هناك فرق هل نستحق الديمقراطية..؟! منى أبو زيد قبل أيام تناقلت وسائل الإعلام خبر استقالة وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس من منصبه بعد تعرضه لانتقادات لاذعة بشأن علاقة عمل مع صديق له، تجاوزت خطوط التكليف الرسمي، وقد أقر الرجل بأنه أخطأ جداً عندما وضع علاقاته الشخصية والحكومية في سلة عمل واحدة ..! فالمصلحة الوطنية يجب أن تعلو على المصلحة الشخصية، وعلى المسئول أن يتعامل مع أخطاء المسئول بذات المعيار الذي يتعامل به مع أخطاء المواطن، لذلك رحل فوكس وحل محله هاموند الذي سيفكر ألف مرة قبل أن يخلط شراباً – لكي لا يحيق به مصير سلفه - ناهيك عن خلط المصالح ..! كلا، لن أبدأ في عقد المقارنات إياها!، أعلم أن معظم قراء العالم الثالث قد سئموا من عادة الكتاب الذميمة في ضرب الأمثلة بحكام العالم الأول بلا طائل، سوى تفاقم الأحوال التي تستحق ضرب المزيد والمزيد من الأمثلة.. لذلك دعنا نتجاوز اليوم أفعال الحكام إلى أحوال المحكومين..! في كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» – ذلك الاستشراف التاريخي المدهش الذي صدر قبل عشرات السنين – يقول مؤلفه عبد الرحمن الكواكبي إن «الاستبداد والعلم ضدان متغالبان»، مختزلاً مفهوم العلاقة الطردية بين وعي الشعوب وجدارتها بالديمقراطية في قوله: «ما انتشر نور العلم في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدين، من رؤساء سياسة أو رؤساء دين» .. وبهذا المعنى فالشعوب هي التي تبني الديمقراطية بلبنات وعيها السياسي.. مونتسكيو الفيلسوف والفقيه القانوني الأشهر، صاحب نظرية فصل السلطات، ناقش في كتابه «روح القوانين» جدلية العلاقة بين الأعراف والأخلاق والقوانين، وطغيان المناخ والتضاريس وأحكام الجغرافيا الاجتماعية على طبائع الشعوب ودرجات وعيها السياسي.. فقال إن المناخ له تأثير مباشر على أخلاق الشعوب وسلوكياتها العامة، وقابليتها للتمرد أو الخضوع في لعبة الحاكم والمحكوم، فالعلاقة بين سكان المناطق الحارة والرياء السياسي – بحسبه – وطيدة جداً، حيث تميل الشعوب للاستعباد والخضوع ، وتسكنها عقدة الخوف من كل جديد، حتى وإن كان ذلك الجديد جزراً ديكتاتورياً أو مداً ديمقراطياً ..أما في المناطق الباردة فيقل غرور الحاكم وتملق المحكوم..! وفي مقدمة ابن خلدون الشهيرة نفسها، سوف تجد تأصيلاً عربياً لأفكار مونتسكيو، أو اتفاقاً ضمنياً مع معظم آرائه حول اختلاف طبائع الأمم بحسب مواقعها على خارطة الكرة الأرضية، وتأثير طبيعتها وأخلاقها وسلوكياتها العامة على طبيعة النظام السياسي الذي يحكمها ..! السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل نحن شعب يستحق الديمقراطية بحالنا الذي نعلم ؟! .. إن كانت الإجابة ب لا فما الذي نحتاجه لكي نستحقها ؟! .. بصيغة أخرى: هل يمكن لزعاماتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية – وبلاش السياسية! – أن تطور أخلاقياتنا القومية ؟! .. هل يمكن أن يتحكم الوعي في صناعة سلوك الجماهير..؟! بلى، يمكن، والدليل نجاح مشاريع زراعة الأخلاق في اليابان، والتي كان حصادها محل انبهار العالم في كارثة الزلزال الأخير.. أرأيت؟!.. ها نحن أولاء نعود إلى عقد المقارنات..! الاحداث نشر بتاريخ 17-10-2011