حديث المدينة الوزير .. الجديد!! عثمان ميرغني (سعادتك.. رحلة لندن دي بالذات مهمة جداً.. لأننا نعتمد عليها في تطوير مقترحات جديدة للمشروعات الجديدة.. أنا شايف أنك تبدأ بيها.. ونؤجل رحلة اليابان إلى ما بعد رجوعك من رحلة باريس التي سنمرّ عليها في طريق العودة من لندن لمقابلة رجال أعمال وشركات). هذه الكلمات المدغدغة للحاسة السياحية في نفس كل إنسان.. هي أول ما سيسمعه الوزير (الجديد!) بعد التشكيل الوزاري الجديد.. سيستقبله مدير المكتب بابتسامة مشرقة.. ويبلغه الفرح الكاسح الذي اجتاح الوزارة من الخفير إلى المدير (مدير المكتب).. ويضع في طاولة مكتب الوزير (الجديد!) رزمة ملفات كلها مستعجلة وخطيرة.. ثم يحدثه عن السفريات الخارجية المستعجلة التي يجب أن يتجشم الوزير عناء ترحالها.. وقبل أن يفيق (الوزير الجديد) من الدهشة.. سيستقبل مكالمة هاتفية من (المدام) في البيت تخبره بأن (سيارة البيت) وصلت ومعها السائق.. ودهشة وراء دهشة يجد الوزير (الجديد!) نفسه غارقاً في (البحر القديم).. بحر الخدمة المدنية. كل شيء جاهز.. حتى القرارات التي سيصدرها.. وبعد أسبوع واحد من الجلوس المخملي في الوزارة الأنيقة سيستكمل الوزير (جرعات التطعيم) الحتمية.. التطعيم ضد أمراض العناد وركوب الرأس والتفكير –التغريد- خارج السرب.. ورويداً رويداً.. يجد الوزير نفسه في ذات المسار .. مسار أنتم السابقون ونحن اللاحقون. سيصدق الوزير أنه الأول الذي يبدأ منه تاريخ الوزارة.. وأن العبقرية كانت مطلوبة بإلحاح.. وهاهو القدر يسوقه لحلّ المشكلة.. مشكلة الوزارة. ويبدأ الوزير عمله.. يفترض أولأً أن كل (التخطيط) وما قرره سلفه محض أوهام.. فيبدأ ب(التخبيط).. وتظهر النتيجة أمام الشعب عندما يرى بعض المشروعات القديمة وقد صرف النظر عنها وبدأت تطل مشروعات جديدة.. تناسب ذوق ومزاج الوزير (الجديد!!). سيقوم الوزير بجولة تفقدية لإدارات الوزارة.. أولو العزم في الوزارة سيطأطئون رؤوسهم ويهزونها بإشارات الإيجاب والإعجاب كلما نطق بكلمة أو (خطرف) بفكرة.. ويتيقن الوزير بعد الزيارة التفقدية.. أنه هو الذي علم الموظفين ما يجب أن يفعلوه. بعد عدة أسابيع.. تكتمل كل أطوار الوزير.. من يرقة إلى شرنقة فحشرة كاملة.. لا يضع قلمه– والقلم ليهو رافع- إلا بعد أن يتقين من (المصلحة!!) في الأمر.. و(المصلحة!!) هنا عبارة غير بريئة لكنها في ذات الوقت (ليست أنانية).. فهي تعني مصلحة الوزير والدوائر.. بداية بالدائرة الأولى المحيطة به مباشرة.. ثم الدائرة التي تليها.. فالتي تليها إلى آخر مسار المصالح المرسلة.. ثم تبدأ علامات (البلوغ!) في الظهور على الوزير.. نهدان بارزان.. نهد من ثلاثة طوابق في المنشية.. والآخر من أربعة طوابق في شارع المشتل بالرياض.. ومن باب إغاظة الشيطان.. يكتب على باب البيت (هذا من فضل ربي)..!! فيسافر إبليس حسيراً ويلعن البلد الذي يتنكر أهله للفضل.. حسب ما تروي النكتة الشهيرة.. التيار نشر بتاريخ 16-11-2011