مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المراة السودانية والاسلام السياسى وحقيقة الحجاب
نشر في سودانيات يوم 10 - 09 - 2011


[b]المراة السودانية والاسلام السياسى وحقيقة الحجاب
سلوى محمد عثمان
[email protected]
لقد ظلت المراة السودانية ومنذ وقت بعيد تتطلع دوما لنيل كافة حقوقها . وظلت الحرية تمثل قاعدة اساسية لهذه الحقوق .فالحرية هى الاساس الذى تقوم عليه نهضة الامم . ونهضة الامم ترتبط عبر التاريخ بمدى التقدم فى مجال حريات وحقوق المراة.. ومنذ لحظة باكرة فى تاريخ الابداع السودانى المكتوب . كانت المراة صاحبة قدح معلى . اذ كتبت ملكة الدار محمد عبد اللهخ روايتها( الفراغ العريض )التى شرحت فيها الانتهاكات البالغة التى تتعرض لها المراة فى مجتمع ذكورى متخلف مثل المجتمع السودانى . تحكمه العادات والتقاليد البالية التى كان الغرض الاساسى منها . ابقاء الرجل مهيمنا على جسد المراة وحياتها ..ومنذ تلك الفترة ( الخمسينيات )حتى الان ظلت المراة فى السودان تناضل فى سبيلانتزاع حقوقها .ذادها فى مسيرة نضالها الشاق ما اختطته الاستاذ بابكر بدرى رائد تعليم المراة فى السودان منذ1910.. فقد استوعب الاستاذ بدرى مبكرا ان حصول المراة على حقوقها مدخله الاساسى حصولها على حقها فى التعليم ... ومثل نضال المراة لاجل الحصول على هذا الحق القاعدة التى انطلقت منها المراة السودانية فى مسيرتها النضالية الطويلة ..لنيل حريتها وحقوقها الاجتما)عية والسياسية والاقتصادية ..وشهدت العهود الديموقراطية فى السودان( 56_58).(64_69).(85_89)نموا واذدهارا فى مجال الوعى بقضايا المراة . خلال ما بذله الاتحاد النسائى السودانى من مجهودات وتضحيات حقق خلالها مكاسبا كبيرة للمراة السودانية .زاده فى ذلك ما استلهمه من نضالات المراة السودانية منذ ( الكنداكة ) فى النوبة القديمة قبل الميلاد مرورا ب(مهيرة )و(بنونه)( ابان الاستعمار التركى المصرىحتى القرن التاسع عشر )الى اخره من العلامات البارزة فى مسيرة المراة التى سجلتها مختلف المواقف التاريخيه بوقائعها واحداثها المشرقة .
..ولكن كانت كل هذه المكاسب تتراجع اثر كل انقلاب عسكرى .شمولى اذ افقدت الانقلابات العسكرية فى السودان المراة ما اكتسبته خلال تاريخ طويل من النضال . بما احدثته هذه الانقلابات من تغييرات فى الدستور والقانون . حيث تصبح المراة هى اول ضحايا التغييرات الدستورية والقانونية المنسوبة زيفا الى الدستور والقانون فى الوقت الذى لاتمت الى ذلك بصلة .... وبمجىء حكومة الجبهة الاسلامية الى الحكم فى السودان بعد انقلابها الدموى فى 89 . تراجعت حقوق المراة بصورة لم تحدث طوال تاريخ المراة فى السودان .اذ مرت المراة فى هذه الفترة باسوا واقسى مراحل تجربتها . فى مقاومة الاستبداد الذكورى باسم الدين ..اثر التغييرات الجذرية التى احدثتها حكومة الجبهة الاسلامية فى الدستور . وما ابتدعته من صيغة ظلامية اسمتها بالدستور الاسلامى . ففى حقيقة الامر المعاش ان الجماعات المنسوبة الى الاسلام العديد من قياداتها فى السودان . تورطوا فى العديد من القضايا الاخلاقية ضد المراة وهو ما نشرت عنه المن 86_89 حتى لم يبق امام هذه الجماعات الا الانقلاب لدرء سوؤاتها التى اصبحت واضحة للعيان .. والذى يتابع صحيفة الوطن السودانية فى تلك الفترة يدهشه مدى الانحطاط الاخلاقى للقيادات المنسوبة الى الاسلام .....( كانت صحيفة الوطن التى يراس تحريرها سيد احمد خليفة متخصصة فى ذلك الوقت فى الانحرافات الاخلاقية لتنظيم الجبهة الاسلامية )وعبرت هذه الانحرافات . عن حقيقة الوعى الجنسى المريض المهيمن على المنسوبين الى الاسلام . الامر الذى يجعلهم مهمومين ومهجسين بحصار المراة وخنقها فقط لارضاء رغباتهم المريضة .
وهو ما دفعهم فى السودان الى تفويج الشباب الى مناطق الحرب . بعد خداعهم بانهم سيحصلون على_( الحور العين )عندما يموتون . والملاحظ ان عبارة الحور العين ظلت تترددكثيرا طوال فترة حكم الجبهة الاسلامية على وسائل الاعلام المختلفة والخطب الجماهيرية التى استهدف بها الشباب الذى لاتجربه له بحكم صغر السن . ما يؤكد مدى الهاجس الجنسى الذى يهيمن على قادة المشروع المنسوب الى الاسلام فى السودان . فلااحد من هؤلاء المجاهدين يريد ان يموت لاجل رؤية وجه النبى الكريم مثلا . فكل حلمه وهدفه الذى يموت من اجله هو الحصول على الحور العين والغلمان ؟!!...ليحقق رغباته المريضة بصورة ميتافيزيقية . بعد ان فشل فى تحقيقها على المستوى الفيزيقى ؟!!..وهذا مبحث جدير بان يلتفت اليه علماء النفس والاجتماع لدراسته بصورة عميقة .....
ان المراة تعرضت لانتهاكات بالغة فى ظل نظام الجبهة الاسلامية التى سخرت جنودها فى مناطق الحرب لاغتصاب النساء والفتيات القاصرات . كما مارست الاجهزة المدعوه( بالنظام العام )(والشرطة الشعبية)انتهاكات لاتصدق ضد طالبات الجامعات والمدارس الثانوية .. ويمكننا الجزم بان الاسلام السياس فى السودان . نجح فى تحويل المراة الى ارملة عمل على تيتيم الاطفال . وما خلقه من وضع اقتصادى متردى ادى الى ان تفقد المراة كرامتها وكبريائها . فى سبيل الحصول على لقمة العيش .. كما مزقت الاسرة السودانية شر ممزق واضهد المراة لاقصى حد يمكن تصوره باستغلالها جنسيا واجتماعيا واقتصاديا الامر الذى خلق الكثير من الظواهر السالبة التى لم تكن موجودة فى المجتمع السودانى .
جرى جدل مثير في الأشهر الأخيرة، حول الحجاب، في بلادنا وفي غيرها من البلدان العربية بالاخص سوداننا الحبيب منذ مجئ حكومة الجبهة الاسلامية او الانقاذ بزعامة البشير والترابي عام 1989، غذته الفضائيات الخليجية الدينية وغير الدينية بما في ذلك "قناة الجزيرة". وقد شمل هذا الجدل العديد من البلدان الغربية، وعلى الأخص فرنسا أين شاركت فيه جميع الأوساط تقريبا، حيث لم تتخلف مكونات المجتمع المدني والسياسي عن الإدلاء برأيها. وكان للمختصين والمثقفين ورجال الديانات الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، في هذا النقاش الذي تناقلته مختلف وسائل الإعلام المقروءة والسمعية والبصرية وشبكة "الواب". وصادق المجلس التشريعي الفرنسي على قانون يحجّر حمل علامات دينية في المؤسسات التعليمية العمومية.
وتقابل في هذا الجدل،تياران كبيران، الأول رافض لكل أشكال حجب المرأة باعتبارها مظاهر دالة على استنقاصها واستعبادها وإهانتها كذات إنسانية، والثاني يعتبرها ركنا من أركان الشريعة وأعطاه صفة لباس "شرعي إسلامي".
ويدعم الماسكون بالسلطة في السعودية وإيران (الوهابية في السعودية والخمينية في إيران) أصحاب التأويلات الدينية الأكثر تزمتا وسلفية والجماعات الأصولية الأكثر تطرفا وسلفية وانغلاقا، فلم يبخلوا عليها بالدّعم المادي والمعنوي وبترويج أفكارها الظلامية. من ذلك توزيع، "الزّي الإسلامي" والكتب الصفراء وكتب أبو الأعلى المودودي وأقطاب الحركة السلفية، مجانا في كثير من الأحيان، ويتركون الشباب يأخذها في المعارض دون رقيب.
ويواجه هذا التيار الرجعي تيار إصلاحي في جميع المناسبات، فكان له معه جدل حول الحجاب وتأويلات شرعية في مجالات أخرى. وهو ما حصل مع المستشار محمد سعيد العشماوي في مقابلة مع شيوخ الأزهر ومحمد الطنطاوي مفتي الجمهورية المصرية، في أواسط العشرية الأخيرة من القرن الماضي.
والملاحظ أن هذا التقابل بين التيار الإصلاحي، من داخل المنظومة الدينية، وبين التيار المحافظ، لم يحصل بعد في بلادنا، إذا استثنينا الآراء التي عبر عنها الأستاذ الطالبي أو الأستاذان الجورشي والنيفر. والأنكى أن آراء وأفكار وتنظيرات ظهرت في الصف الديمقراطي واليساري تدعو إلى "حرية اللباس" باسم حقوق الإنسان والحريات الفردية، متجاهلة ما يرمز إليه من تمييز جنسي ونظرة دونية للمرأة، وأخرى في صف السلطة تدعو للعودة إلى اللباس التقليدي، معارضة "للباس الطائفي"، معوضة بذلك الحجاب بحجاب آخر.
فكان ولا بدّ أن ندلي برأينا في الموضوع، دفاعا عن السفور ضد الحجاب، ضمن المحاور التالية:
1- الحجاب
2- أنواع الحجب التي شهدتها البلدان العربية والإسلامية
3- تاريخ الحجاب
4- كيف ظهر التمييز بين المرأة والرجل
5- الأديان وحجب المرأة
6- الحجاب يؤسس لفكرة المرأة الجنس
7- اللباس ظاهرة حضارية
8- شعر المرأة ليس عورة
9- الحجاب مؤسسة فصل بين المرأة والرجل في المجالين البيتي والعمومي
10- الحجاب يافطة سياسية لمشروع استبدادي متستر بالدين
11- السفور من صميم القضية الديمقراطية و"حرية اللباس" تعني القبول بدونية المرأة
12- الدعوة "للعودة إلى اللباس التقليدي" هي تعويض حجاب بحجاب
13- الحجاب لا يمثل العفة وحسن الأخلاق
14- مصلحون ناهضوا الحجاب على أساس التأويل الديني
15- أما آن للديمقراطيين واليساريين أن يقفوا موقف الطاهر الحداد من قضية المرأة؟!
1- الحجاب
كمدخل لنقاس موضوع الحجاب ارتأينا تقديم مقتطفات ممّا كتبه الطاهر الحداد حول الموضوع، تقديرا لشجاعته وصفائه الذهني في دفاعه عن قضية المرأة، يقول في شأن الحجاب:
"ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعا للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين. وما أقبح ما نوحي به إلى قلب الفتاة وضميرها إذ نعلن اتهامها وعدم الثّقة إلا في الحواجز المادية التي نقيمها عليها. ونلزمها هي الأخرى أيضا أن تقتنع بما قررنا راضية بضعفها إلى هذا الحد موقنة بخلوده الآتي من أصل تكوينتها. وليس عند هذا الحد وقفنا بل قد كان هذا النوع من الحجاب رخصة لخروجها من منزلها تقدر بقدر الضرورة الموجهة للخروج كموت الأقارب ومرضهم وما أشبه ذلك في الأهمية. .......
الحجاب عادة في المدن وبعض القرى أما باديتنا على العموم فهي سافرة على الفطرة. غير أني كلما فكرت في أمر الحجاب لا أرى فيه إلا أنه أنانيتنا المحجنة بالشعور الديني كحصن تعتز به على المخالفين. لا سيما إذا رأينا أن هذا الشعور يتضاءل حتى يكاد يفنى فيما يتعلق به غرضنا وهوانا. ويكفينا أن ننظر إلى زنى الرجال والمرأة كيف يعتبر منه جرأة واقتدارا ومنها سبة وعارا. ..............
إن الحجاب قد كان أعظم حائل بين الرجل والمرأة في اختيار كل منهما للآخر عند إرادة الزواج......................
إن الحجاب أوجد للرجال حياة خاصة خارج المنزل لا تعرفها النساء...........". (1)
2- أنواع الحجاب التي شهدتها
البلدان العربية والإسلامية
لم يظهر الحجاب في صيغة "زيّ إسلامي"، باسم الدين والقانون، إلاّ في عهد المماليك وانتصاب الأتراك العثمانيين في الحكم، الذين حكموا البلاد العربية باسم الدين والخلافة طيلة أربعة قرون. لقد فرضوا على المرأة، فرمان صدر عن السلطان سليمان بن سليم سنة 1517م يحجر عليها السّير في الطريق العام سافرة. وإن تجاسرت وفعلت، تعاقب بقص شعرها بالشفرة (الموسى) وتمتطي حمارا بالمقلوب وتعرض في الأسواق العامة.
إن إذلال المرأة واضطهادها بهذا الشكل كان بمثابة مدخل لإخضاع المجتمعات العربية للسيطرة العثمانية ولاضطهادها القومي.فالأتراك تصرفوا مع العرب كسلطة استعمارية.
وتوجد أنواع متعددة من الحجب، نتعرض للبعض منها:
أ- الحجاب التقليدي:
ترتدي المرأة في البلدان العربية والإسلامية حجبا تمثل استمرارا لتقاليد المحافظة في التمييز الجنسي بين المرأة والرجل، تأخذا أشكالا مختلفة باختلاف المناطق والبلدان فهو القناع والبرقع والنّقاب والملاءة والسفساري والبشمق...الخ. والحجاب التقليدي هو في طور الإنحسار والأفول، في ارتباط بدرجة التطور الثقافي والسّياسي والإجتماعي والحضاري لكل مجتمع.
ب- حجاب الدولة الدينية:
فرضت الدول الدينية في صيغتها الوهابية (المملكة العربية السعودية) والخمينية- الشيعية (إيران) والإخوانية- السنية (السودان وغيرها) أنواعا من الحجب على المرأة بحكم قوانين رسمية للدولة القائمة، جعلت ارتداءه إجباريا وإلزاميا دون استثناء أو تمييز بين النساء.
ومع وصول الطالبان إلى السلطة شهدنا نوعا جديدا من الحجب أخذت مظهرها العام من الشّكل الإيراني وأضفوا عليها صرامة أشدّ، بحيث تظهر المرأة على شكل كتلة سوداء متحركة أو قابعة.
أما الحجاب الذي تفرضه الدولة السودانية على المرأة، فهو لا يختلف عن الحجاب الأصولي الذي تسعى الحركة الإسلامية إلى التميز به، اجتماعيا وسياسيا، تماما مثل اللحية والجلباب الأبيض الخليجي والسروال الباكستاني/الهندي/الأفغاني بالنسبة للرجال، زيادة على المضمون الرجعي الذي يحمله بشأن المرأة.
ج- الحجاب السياسي:
تسمي الحركات الإسلامية، بمختلف نزعاتها، الحجاب "حجابا شرعيا". وترتديه النّساء المنتميات لهذه الحركات أو الواقعات تحت تأثيرها، باعتباره شعارها الدال على صرامتها "العقدية"، والذي يختزل المرأة في مفهوم "المرأة/العورة" كما حدده الفقهاء السلفيون سنّة وشيعة.
وقد شهد الحجاب في العشريتين الأخيرتين عودة تكثّفت مع الدعاة الأصوليين له في الفضائيات الخليجية، وعلى الأخص بعد أحداث 11 سبتمبر وظهور الحركة الإسلامية كتنظيم عالمي "مناهض لأمريكا".
ويتكوّن "اللباس الشرعي" أو "الزّي الإسلامي" من قسمين أساسيين، الأول هو ذاك الذي يغطي كامل جسد المرأة، وهو امتداد لأنواع اللباس التقليدي: النقاب والبرقع والعباءات الفضفاضة السوداء (السعودية والخليج) وهو الذي تدعو إليه الوهابية والباكستاني أبو الأعلى المودودي. والثاني وهو ذاك الذي يسمى بالخمار، أي غطاء الرأس والأذنين دون الوجه، يسدل على ثوب فضفاض.
وقد أفتى في شأن هذا النوع من الحجب شيوخ السّلفية القدامى والجدد. ويختلف هذا النوع من الحجب في الشكل واللون وطريقة الإستعمال والوظيفة عن الحجب التقليدية، فهي موحدة لدى المنتميات لهذه الحركة ونصيراتها في جميع البلدان.
- تاريخ الحجاب
الحجاب ظاهرة قديمة في التاريخ وسابقة للأديان. فالمرأة البابلية كانت تأتزر بمآزر من الكتان الأبيض، تماما كما الرجل، تغطي كامل جسمها مع ترك أحد كتفيها عاريا. وتخفي المتزوجة شعرها بمنديل وتغطي وجهها بحجاب شفاف لما تخرج إلى الشارع. وترتدي عباءة تفرقها عن الرقيق والبغايا.
وتضع المرأة الآشورية المتزوجة عباءة وتسفر عن وجهها فقط عند خروجها إلى الشارع، بينما تظل العاهر والخادم سافرة، وإن خالفت هذه القاعدة عوقبت بالجلد(2).
وعرف الفرس والتركمان والإغريق والرومان واليونان وغيرهم من الشعوب الحجاب. وكانت ظاهرة حجب المرأة عند اليونانيين، من الظواهر الأشد قساوة على المرأة، إذ لا يراها إلا زوجها وأولادها وتمنع من ارتياد الأماكن العامة ومن الإهتمام بالشأن السياسي والإقتصادي وغيره. واعتبر صوتها عورة من الواجب حبسه في البيت، تماما كما يحبس جسمها.
فقد خول القانون اليوناني والعقائد الدينية السائدة للرجل العيش طليقا باعتباره محاربا ومنتجا ومنشغلا بالشأن العام ومعيلا لأهله. أما المرأة، فهي في نظره، بحكم بنيتها الجسمانية، ليست صالحة لغير الأعمال المنزلية والإنجاب، لذلك يكون من الطبيعي والأفضل لها أن تظل في البيت.
أما الحجاب عند العرب فإنه لم يكن مقصورا على المرأة، بل كان يرتديه الرجال أيضا للإحتماء من لفح الصحراء والرمال، ويتخفى وراءه الفرسان ممن يطلب ثأرا أو من الذين يضمرون لهم العداء. وكلمة الحجاج ابن يوسف لمّا ولّي على العراق بليغة الدلالة في هذا المضمار، فهو القائل " ...متى أضع العمامة تعرفوني..".
ويرتديه إلي اليوم رجال الطوارق، زيادة على أن رجال بعض قبائل شمال إفريقيا يتبرقعون في حين أن نساءها سافرات.
وللتأكيد أن النّقاب والحجاب لم يكن ارتداءهما مألوفا لدى المرأة العربية حتى في مرحلة الإسلام. ورد في كتب السّير أن عائشة خرجت مرّة، عند باب المدينة، مرتدية نقابا، لرؤية صفية السّبية اليهودية التي أعتقها محمد وتزوجها. فتعرّف عليها عمر وناداها باسمها مشيرا إلى أنها لم تكن في حاجة للتخفّي وراء برقع لأنها معروفة ولا يعسر التّعرف عليها أينما مرّت.
وكان البغايا عند العرب يرتدين البرقع لإخفاء وجوههن كلما خرجن من بيوتهن حتى لا يتم رصدهن.
لقد رافق تنامي الثروات في المجتمع العربي، مع التّوسع العسكري وإخضاع شعوب وأمم أخرى وتحول الدولة العربية التي ظهرت على المسرح الدولي لتوّها إلى إمبراطورية عربية- إسلامية، ظاهرة اقتناء الإماء بالمئات أو الآلاف، بالنسبة للبعض، كدلالة على الغنى وتنامي الحريم الذي كان موضوع تفاخر فيما بين كبار طبقة الأثرياء. فقد كان للرجل عدد كبير من الزوجات و الجواري والإماء، وجميعهن ملكيته الخاصة، مقننة شرعا، تقول الآية:
"وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم...".
ولتأكيد ملكيته الخاصة لهن اجتماعيا فقد التجأ الرجل إلى الخمار الذي يحمل علامة خاصة وله شكل ولون ومظهر خاص به يميّزه عن غيره، يحمي حريمه.
ويؤكد ابن سيرين عالم من القرن الأول توفي سنة 110 ه، أن النقاب عند العرب لم يكن سوى موضة لباسية، لم يتحول في القرن الأول للهجرة بعد إلى ظاهرة شائعة الإستعمال في المجتمع الناشئ.
كيف ظهر التمييز بين المرأة والرجل
لم تعرف الشعوب البدائية ظاهرة التمييز بين المرأة والرجل. وكانت تجهل الدين والقانون والملكية الفردية وتقاسم الثروة. وظل الإنسان الطبيعي على هذا النحو مئات آلاف السنين. لكن المشهد تغيّر تدريجيّا في إطار صيرورة طويلة انتهت بانقسام المجتمع البدائي إلى قبائل زراعية وأخرى رعوية. وظهرت، في هذا الطور الجديد من التنظيم الإقتصادي والعمل المنتج، أشكال جديدة من التنظيم الإجتماعي أخذت فيها المرأة مواقع مختلفة.
ففي القبيلة الحضرية احتلت المرأة مكانة أفضل بكثير من شقيقتها في القبيلة الرعوية. ومرد ذلك هو أنها كانت أول مزارع في التاريخ. فقد حذقت الزراعة والحصاد والطحن والطهي، وتمكنت من ضمان "الوفرة" لحياة القبيلة. واكتشفت العديد من خصائص الأعشاب التي استعملتها في المداواة. كما اكتشفت "الخميرة" التي أدخلت طعما خاصا على الغذاء واكتشفت "ماء الحياة" والغزل والنسيج واستعملت النّار للطهي وتصليب أواني الطين. فأخذت أغلب هذه المجتمعات، في أشكال تنظيمها، طابع المجتمعات الأمومية.
أما في القبيلة الرعوية، التي كانت تقوم ثروتها على عدد الحيوانات التي تمّ ترويضها، فقد كان الرجل هو المنتج الرئيسي لهذه الثروة، إذ مرّ، في ظروف معينة، من الصيد والقطاف إلى ترويض الحوانات، بينما كانت المرأة منشغلة بالأولاد وبالإقتصاد البيتي. لذلك احتلت المرأة مكانة ثانوية في حياة المجتمع الرعوي وكانت تابعة للرجل في تأمين معاشها ومعاش أولادها.
وقد تحوّلت القبائل الرعوية يصورة مبكرة إلى أقوام تعيش على الحرب والسلب والنهب. ومرت من سرقة الحيوانات وحرق المؤن والمدخرات إلى أسر الأبناء واستعبادهم وسبي النساء والتزوج منهن عنوة. وكان لهذا الزواج القسري أثره البارز في تاريخ الإنسانية، إذ وطد اضطهاد المرأة.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن القبائل الرعوية كانت موطن نشأة النظام الأبوي.
إن ظهور الملكية الخاصة وميلاد المجتمع العبودي، أفقد المرأة، في القبائل الزراعية، مكانتها كمسؤولة أساسية على تأمين حاجات القبيلة، حيث أن تقسيم العمل أتاح للرجل احتكار العمل المنتج وأزاح المرأة إلى موقع ثانوي. ومع اكتمال هذا الإنقلاب الإقتصادي والإجتماعي أضحت المرأة تابعة وخاضعة تماما للرجل.
ومع ظهور الملكية الخاصة، انفصل الإقتصاد المنزلي، عن اقتصاد القبيلة، فعزّز احتكار الرجل للعمل المنتج داخل الأسرة الضيقة وحكم على المرأة أن تصبح أسيرة العمل غير المنتج داخل البيت وفقد عملها أهميته الإقتصادية وأصبحت تبعا لذلك إنسانا "لا مكانة له" مقارنة مع "صاحب المكانة الجديدة" الرجل.
واتجه هذا التمايز، بين المرأة والرجل، مع النظام الإقطاعي إلى مزيد من الحدة، حيث أن شبكة الخضوع والتبعية المفروضة على مراتب النبلاء والأمراء فرضت تبعية عمياء وخضوعا مطلقا على الفلاح والفلاحة للسّيد. لكن القنّ المستعبد كان سيّدا فعليا داخل الأسرة، يفرض الطوعية والتبعية على زوجته وأبنائه، تماما كما الفارس والنبيل، رغم الفوارق الطبقية التي تفصل بين الطبقتين.
ولمّا بلغ النّظام الإقطاعي ذروة تطوره ترك مكانه لنظام اقتصادي جديد، النظام الرأسمالي، تميّز منذ ولادته عن أنماط الإنتاج التي سبقته بكونه لا يعتمد على العبيد ولا على الأقنان في إنتاج الثروة، بل على عمل الأجراء الأحرار الذين يبيعون قوة عملهم للرأسمالي. وهؤلاء الأجراء الأحرار، هم الفلاحون الفقراء والمشردون والحرفيون المفلسون الذين لفضهم انهيار النظام الإقطاعي.
وبما أن نمط الإنتاج الناشئ يتوسع باستمرار ليغزو أسواقا جديدة ويزيد في الإنتاج ويدفع بقوى عاملة جديدة إلى دائرة الإنتاج، وبما أن التنافس بين الرأسماليين يدفع إلى البحث الدائم عن اليد العاملة البخسة ضمانا لربح أوفر، فقد دفع بالنساء كما الأطفال إلى دائرة الإنتاج.
وهكذا خرجت المرأة من البيت إلى العمل المنتج لفائدة المجتمع ككل، فأصبح معترف به اجتماعيا، وبذلك برزت الشروط الموضوعية لتحررها. وبما أن خروجها من البيت حدث لأنها أصبحت "عاملة" فإن تحررها ارتبط موضوعيا بتحرر الطبقة العاملة وانتفاء استغلال واضطهاد الإنسان للإنسان.
وتكابد المرأة اضطهادا مثلث الأبعاد، يتمثل:
أولا في عدم اعتراف الدولة والمجتمع بحقوقها ومعاملتها كإنسان دوني.
وثانيا في مواصلة استعبادها واسترقاقها داخل أسرتها بالذات.
وثالثا استغلالها من قبل النظام الرأسمالي، باعتبارها قوة عمل معروضة في سوق الشغل.
ونخلص إلى القول أن أصل التمييز بين المرأة والرجل يعود إلى التمييز الذي حصل في العمل المنتج الضروري لحياة العشيرة والعائلة ثم أصبح كامنا في الملكية الخاصة لمّا باتت تمثل أساس الفوارق الإجتماعية.
وعلى أساس هذا الواقع المادي لحياة النّاس وللتمييز الجنسي بينهم ظهرت الشرائع والعادات والتقاليد والقوانين والنظريات والفلسفات والعقائد والديانات لتبرره أو لتلطفه أو للثورة عليه بهدف تغييره. وعلى أساس هذا الواقع المادي بالذات تعانق المرأة عالم الحرية.
5- أسباب ظهور الحجاب كامنة في التمييز
في العمل المنتج وفي الملكية الخاصة
وتعود أسباب فرض الحجاب على المرأة، منذ العهود الغابرة، إلى عوامل اقتصادية صرفة، أي إلى التمييز في العمل المنتج المعترف به اجتماعيا، أي ذلك الذي تتوقف عليه حياة المجموعة البشرية، ثم إلى بروز الملكية الخاصة وانقسام مجتمع المشاعة البدائية، على أساسها، وظهور المجتمع الأبوي. وفي هذا الطور بالذات بدأت العائلة الضيقة في الظهور ومعها نشأت ظاهرة نقل الملكية، عندها أصبح الرجل يفكّر في أهمية عفّة المرأة / الزوجة التي ستضمن له نقاوة سلالته، فوجد ضالته في حجبها وحبسها كي يطمئن على من يورثه ثروته.
ومنذ تلك اللحظة فرض عليها ألاّ تظهر في الشارع إلا محجبةأومنقبة أو مخمرة، كدليل على أنّها امرأة حرّة ومتزوجة، وبالتالي ملكية خاصة لرجل. وهذا النوع من الملكية يختلف عن ملكيته للجواري والغواني والبغايا والإيماء. لأن ملكيتهن قابلة للنّقل من يد إلى أخرى، كما "الأشياء"، ولذلك بالذات فإنها خارج علاقة نقل الملكية والتوريث.
والجدير بالملاحظة أن أشكال حجب المرأة قد اختلفت من حضارة إلى أخرى، وظل جوهرها واحدا، وهو أنّها كرّست تبعية المرأة للرجل، وليس هذا فقط، بل جعل منها ملكيته الخاصة، غير القابلة للتبادل بصورة عامة.
لكن الرأسمالية التي دفعت بالمرأة، التي تمثل نصف المجتمع، إلى الإنتاج الإجتماعي ووفرت الشروط الموضوعية لتحررها، لم تعد تقبل بالتخلي عنها والقبول بعودتها إلى الجمود، باعتبارها تمثل مكوّنة أساسيّة لتحقيق الرّبح للرأسمالي. والرأسمالية ذاتها هي التي جعلت من "السفور حقيقة شاملة للمرأة والرجل" على حد السواء. وإن الدعوة، في عصر العولمة، إلى العودة للحجاب، هي دعوة للعودة إلى عصور الظلام، وبالنسبة للعرب العودة إلى مرحلة الإستعمار العثماني المظلمة، وبالتالي فإنها تمثل حركة ارتدادية بالنسبة لحركة الواقع والتاريخ، وهي ذات طبيعة رجعية لا غبار عليها.
ونؤكد أنه إذا كانت هذه العودة مستحيلة في ظل النظام الرأسمالي، بحكم حاجته الدائمة لاستغلال قوة العمل، كي يحقق مزيدا من الرّبح، فإنها تصبح مستحيلة في ظل الإشتراكية لأن العمل يصبح واجبا من الواجبات المدنية. فالرأسمالية التي حولت عمل المرأة المنتج إلى عمل معترف به إجتماعيا، بإدخالها في دورة الإنتاج، وربطت مصير تحررها موضوعيا بتحرر الطبقة العاملة من الإستغلال والإضطهاد. فإن الإشتراكية التي تقضي على الميز في العمل وتجعل منه، قيمة اقتصادية واجتماعية، سواء كان عملا منزليا أو إنتاجيا، وبالتالي قيمة مدنية، توفّر الشروط الموضوعية لإعادة الإعتبار للعمل المنزلي غير المعترف به كي يأخذ مكانه في المجتمع، ليصبح من مشمولات المرأة والرجل سويّة.
6- الأديان وحجب المرأة
سنتناول في هذه الفقرة موقف الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، من حجب المرأة:
أ- اليهودية القديمة تفرض الحجاب على المرأة
فرضت الديانة اليهودية القديمة على المرأة/الزوجة، عند خروجها إلى الشارع، أن تغطي رأسهاوتستر كامل جسدها بملاءة، وألا تترك سوى ثقب واحد تنظر من خلاله لترى الطريق. ويكون من الأفضل لها أن لا تخرج من البيت، حتى وإن كان للتّعلم وإن أرادت ذلك فليكن في البيت وبموافقة زوجها. وسبب هذا المنع من الخروج والشروط الصارمة عليه تعود إلى حرص الدين اليهودي على عفّة المرأة، بدعوى "نقص عقلها" و"ميلهافطريا إلى الشّر"، وهو غرض يتماهى فيه مع حرص الرجل/الزوج لضمان "نقاوة النسل" عند نقل الملكية الخاصة.
لذلك استحدثت اليهودية الحجاب الساتر في المعابد للفصل بين الرجال والنساء وخصتهن بمدخل خاص في المعابد، ومنعتهن من مصافحة الرجال، باعتبارهن مصدر إثارة جنسية، وفرضت عليهن الصمت داخل أماكن العبادة باعتبار أن صوتهن عورة. ولهذا السبب بالذات منعن من ارتقاء المنصة خلال الصلاة وتلاوة التوراة بصوت عال.
وقد عرف العبرانيون الحجاب منذ القدم وأوصى به أنبياؤهم جميعا. وقد ترددت كلمة البرقع في أكثر من كتاب من كتب العهد القديم. ورد في الاصحاح الرابع و العشرين من سفر التكوين، "رفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق، ترجّلت عن الجمل وسألت العبد.. "من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا ؟ فقال العبد هو سيّدي، فتناولت الحجاب وتغطت"(3). وجاء في الإصحاح الأول:" قل لي يا من تحبه نفسي أين ترعى قطعانك وأين تربض بها عند الظهيرة؟ فلماذا أكون كإمرأة مقنعة أتجول بجوار قطعان أصحابك" وفيه أيضا "... عيناك من وراء نقابك كحمامتين ... وخداك كفلقتي رمانة خلف نقابك"(4). وورد في التوراة أيضا أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن وتباهيهن برنين خلاخيلهن...الخ (5)
ب- المسيحية القديمة تفرض هي الأخرى الحجاب
على المرأة
منعت المسيحية المرأة من أن تخرج عارية الرأس دون نقاب وإذا خالفت الأمر وذهبت إلى الكنيسة عرضت نفسها إلى عقاب بقص شعرها، حسبما كان أكده القديس بولس الذي اعتبر "أن النقاب شرف للمرأة". (6) ودعا الأب كليمون الإسكندري المرأة إلى تغطية كامل جسدها كلما خرجت من البيت لحماية نفسها من نظرات الرجال. وأكد أن ارتداء المرأة الخمار زيادة على كونه يحمي الرجل من الوقوع في الخطيئة فهو مشيئة الكلمة الربانية التي تأمر المرأة أن تصلي وهي محجبة (7).
وتجاوزه الأب تيرتوليون، لمّا فرض على المرأة، زيادة على الخمار وستر وجهها بنقاب، إخفاءمفاتنها وعدم الإعتناء بجمالها الطبيعي والسعى إلى القضاء عليه لما يمثلهمن خطر على الرجل. والخمار في نظره هو ذاك الذي يحجب جسد المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها (8). وزيادة على هذه الأشكال من التشدد، فقد منعت المسيحية المرأة من تزيتن الحجاب وزركشته، وكل من تفعل ذلك "تصنف مع النساء اللاتي خلعن برقع الحياء" (9).
ومرّ الحجب من اللباس إلى حبس المرأة في البيت،بحيث فرض عليها ملازمةبيتها ومنع رؤيتها من قبل أي كان، باستثناء زوجها وأبنائها. وعلى هذا الأساس منعت من الذهاب إلى الحمام والمسرح وارتياد الساحات العامة والتجول في الشارع، وإن فعلت ذلك تعرضت لمضايقة الرجال وأوقعهم في الخطيئة.
لقد تعرضت الديانتان اليهودية والمسيحية إلى حجب المرأة ليس باعتباره أمرا إلهيا، (باستثاء ما ورد على لسان الأب كليمون الإسكندري)، بل بصفته عادة وتقليد ورفعة أخلاقية، بحيث أن كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد لم تتعرض للنقاب إلاّ بصفته مجرّد ظاهرة في حياة النّاس.
ج- الحجاب في الإسلام ليس رمزا دينيا
ولا فرضا شرعيّا
لم يشذ الدين الإسلامي عمّا كان سائدا في مجتمع الجزيرة آنذاك ولا عن الرؤية للأشياء والظواهر التي كانت عرفتها الكعبة، باعتبارها ملتقى الثقافات والديانات والعقائد والفكر والسياسة والتجارة. فقد حافظ على التمييز بين المرأة والرجل، الذي كان قائما، دون أن يضفي عليه التّشدد الذي كانت عرفة شعوب أخرى وتضمنته ديانات أخرى (اليهودية القديمة والمسيحية القديمة)، حيث أنه لم يتعرض لحجب المرأة إلا في ثلاث مناسبات خصّ بالأولى زوجات النبي وحدهن دون أن تشمل بأيّ حال نساء المسلمين. تقول الآية:
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إياه ولكن إن دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا تستأنسون لحديث إن ذلك كان يؤذي النّبي فيستحي والله لا يستحي من الحق. وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده ذلكم كان عند الله عظيما"(10).
وهي تعني في مدلولها وضع ستار يفصل زوجات الرسول عن الرجال الذين يدخلون بيته. ويذهب المفسرون لهذه الآية مثل الطبري والزّمخشري و البيضاوي وابن كثير والقرطبي نفس المذهب.
ويتضح من خلال العودة إلى أسباب النزول، أن المبرر الأصلي كان عزل نساء الرسول عن الرجال، سواء اعتمدنا على رواية زواجه بزينب بنت جحش (التي كانت زوجة زيد ابنه بالتّبني) أو على الرواية القائلة بأن عمر ابن الخطاب هو الذي أشار على النبي ب"أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يتحجبن"، فنزلت الآية.
والقصد من الروايتين واضع وهو وضع ستار أو حجاب بين زوجات الرسول وبين الرجال، حتى إذا طلب أحدهم حاجة من واحدة منهن لا يراها و لا تراه.
والحجاب بالمعنى الوارد في الآية المذكورة أعلاه خاص بزوجات الرسول دون غيرهن ولا يمتد إلى ما ملكت يمينه من الجواري ولا إلى باقي المؤمنات.
أمّا الثانية فتتعلق بالخمار وهي آية تغييرعادة لباسية لتمييز الشريفات دون غيرهن. تقول الآية:
"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولهن أو أبناءهن أو آباءهن أو آباء بعولهن أو أبناء بعولهن أو أخوالهن أو أبناء أخوالهن ونساءهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال... أو الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"(11).
ويجمع المفسرون أن للآية قصد واضح وهو إسدال الخمار، الذي كان يغطي الرأس ويلقى على الظهر إلى الخلف فيبقي الصدر و العنق عاريان، لسترهما وإبداء من الزينة ما ظهر.
وإن علّة الحكم في هذه الآية هي تعديل عادة لباسية كانت موجودة ومقصدها هو تغطية الصدر بدلا من كشفه، دون أن تحدّد زيّا بعينه دون غيره. فالخمور كانت لباسا شائعا بين النساء عند العرب، وهي أغطية توضع على الرأس و تسدل وراء الظهر ويبقى الصدر مكشوفا.
وتتعلق الثالثة بآية الجلباب. والجلباب هو الرداء أو هو ثوب أكبر من الخمار. وهو في الحقيقة الثوب الذي يستر كامل الجسم. وهو لباس خاص بالحرائر دون غيرهن.
و مقصد آية الجلباب هو تمييز زوجات الرسول وبناته ونساء المؤمنين في مكة، دون غيرهن، حتى لا يلحقهن أذى. تقول الآية :
"يا أيها النّبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"(12).
وسبب نزولها هو أن العربيات كن يقضين حاجتهن في الصحراء، فكان البعض من الرّجال يعترض سبيلهن لمضايقتهن أو للتعدي عليهن، فشكون الأمر للنبي، فنزلت الآية.
ومقصدها هو وضع فرق بين زوجات وبنات الرسول ونساء المؤمنين وبين غيرهن من الإماء وغير المؤمنات، عن طريق الجلابيب، حتى يعرفن فلا يتعرضن للأذى بالقول أو بالفعل.
وبما أن الغرض كان التمييز، يروى أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أمة ترتدي الجلباب أو تقنعت، ضربها بالدرة، محافظة منه على الزّي الذي يميّز الحرائر.
وقد أكد الأستاذان، أشرف عبد الفتاح عبد القادر والمستشار محمد سعيد العشماوي، لهما كتابات ذات شأن، أنه:
"لا يوجد في القرآن الكريم كله أو الحديث النبوي أمر يفرض النقاب".
وأن آية الخمار:
"تنص على غطاء الجيب أي فتحة الصدر بطرف الخمار"، و"لا تعني أبدا غطاء الوجه وهو أمر متفق عليه في جميع التفاسير المعتمدة".
أما عن السنة، فقد ورد حديثان لتعديل عادة لباسية. روي عن عائشة أن النبي قال:
"لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت ( بلغت) أن تظهر إلا وجهها و يديها إلى هاهنا". وقبض على نصف الذراع.
وروي عن أبي داود عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله، فقال لها:
"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه".
وقد لاحظ المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" أن هذين الحديثين هما من أحاديث الأحاد المجمع عليها. وهي أحاديث تعتمد للإسترشاد والإستشهاد، ولا تلغي ولا تنشئ حكما شرعيا. زيادة على كون المصدر واحد هو عائشة، وفي الحديثين تناقض صارخ، في الإشارة مرة إلى الوجه والكفين وأخرى إلى نصف الذراع، ومن جهة ثانية فقد ورد الحديث الأول في صيغة الحلال والحرام، أي في مقام حكم شرعي، وأتى الثاني في صيغة إصلاح، يتعلق بما هو أفضل وأنسب في ظل ظروف معينة.
وخلاصة القول أن الدين الإسلامي لم يأمر بالخمار أو الحجاب أو النقاب، ولم يجعل منه رمزا دينيا ولا فرضا شرعيا تأثم المرأة إذا تركته. والجدير بالذكر أن نساء المسلمين ونساء الرسول، لم يكنّ يغطّين وجوههن بل كنّ سافرات وكنّ تشاركن في الحياة العامة.
وظلت المرأة على هذه الحال طوال العهد المحمدي والخلفاء الراشدين. وتواصل الوضع على حاله تقريبا إلى حدود انهيار الدولة العبّاسية تحت ضغط المماليك وضربات هولاكو وهجمات الأتراك العثمانيين.
وتعرضت المرأة إلى الإمتهان في تلك الحروب والغزوات ممّا اضطرها إلى ارتداء اليشمق أو البرقع، كلما خرجت إلى الشارع.
وأصبح الخمار مفروضا، في العهد العثماني، كلباس باسم الدولة والدين. وهي المرحلة التي سيطر فيها النظام الإقطاعي في شكل استبداد شرقي، وفرضت فيها التبعية على الجميع، وشهدت المرأة العربية عصور ظلام قاسية.
ويتضح مما سبق بيانه أن حجب المرأة لاعلاقة له بتعاليم الدين الإسلامي، وأن الداعين إلى الخمار أو الحجاب أو النقاب، يريدون العودة بالمرأة ومن ورائها المجتمع إلى عصور الظلام، ظلام الإقطاع العثماني الإستبدادي. تلك هي الرموز الحقيقية التي يحاولون تمريرها متسترين بالدين.
6- الحجاب يؤسس للمرأة الجنس
إن عزل المرأة عن الرجل بواسطة الحجاب/الستار، في المجال البيتي، يعني حصرها في مجال مغلق، خوفا على "عفتها" للمحافظة على نقاوة النسل ضمانا لنقل الملكية. ويأخذ المجال البيتي المغلق بعدا جنسيا، يتمكن فبه الرجل من النيل الكلي منها متى شاء و كيفما شاء. ومدلول ذلك تؤكده الآية:
"ونساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنّى شئتم"(13).
وهذه المرأة الجسد/ اللذة، تتكرّر صورتها في النظريات والمشاريع المجتمعية وفي المعتقدات والديانات والشرائع. ورد في الأحاديث النبوية:
" المرأة كالضلع إن قومته كسرته فدعه تستمتع به على عوج".
وفي حديث آخر:
" المرأة عورة فإذا خرجت استشرقها الشيطان ".
وهذا الجسد/اللذة لا بد من تغطيته بكساء فضفاض "لا يشق" و"لا يصف" و"لا يتشبه" بالرجال ولا يترك ثناياه تبرز للعيان، لأن في ذلك فتنة.
وإذا كان مجتمع الاستهلاك يشيء المرأة ويضعها في وجه من الأوجه في مرتبة قيمة استعمالية جنسيّة، فإن الأصوليين بمطالبتهم تحجيب المرأة يمثّلون الوجه الآخر من نفس العملة. فهم ينظرون إليها كشيء للمتعة واللذة لا غير، ويخفون نظرتهم الجنسية بتبريرات أخلاقية وعقائدية. ومنهم من ذهب بهوسه الجنسي إلى أقصاه، فاعتبر أن الحجاب يؤجج الشهوة الجنسية تجاه المرأة ليبلغ التمتع والتلذذ بها أقصى درجاته:
"إن الإسلام وضع نظما جديدة تعطي للمرأة حقّها باعتبارها نصف المجتمع...فحدد لها ثيابا خاصة تلبسها، حتى لا تكون ممتهنة أمام الناس، فقرر الحجاب.
والحجاب عبارة عن ستر لجسد المرأة كلّه ما عدا الوجه واليدين وهذا ليس تقييدا لحرية المرأة لكنه تكريم لها ( كذا...)، حتى إذا ما ذهبت إلى بيت الزوجية كان الزوج يتشوق أن يرى غير الوجه والكفين وهذا دعم للعلاقة الزوجية بين الزوجين"(14).
ولا يشذّ موقف السيد راشد الغنوشي اليوم عن النظرة السائدة للمرأة في الحركة الإسلامية، وإن وجدت اختلافات فهي جزئية. ففي معرض حديثه عن "الصحوة الإسلامية" قابل بين المجتمع الحالي الذي تحولت فيه شوارع المدن "لسنوات طويلة بضغط الرأسمالية المتفسخة إلى معارض للنخاسة"، وبين بذور المجتمع الإسلامي الذي تظهر فيه المرأة في الشكل الذي يحلم به، إذ "أخذت(شوارع المدن ) تحفل بشكل متنام- رغم القيود- بالرايات الإسلامية رايات العفة والطهر تحملها فتيات في عمر الزهور متحديات طغيان أصولية علمانية متطرفة، ابتلت بها تونس أشد من كل وطن عربي... "(15).
يقرن الغنوشي، اعتباطيا، الفساد وسوق النخاسة والإنهيار الأخلاقي بالعلمانية المتجبرة، والعفة والطهر بالحجاب والخمار والنقاب بالإسلام وبالهوية. ولا حاجة للتذكير بأن الفساد والطهر والإستقامة والسرقة والدعارة، هي ظواهر أخلاقية- إجتماعية ملازمة للمجتمعات الطبقية، ساستها دول علمانية أو دينية. ويحمل المسؤولية اعتباطيا "للعلمانية المتجبرة" ولجسد المرأة الذي ينبغي حجبه باعتباره مجلبة للفتنة والإثارة.
وهو ما يؤكد أن المشروع "الإسلامي" الذي تعمل حركة النهضة، وغيرها من الحركات الأصولية، على إرسائه هو مجتمع التمايز والتفرقة الطبقية والجنسية والسياسية والثقافية والعقدية تحت غطاء ديني.
إن علاقة الرجل بالمرأة، مصاغة في المفهوم التقليدي والأصولي، تجعل من المرأة فريسة للّذة الفردية والجماعية للرجل وخادمتها. وهو يكشف عن "الإنحطاط اللامتناهي للإنسان الذي لا يوجد إلا لذاته"(16)، والذي تكرسه علاقة الرجل بالمرأة في شكلها المباشر، الطبيعي والضروري. ويظهر في هذه العلاقة بالذات، بصورة ملموسة المقدار الذي تصبح فيه ماهيّة الإنسان قد أصبحت الطبيعة بالنسبة إلى الإنسان ذاته.
وإن علاقة الرجل بالمرأة هي، بكل تأكيد، علاقة الإنسان بالإنسان الأكثر طبيعية. "لكن الملكية الخاصة قد جعلتنا على درجة من البلاهة ومن ضيق الأفق بحيث أن الشيء لا يكون شيئنا إلا عندما نملكه....، وعندما نستهلكه..."(17). وقد عوضت جميع حواسنا بحس واحد، وهو حس التملك. ووضعت جميع الحاجات الطبيعية للإنسان، مثل الحاجة إلى الغذاء وحاجة الغريزة الجنسية، في مستوى واحد. وهو ما أدى بالإنسان إلى الإنحدار إلى مستوى من الفقر الداخلي المطلق.
لقد مرّ الإنسان في تاريخه من الإنسان الطبيعي إلى الإنسان الإجتماعي، فأصبحت حاجاته إنسانية أكثر فأكثر، وتعرضت غريزة الجنسية أيضا إلى سلسلة من التحولات، كانت في البدء وسيلة تلبيتها حيوانية فأصبحت "أعظم تقدم أخلاقي" بلغته الإنسانية، تمثلت في "الحب الجنسي الفردي المعاصر"(18).
وبهذا المعني يحدد موقف الرجل من المرأة مستوى تحول سلوك الإنسان من طوره الطبيعي إلى سلوك إنساني.
ومن هذه الزّاوبة نعتبر أن وجهة النظر التي يقدّمها لنا دعاة حجب المرأة، ليست سوى إرادة جعلها فريسة اللّذة الفردية للرجل وخادمتها، باعتبارها ملكيته الخاصة، وفريسة اللّذة الجماعية وخادمتها، باعتبارها ملكية خاصة/عامة، أي بفرض التعهر عليها.
وتنحدر هذه النظرة بالإنسان إلى المستوى الطبيعي، لأن المدافعين عنها لا يدركون أن الإنسان الذي يلبي حاجات غريزتهم الجنسية هي إنسان وليست شيئا، وأن التعامل معها كإنسان ناقص أو كشيء يجعل العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة تأخذ شكلا حيوانيا. إذ انطلاقا من تحديد نوعية هذه العلاقة يمكن أن نحكم على كل مستوى من مستويات ثقافة الإنسان. "وفي هذه العلاقة أيضا يتجلى مقدار ما أصبحت حاجة الإنسان إنسانية، وبالتالي مقدار ما أصبح الإنسان الآخر كآخر حاجة بالنسبة إليه، ومقدار ما يكون في الوقت نفسه، في وجوده الأكثر فردية، كائنا إجتماعيا"(19).
إن النزعة الإنسانية التي تتحقق في العلاقة بين الرجل والمرأة هي نضال مستمر يخوضه الإنسان ضد تقاليد الوجود الطبيعية والإجتماعية المفروضة عليه والتي يعمل على تغييرها كي يتطور ويستكمل أبعاده. ويتجلى هذا الإرتقاء والإستكمال في المساواة التامة بين الجنسين ورفض كل أشكال التمييز وفي مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع وفي مسألة الزواج والحب.
لكن العبوديات النابعة من علاقات الإنتاج سحقت الحب، ذلك التفتح الرائع للشخص الإنساني، واضطهدته وضربه التحريم. وليس هذا فقط، بل كان دائما مهددا من قبل نداءات الغريزة الغاشمة والفرد العاجز عن الإنعتاق من العبوديات الإجتماعية. ذلك الفرد الذي أضحى عبد غريزته، خاصة وأن علاقاته بالآخر غلبت عليها المصالح. وتفاقم عجزه لمّا تشيأ الجسد وجميع الحاجات المادية والمعنوية للإنسان بما فيها الحب.
لذلك فإن الحب لن يتحرر من الإضطهاد والسحق والإستهتار الإباحي ومن الكذب والرّياء ومن اللهث وراء تلبية حاجة غريزية، إلا متى تركت الملكية الخاصة مكانها للملكية العامة وتحرر الإنسان، المرأة والرجل، من التمايز الإقتصادي والإجتماعي وبالتالي الطبقي، وتحققت حرية المرأة ومساواتها التامة مع الرجل، ومتى أصبح الحب الأساس الذي يقوم عليه الزواج وتنشأ عليه الأسرة، أي في ظل الإشتراكية.
- اللباس ظاهرة حضارية
اللباس يدخل في إطار العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات وبالطور الحضاري الذي تمرّ به، وهو يضرب بأصوله في الأعراف القديمة. وتتداخل أشكاله وتنسجم وتتشابه وقد تأفل، بتلاقح الحضارات، رغم اختلاف الثقافات والمعتقدات والشرائع. فالإنسان البدائي كان لا يفرق في اللباس بين المرأة والرجل ولا يرى ما في جسده أو جسد المرأة ما يمثل عورة. وهي علاقة ونظرة مازالت قائمة إلى اليوم لدى قبائل الأدغال الإفريقية والآسيوية والأمريكية البدائية.
وكشفت الحفريات الأثرية معلومات عن حياة الإنسان وعاداته وتقاليده، وممّا يثير الإنتباه هو أن ملابس الرجال والنساء كانت متشابهة ولها نفس الطول. بينما اختلف الأمر عند الآشوريين حيث كان الميز واضحا بين الجنسين، إذ أن المرأة المتزوجة تضع عباءة تسفر عن وجهها فقط عند الخروج إلى الشارع.
وليس عسيرا أن نلاحظ التقارب الكبير بين اللباس الباكستاني والهندي، سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، وهو لباس قومي للهندوس وليس له علاقة بالدين، يرتديه المسلمون والبوذيون وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.
لقد كانت تغطية الرأس في بلادنا، كما في البلدان العربية، بالشاشية أو الطربوش أو العمائم أو الطواقي أو ما يماثلها، مفروضة على الرجال، بمختلف أوضاعهم الإجتماعية. فلم يكن من اللائق أو المقبول أن يقابل شخص مسؤولا أو حاكما أو أن يستقبل ضيفا أو أن يدخل مسجدا ليصلي دون أن يغطي رأسه دلالة على التقدير والإحترام والخضوع لله عند الصلاة.
ولمّا حدث التمايز بين المرأة والرجل وفرضت عليها التبعية ثمّ أسدلت عليها الحجب التي فرضت عليها كعادات لباسية. وتواصل الوضع على هذا المنوال في أغلب البلدان العربية إلى اليوم. وهو ما يؤكد أن أمر اللباس لا يتصل بالدين ولا يتعلق بالشريعة وهو لا يعدو أن غير عادة وموضة.
ومن التضليل والخداع أن ينزله البعض منزلة القواعد الدينية التي تفرق بين المتدين وغيره. ومن الزور أن يصبح الإيمان متعلّقا بقطعة من القماش أو بتسريحة محددة لشعر الذّقن أو بعطر أو بعود السوس. وما تدعو له الحركات الإسلامية بشأن الحجاب، لمّا حوّلته إلى "لباس شرعيّ"، هو من قبيل الإرهاب الإيديولوجي الذي تسلطه على النّاس لتخويفهم وإجبارهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.