فضائية العاصمة، بل فضائيات كل أحياء العاصمة - وغيرها من الكماليات والشوفونيات- في زمان غير (عام الرماد هذا)..ألا تشعرون بآلام الناس وأحزانهم ومعاناتهم ..؟؟ ** و..عفوا، نصحكم كما النقش في الحجر، أوكما الصراخ في واد غير ذي صدى، فافرحوا بفضائيتكم التي لن تبث (مشهد إمرأة تسأل المارة والسيارة ثمن دواء طفلها)..ولذلك نتجاوزكم، و نقدم للمجتمع - ومنظماته ومساجده وأنديته وشبابه - معلومة مفادها ( 25 جنيها فقط لاغير، هي قيمة إدخال أسرة متعففة تحت مظلة التأمين الصحي )..نعم ( تعالوا نعالج بعضنا)، فالحكومة يشغلها تأمين ذاتها، والدفاع عن ذاتها، ثم تأسيس فضائيات تلمع ذاتها..أوهكذا يجب التفكير في إصلاح ما يمكن إصلاحه، إلا أن يصلح الله الحال العام ..!! ................ نقلا عن السوداني نشر بتاريخ 14-08-2011