الأخ الفريق عطا .. أخاطبك فيما يوجب النصح و فيما لا يستقيم الأمر بغيره .. و بالواضح .. لا يخفي علي أحد في هذا البلد المنكوبُ بالإنقاذِ سوء الحال و بؤس المآل ، كل الناس كبيرهم و صغيرهم .. غنيّهم و فقيرهم .. ليس فيهم من لا يعرف الإنهيار و الترّدي أو من لا يحس الخِلفة و التراجع أو من لا يتنفس الكبتَ و الظلم و المسغبة و الضلال ، و من يغض الطرف أو يداري أو ينافح ، فإنما لعائد شخصي أو مصلحة أو منفعة أو موت ضمير .. هذه أمور تخادعون أنفسكم إن ظننتم أنا لاهون عنها ، قد تخيَّرَتِ الإنقاذ قماش الناس ومن أتاح لهم الزمن الرديئ قياد هذا الوطن الذي لا يشبهونه ، تجبّروا و قمعوا و حيّدوا الشرائح المستنيرة و القِلّة المتعلمة و شرّدوا الكوادر المؤهّلة و ذوي الخبرة في الإدارة و الخدمة المدنية و نواحي الإختصاص المختلفة بهيئات التعليم و الصّحة و الإقتصاد و الأدب و الإحصاء و العلوم و الإبتكار والزراعة و التصنيع .. كل ذلك لأغراض التمكين و الولاء و التشبث بالسلطة .. لم يكتفوا بهذا بل ساموا الخلق أنواع العذاب من تقتيل و قهر للصغار و الشباب و حبس و سحل و جلد للمناضلين و الرافضين و الحرائر .. ما شبعوا و ما قنعوا و ما رضوا حتي امتدت أطماعهم لمال الله في الحج و الذكاة و كفالة الأيتام و الأوقافِ طُرّا ! يتزلفون السلطان و يلعقون سعادة بلهاء و يلتحفون النعيم الأجوف .. لا يردهم حياء و لا أصل و لا خُلق كريم .. كتعوا في المخازيَ ما كفاهم و تسربلوا بالسَّفه الفاقر فاه .. إشتروا الضلالة بالهدي و باعوا الدّيار بثمن بخس .. كلما هداهم هاد أو نصحهم ناصح انشغلوا عنه و اردفوا أعجاز الكذب و السُّحت و المغالاة و أكل أموال الناس بالباطل .. و كلما شارَ عالمٌ أو عارفٌ أو حكيم .. ناءوا بكلكل سعيهم خسَّة و تفلتاً و مماهاة و طغياناً و صلَفاً و عنجهيّة ، نسِيَ مسؤولهم و تناسي إذ كان لحافه من جلد شاة و إذ نعليه من جلد البعيرِ ! فالمعلوم أن خطل الإنقاذ أخي الفريق و عمي بصيرتها و خبال نهجها أمور أبيناءٌ لا يخطِئهنَّ عاقل .. و مع هذا لن نألوكم نصحا حتي يقبض الله قبضهْ ! و أقول رغم أن إدارة البلاد و العباد أمر يقاس بالأحداث و المواقف عبر أزمنة و ظروف شتّي و الإجمال فيه مخلٌّ ، إلا أنكم ما سلكتم طريقاً و لا طرقتم منحي بغير عوج .. فلا رعاية و لا سياسة تمارسون و إنّما تستمسكون بفكر أحادي مهترئ يوهمكم ضيق الأفق أن الخلق لا يرَوْن غيره .. و هذا لعمري شطط و أيّ شطط ! فلكل فعل أو سلوك أو قرار غرٍّ أو حصيف .. عقلٌ يرضي و عقلٌ يأبي و عقلٌ يضيف .. فالمجال ممارسة للسياسة و ليس قواعد فيزياء أو متلازمة حسابية يتوحد الناتج فيها عند الجميع .. و من يسوس الناس يخطط و يُناور و يُحاور و يتمسّك و يتنازل و يلغي و يبدّل و يكسب و يخسر .. علي أن يكون القصد و المآل مصلحة الناس و الوطن و الإنحياز للضعيف و المظلوم .. أكرر – مصلحة الوطن و الإنحياز للمظلوم – و يكون ذلك بطرح فكر و نهج متحضّر .. يراعي حقوق المواطن و أهميّة المشاركة و ضرورة التساوي و إطلاق الحريّات في التحرك و الإقامة و التعبير و إبداء الرأي و التأليف و الصحافة .. و يُرفَد كل ذلك ببرامجَ لتطوير العباد و البلاد ، و تلبية المطالب في التعليم و العلاج و رفع المعاناة و العيش الكريم .. و إن تحجر فكراً أو تحجب رأياً أو تلغي الآخر أمر جلل لا مسوق له و لا مبرر حتي و إن تعارض مع السياست العليا عدا أن يكون فيه إضرار ملموس بالدولة و الوطن ..الأخ الفريق لن نكفّ عن تنبيهكم و تذكيركم و تحذيركم حتي يغيِّركم الله ، فإن نامت عين الراعي فلله عين لا تنام .. خصصتك بالمخاطبة إذ أني و في مرّاتٍ عدة سمعت الرئيس يقول أن للمواطنين حرياتهم في شؤونهم و اجتماعياتهم و في ما يلزمهم من حركة لكسب العيش و ممارسة أعمالهم و أنشطتهم .. كما أني سمعته يوجه أن تمنح المساحة الكافية للآخرين للتعبير عن أفكارهم و رأيهم و نقدهم و كشفهم للخطأ أو تأييدهم لما يرونه صائباً .. هذا ما يقوله رئيسكم .. فتخرج علينا أنت بسياسات مناقضة مختلفه تخترعها لتكسير أقلام الناس و تحجيم فكرهم و تكميم أفواههم .. فإمّا أن يكون قول الرئيس ( لللإستهلاك المحلي ) و خداع الشعب و المماهاة .. و إما أنك لا تنفذ التوجيهات كما يجب أو أنك لا تحسن أداء عملك .. نعم أنت مسؤول عن الأمن و لك من الصلاحيات كمٌّ هائل و لكن عليك أن تذكر.. أنك موظف في الدولة و لا تمُّيز لك علي أحد ولدته حواء كما ولدتك ..! ما دفعني للكتابة ما نسمع كل يوم عن حملاتك الموجَّهة ضدّ أصحاب الفكر والقلم و الصحفيين علي وجه الخصوص ، تصادر الصحف و تغلقها و تسحب المقالات وتلغي الأعمدة و تأمرعبر الهاتف بوقف التوزيع .. ! أهذا اختصاصك يا رجل .. ؟ حتي و إن كان في العمل جزءاًً يخصك فإنه و بالتأكيد توجد جهات و أجهزة و أطراف أخري تشارك في المسؤولية عمّا يكتب الناس .. ثم ماذا يكتب المنشغلون بهم الوطن ..؟ أن لا شفافية في التعامل و المال العام .. أم أن هنالك عقوداً غير قانونية أو أن المشروع الفلاني دمرته سياسات بعينها .. أو أن الوزير تجاوز صلاحياته .. أو أن المؤسسة الفلانية انتهجت أوجه صرفٍ غير معروفة .. أو أن مواطناً ظلمه أفراد من الشرطة و الأمن أو أنهم تجاوزوا اللوائح في التعامل معه .. أو أن المسؤول الفلاني وعد الناس و لم يفِ بوعده .. أو أن السلام و الإتفاق أفضل من الحرب .. أو أن الحزب الفلاني يعكس خطابه فكراًً غير مقبول .. أو إلخ .. ماذا يكتب الناس غير هذا .. ؟ فإن كتبوا فهي همومهم و يوميات حياتهم و عرض حالهم و مظالمهم و مشاغل أهلهم و أبنائهم .. فليس عليهم أن ( يخرسوا ) كما أنه و بالطبع عليك سماعهم .. ماذا كتب أولئك الصحفيون مما يهدد الأمن القومي للبلاد أو يضر بالمصلحة العليا أو يكشف الخطط و الأسرار و ما إلي ذلك من أمورسيادية أو استراتيجية ؟ لماذا يُعتقل الكتّاب و الصحفيون و يستدعيهم جهاز أمنك في أمور أقل من عاديّة و في كل العالم يكتب عنها الناس و يناقشونها ويتفقوا عليها أو يختلفوا فيها ؟ .. من الذي اعتدي علي نجلاء سيد أحمد و من الذي استدعي فيصل محمد صالح .. ؟ و من الذي أوقف شبونة و المكاشفي و منع مقالات عووضة و رباح و ساتي و آمال عباس .. ؟ أين أبو عبيدة عبدالله و السّراج و عصام جعفر و غيرهم و ماذا يحدث لعثمان ميرغني ؟ نسأل عن الجميع ( كمبدأ )و بصرف النظر عن توجهاتهم الفكرية أو السياسية ! كيف تصادر أخي عطا الصحف بعد طباعتها ليخسرأصحابها ضعف ما كان متوقعاً أن يخسروه ؟ أنكاية في المواطن و الأسر التي تأكل و تعلم أطفالها من عائد عملهم بتلك المؤسسات ؟ و هل يُعقل أن يكتب كل هؤلاء في أمور تضر الوطن؟ و لماذا تُصادَر صحيفة واحدة و بطريقة متوالية و متكررة .. أمس و اليوم و غداً و بعد غدٍ ؟ أفي كلَّ يومٍ تكتب هذه الصحيفة في أمر يهدد الأمن القومي .. أم تراه و العياذ بالله ..استغلال للسُلطةِ فحسب ؟ حتي و إن كان هنالك مقال أو موضوع وجب حذفه أو ألاّ يُنشر .. ألم يكن مناسباً أن يُخطر رئيس التحرير .. و قبل الطبع ..لحذفه وتفادي خسارة أكبر تشمل من حرر المقال و من لا علاقة له بذلك ؟ ما الذي يحدث يا أخي و ما المعني و ما المقصود ؟ و كيف يقوم كل هذا الضرر و الإضرار بالخلق دون أسباب وجيهة أومقنعة و قد حرّم الله الظلم علي نفسه و جعله بين عباده محرّما ؟ ..أتحسبون خوف العامّة من خصوصية الأمن رخصة للبغي ؟ أم لعلكم تحسبونه ترخيصاً لكتم الناس و التّغوُّل عليهم ؟ لا أقول أصلحوا .. فصلاحكم دونه خرط القتاد .. و لكني أقول يكفيكم الأرواح المعلقة دون قصاص .. عبد الحكيم عبد الله عيسي و محمد موسي بحر الدين و التاية بجامعة الخرطوم و صلاح ابراهيم سعيد و عوضيّه و المقداد و المئات غيرهم و غيرهن ..! حتي الحرائر و الغوارير و قد أوصانا خاتم النبيين بحفظهن و حمايتهن ما سلمن من أذاكم .. حبستم إزدهار جمعة و كسرتم عظام الدكاترة مريم المهدي و سارة حسبو و فقأتم عين حليمةحسين ، ولعلّ جميعكم ( مفرومين ) بزقِّ واحد لا تستو.! تسربلتم بالكبائر دون اللمم ، فوالله و تالله لستم بقومٍ يؤمّرون علي الناس و لكن هي الأقدارُ .. فمثلكم إن كلّّفوا بالبهم آبوا بها عُوجا .. معطّلة تشكو الدوابر و الأنساء و الصُّفُقا .. عجبي ! أقول فقط خففوا أخطاءكم ، فالغضبُ الهادرُ آتٍ .. و الشبابُ ليسوا مثلنا .. فصدقهم ينبي وثأرهم يجبي و رميهم رميَ صبيٍ و سيفهم لا يرحم .. و نهجكم يغبُن السرائر و يُوقر القلوب و يُبعد الخلق و لا يقرّب و يضر أكثر مما ينفع .. فلا تعتمدنّ يا رجل علي أن القوم يخشون الأمن و لا يجرُأن أحدهم علي نقدك ، فعلي الدّوام هنالك من لا يخشي ، و إني لك ناصح أمين .. فقد خبرنا إدارة الرجال و دهاليز المقاتلة و العسكرة و الأمن و كل ما يردُ في باب ( أقواس النيران و الششخنة و إعادة التعمير و أرض القتل ) فإن جهدتَ في الحق تجد الله تجاهك و إن تثاقلت فإنيّ خصمٌ مِبَلٌّ ثبْتُ . و آخِراً .. أيها المفضال قد رأينا الشمس قبلك .. و لبسنا الكاكي قبلك و هششنا بصَولجانِ السُّلطة قبلك ... فلا يغرّنك شيئ من الدنيا .. وظّفك العباد لتخدمهم و لست بأقواهم .. فلا تكن ملِكاً أكثر من الملك ، و لا تُحمِّل القانون و اللوائح أكثر من مضمونها فيضيق بك الناس أكثر مما ضاقوا، راجع مرؤوسيك و انزل بينهم و اقترب منهم تعلم ما كان خافياً فتُصلِح و قد تصلُح يرحمكم الله .. و ليهد الله من يشاء . عميد عبد القادر إسماعيل