/المحامي/الدوحة/قطر في مساء يوم 19/2/2012 ، تفقدت بريدي الالكتروني ، فتحت إحدى الرسائل ، كان المرسل هو الأخ العزيز الفنان عادل التيجاني مدير مركز أصدقاء البيئة بالدوحة، وكان مضمون الرسالة هو الدعوة للحضور إلى صالة منتدى الحروف بمركز أصدقاء البيئة للقيام بواجب العزاء في وفاة فنان أفريقيا الأول الاستاذ/ محمد وردي، قرأت الرسالة الالكترونية عدة مرات بإمعان شديد وذهول مطبق فقد استمعت لوردي قبل عدة أسابيع وهو يصدح بأغنياته الشهيرة في عدة قنوات فضائية سودانية وشيئاً فشيئاً تيقنت من الرحيل الأبدي لأسطورة الغناء السوداني عندما تجولت في الفضائيات السودانية ، الشروق والنيل الأزرق وتلفزيون جمهورية السودان ثم تلفزيون قطر الذي قدم لمحات من سيرة الفنان السوداني محمد وردي ونماذج من أشهر أغنياته ، فمحمد وردي يعرف قطر وتعرفه قطر فقد حط رحاله ذات يوم بالدوحة حيث أجريت له عملية زرع كلية بمستشفى حمد وحيث أحيا فيها عدة حفلات غنائية للجالية السودانية المقيمة بدولة قطر الشقيقة. نعى الناعي وانفض المشيعون وانتهى العزاء داخل وخارج السودان ورحل محمد وردي ولكن الهرم الغنائي الأكبر الذي شيده محمد وردي عبر أكثر من ثلاثمائة أغنية من عيون الغناء السوداني سوف يظل باقياً ، جاء وردي من جزيرة صواردة إلى الخرطوم حاملاً في حناياه صلابة جبال المحس ورقة ضفاف النيل فغنى للوطن وغنى للحب والجمال فبلغ القمة في الإجادة وغنى للحرية ، فكانت أناشيده الوطنية الاكتوبرية متفجرات ثورية ترهبها كل الحكومات العسكرية ، سُجن عدة مرات وحتى وهو في غياهب السجن كتب ولحن وأدى أجمل الأغاني السودانية، جاء وردي من شمال السودان إلى وسطه محملاً بلغته النوبية لكنه لم يتقوقع بداخلها ويكتفي بترديد الأغنيات النوبية بل قام بتدريس اللغة العربية الفصحى وتغنى بها في بعض أغنياته وأناشيده الوطنية الخالدة ، ويكفي وردي فخراً أن إرتريا وأثيوبيا اللتين تفرق بينهما الحروب والعداوات السياسية توحدهما أغنيات وردي فمن وقت لآخر تصدح القنوات الاثيوبية والارتيرية بأغنيات وموسيقى الراحل محمد وردي! في اعتقادي أن أبسط ما يُمكن للسودانيين والأفارقة والعرب أن يقدموه لتخليد ذكرى الفنان محمد وردي هو أن يساهموا في تشييد معهد محمد وردي على قطعة الأرض التي منحتها له الحكومة السودانية قبل وفاته لتكون منارة للفن الراقي الذي يمجد الجمال من غير ابتذال ويعظم حب الوطن بدون تطرف ويكون متحفاً حياً يجمع التراث الغنائي السوداني الذي تمتزج فيه جماليات الغناء السوداني بروائع اللغات العربية والنوبية والافريقية فلعل ذلك يساعد في توحيد القومية السودانية التي تفرقها السياسة ولكن يجمعها دائماً الفن الجميل الذي يحمل أجمل المشاعر الانسانية. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر