[email protected] كانت حلقة ساخنة من البرنامج المثير للجدل (حتي تكتمل الصورة) تلك التي بثها تلفزيون النيل الأزرق ليلة الإثنين الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي .. مقدم البرنامج الطاهر حسن التوم أدار حواراً محوره الإصلاح في الحزب الحاكم ومن ضيوف الحلقة الدكتور أمين حسن عمر الرجل الذي يمتاز ببرود أسكتلندي والمهندس عثمان ميرغني رئيس تحرير التيار والسيدة سناء حمد العوض الصحفية السابقة والوزيرة التي أثار مقالها المتزامن مع إنعقاد المؤتمر التنشيطي للحزب ردود أفعال تبعث علي الإستغراب تماماً كطرقعات الأصابع وسط صمت (خطبة الجمعة) وربما لو لم تكن الوزيرة هي كاتبته لكان الكاتب الآن رهن السؤال وتحت مرمي النبال. ولا أدري هل إكتسب المقال أهميته من واقع الأفكار المطروحة أم فقط لأنّ جدلية المقال نابعة من كون كاتبته بدرجة وزير.. فقد تعودنا أن نحتفي بالمناصب دون الأفكار!! .. علي أية حال لستُ هنا في معرض إستعراض مجمل نقاش الحلقة المذكورة علي رغم مناوشات عثمان ميرغني فيما يتعلق بمتلازمة الدولة والحكومة وطغيان هذه علي تلك وماهية الإصلاح أو الإصلاح كما يجب أن يكون.. كما أنني لستُ في مقام مناقشة أفكار الوزيرة إذْ لا حيلة لي بأفكار الإستوزار.. ومن نافلة القول أنّ العبد لله لا يعرف (أكتر من الحكومة). وربما ما يُشبه المحاكمات هو بعض مما أثارته الوزيرة سناء في مقالها الموسوم بالملاحظات والمراجعات أو هو أشبه بالإستيضاح كما في أدبيات الخدمة المدنية .. الاستيضاح الذي يستكنه أسباب القصور وهو مدعاة كذلك لسبر أغوار الخلل وصولاً لأفضل معدلات الأداء .. وهو استيضاح علي طريق الإصلاح في واقع الممارسة. غير أنّ ثمة جدلية مزمنة بين حزب الدولة ودولة الحزب تماماً كما تبتلع الحكومة الدولة فتنتفي جدوي المؤسسية هنا وتصبح غير ذات جدوي هيكلية الدولة وبنيويتها وسفسطة السلطات الثلاث.. (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ). وهذا ما ينبغي تكريسة علي أرض الواقع تحجيم الذراع الطويلة للحزب والحكومة وأن تتخذ الدولة طريقها في المجتمع سرباً وطرباً تحكمها المؤسسية والقوانين فقط وواقع الممارسة هو الذي يشي بصدقية نيات الإصلاح الحقيقي وليس بضع وريقات ينتهي تأثيرها بانتهاء مراسيمية المؤتمر وموسمية الأفكار المستنيرة. ولعلّ ما يلفتُ نظر المراقب البسيط هو الفوقية والإستعلائية التي يفترضها أعضاء الحزب علي بقية خلق الله فتري الواحد من العضوية مهما تماهت عضويته يري نفسه كمقوقس مصر وليس ثمة تفسير أكثر منطقية لهذا غير ضعف التربية التنظيمية القاعدية بل وانعدامها والثابت أنّ أكثر العضوية التي تفرح جزلاً وتنظر للناس شذراً لمجرد الاستحواذ علي بطاقة الحزب بينما يحملون في رؤوسهم خواءاً مزمناً هذه الفئة هي التي هجمت بليل علي نواة المؤتمر الوطني علي حين غرةٍ جرياً وراء المطامع الشخصية ودون أية إضافات للمصلحة العامة يُعتدُّ بها. أقول التربية التنظيمية القاعدية بمعناها الأشمل والتي سرح في غيابها المتلمقون والمتسلقون وراء الأكمة الذين لا يعرفون من أصول الفكرة والتنظيم إلا إسمه يمشون الهويني يفرخون كل يوم جديد المزيد من الفشل الذريع ووصمات علي جبين الفكرة الكبيرة التي أجهضها من يستحقون العقاب (بسوط قدو قدو). وليس العيب في الفكرة علي عظمتها المأخوذة عن أعظم فكرة كونية ولكن شتان ما بين النظرية والتطبيق أقول هذا ومثالب الشارع العريض خير دليل علي فشل البعض الذي أورث التنظيم نفسه حنق الآخرين .. تناقش أحدهم ولمجرد أنه يحمل بطاقة الحزب قبل ثلاثة أيام يوشك أن يرسلك إلي (سجن شالا) لمجرد أنك ناقشتَ جناب الباب العالي عضو التنظيم أما فيم كان نقاشك فهذا لا يهم. وهذه ظاهرة علي بساطتها لكنها لا يستهان بها أجدر بالدراسة والسيطرة عليها وهي منشأ العصبيات والقبليات التي تتري كل حين هنا وهناك كما أنّ مثل هذه العقليات فوق ذلك تجلب حنق الحانقين وتطعن في موضوعية الأفكار نفسها دعك من آليات تنفيذ هذه الأفكار التي تتخذ من الغايات الكلية الموضوعة للتنظيم مرشداً. وحتي علي أعلي المستويات هنالك ما يمكن أن نسميه (المكاجرة) أو المكابرة علي نحو ما اتخذه دكتور أمين في منهجية نقاشه مع عثمان ميرغني في الحلقة المذكورة أما مشكلات الحكم والإدارة فهذه التي أثبت فيها أهل الثقة فشلاً لا يحتاج لبيان.وكل ذلك يمكن إختصاره فيما يمكن أن نطلق عليه (غربلة) العضوية. وما يعتور المؤتمر الوطني _كحزب_ ليس قصراً عليه وحده فقد تلبّستْ هذه الحالة قبله وبأعراض أكثر شذوذاً الحزب الشيوعي من قبل حين صار حزب دولة ودولة حزب حتي تضخّمت الذات النميرية بحثاً عن الإمامية ولا يتعدي الأمر كذلك الأحزاب التقليدية وهذه أنكي وأضل سبيلاً منذ بواكير العهد الوطني حيث إحتكرت المكاسب والمناصب والمكاتب علي أبناء السادة أصحاب السيادة حتي تاريخ كتابة هذه السطور وبعض شيئ لعضوية الحزب من البيوتات الكبيرة التي تتبع لحزبي الأمة والإتحادي أما الغالبية العظمي من جماهير الحزبين الكبيرين في القواعد فيبقون أشبه (بسلالم المصاعد ) يستخدمها (السادة) في الصعود لأعلي هرم السلطة وممارسة الحق الإلهي في الحكم الذي لا يبلي وإن تطاول العمر واستطالت السنوات.