[email protected] سبق أن تنبأ معظم كتاب الرأي والمحللين السياسيين بأن حوار حزب الأمة مع الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) لن يفضي لأي اختراق في القضايا الوطنية الملحة، ولن يأتي بجديد لمصلحة الجماهير الصابرة، وسيظل يراوح مكانه ويدور في دائرة مفرغة، كحوار الطرشان مهما طالت أشواطه وتراكم واستطال جبل مقرراته سيتمخض في نهايته ويلد فأرا، وقد كان، الدافع وراء هذه القناعة التي اتفق عليها المحللون يكمن في تاريخ النظام الذي لم يستثن أي من قوى المعارضة مدنية كانت أم مسلحة من فيض كرم اتفاقياته التي لا تنفذ، وحواراته التي لا تنقطع؛ بل تقطع نفس وحيل المحاور ومن ثَمَّ تتركه صريع الهوان، وعض البنان، وقد كان لحزب الأمة وزعيمه طويل النفس نصيب الأسد في مضمار ماراثون اتفاقيات وحوارات الفراغ والوهم الإنقاذي العريض. لقد أمد حزب الأمة وإمامه الصادق حبل الصبر حتى كاد يذهب بحلم ووقار أنصاره، وقدم من الرؤى والمبادرات السياسية المخلصة والمتزنة الكثير، وقد مثلت الأجندة الوطنية التي تقدم بها ذروة سنام الفعل السياسي الإيجابي ومخرج مشرف لحفظ كرامة النظام، وصون الوطن من المهددات الحقيقية التي تواجهه؛ ولكن تمترس النظام المنغلق خلف أجندته الخاصة، وشره أقطابه الذين أدمنوا مفاسد السلطة المطلقة، وامتيازاتها التي أورثت البلاد الخراب والفقر والفاقة، كانت بالمرصاد أفشلت كافة المساعي الحميدة، وأجهضت الآمال بما فيها طوق النجاة المتمثل في الأجندة الوطنية التي تقدم بها الإمام الصادق في لحظة حرجة من عمر النظام، رغم معارضة قطاع لا يستهان به من أنصاره. لقد أدمن النظام لعبة (الملوص) التي أتقنها أقطابه، ويصرُّ على عدم تغيير شروطها التي حاصر بها القوى المعارضة ليرغمها على أداء دور الكومبارس (وتمومة الجرتق) على مسرح الحزب الواحد، أو الجلوس على مقاعد النظارة والمداومة على التصفيق والتهليل والتكبير ومن يخرج عن النص خائن وعميل منفذ لأجندة أجنبية يجب تصفيته والتخلص منه!! لتبقى اللعبة الإنقاذية مستمرة وفق المثلث الخبيث (تحالف القبيلة والأمن والمال) رغم أنف الوطن الذي يتمزَّق، واقتصاده الذي يترنَّح، وإنسانه الذي بات يشكو لطوب الأرض سوء حاله، تطحنه الحروب وتطارده الحاجة لتسجنه خلف قضبان مثلث الدمار الشامل من (فقر ومرض وجهل). أما الآن وقد وصل الحوار بين حزب الأمة والحزب الحاكم إلى نهاياته المنطقية المحتومة والمعلومة سلفا بعدم الاتفاق على القضايا الأساسية وعلى رأسها رفض النظام للأجندة الوطنية والمشاركة الفعلية للقوى السياسية الأخرى في الحكم لتلافي الفشل الذي أحدثته سياسته المنفردة كما أقر بذلك البيان المشترك للحزبين وأوصد الباب أمام حوار الطرشان الذي استطال (سلبه) التفت لأمد طويل حول خناق الحراك الجماهيري حتى كادت تخمد أنفاسه، فيجب على حزب الأمة أن يطلع الشعب الصابر بكل صدق وشفافية على تفاصيل ما دار من حوار بعيدا عن لغة المجاملة البرتوكولية الباردة التي خرج بها البيان المشترك ويحدد بصورة قاطعة طبيعة موقفه السياسي القادم فلا فائدة ترجى من لقاء العلاقات العامة الذي سيعقد كما جاء على لسان بعض قيادات النظام بين زعيم حزب الأمة ورئيس الجمهورية لأن مثل هذه اللقاءات قد تكررت بلا مخرجات إيجابية وفقدت بريقها وغدت لا تثير اهتمام أحد. فالساحة السياسية التي عيل صبرها تطالب اليوم كافة القوى السياسية المعارضة وعلى رأسها حزب الأمة وضع النقاط على الحروف والخروج بمواقف سياسية واضحة تزيل حال الإرباك وتضع حدًا لعلامات الاستفهام والتعجب التي يحاول النظام الحاكم بها وعبر تصريحات قياداته تعطيل مسيرة التغيير ولجم الفعل الثوري الذي بدأت نذره تعلن عن نفسها في الأحياء والمدن المختلفة في شكل غليان شعبي يتصاعد كل يوم. فالعبارات الضبابية الفضفاضة التي صيغ منها البيان المشترك لحزبي الأمة والمؤتمر الوطني عن (أهمية الوفاق الوطني في ظل الاستهداف الخارجي) والاتفاق على أن تكون (عملية كتابة الدستور الدائم قومية وديمقراطية) في ظل الوضع الراهن وحالة الإقصاء الذي يمارسه النظام مع بقية القوى السياسية وتمترسه المستفز خلف ما يسمى بالثوابت الإنقاذية تجعلها مجرد عبارات للاستهلاك السياسي لرفع الحرج وذر الرماد في العيون فاقدة للمعنى والمصداقية،فمن البديهيات أنه بدون توحيد الجبهة الداخلية واستصحاب جميع القوى الوطنية المعارضة في العملية السياسية لا يمكن حماية الوطن من المهددات الخارجية ولا إقرار دستور دائم للبلاد فحالة الاستقطاب الحاد التي يعيشها تجعل من كل هذا محض أماني بعيدة المنال. إن إصرار النظام الحاكم على أن يكون (البلايا تشو) الوحيد على سيرك السياسة السودانية بعرضه الماسخ الهادف لإرهاق قوى المعارضة وقطع أنفاسها بالحوار العبثي بلا أجندة وطنية واضحة لكسب الوقت وانتظار الفرج دون مراعاة لخطورة الوضع الذي بات يلف الوطن والمواطن يدل على أنه فقد القدرة على التحكم في شروط اللعبة السياسية والمقدرة على خلق شروط جديدة تضمن له الاستمرار ففشله في جذب أي من القوى السياسية المعارضة للمشاركة في الحكم تعبر عن حالة مستعصية من البوار البرامجي والفكري تؤكد أنه أضحى في حالة موت (سريري)، فسياسة كسب الوقت قد تكون معالجة مرحلية لتخطي أزمة عارضة ولكن الاعتماد عليها كهدف استراتجي للاستمرار في السلطة فذاك تجديف في الهواء وحرث في البحر يعبر عن حالة من العجز السياسي المطلق، لذا يجب على حزب الأمة وبقية القوى المعارضة التعامل مع هذه اللحظة التاريخية بالمسئولية اللازمة وفق مقولة (نقطة أقلب الصفحة) والبدء مباشرة ودون تأخير في شحذ القوى ورص الصفوف وتحضير البرامج الإسعافية لمرحلة ما بعد (الإنقاذ) درءا لمخاطر الفراغ الذي سيولده الانهيار المحتوم للنظام الحاكم. تيسير حسن إدريس 08/10/2011م نشر بتاريخ 10-10-2011