تشكيل لجنة لمراجعة التعاقدات بمنطقة وسط الخرطوم    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    محمد صلاح يستعد لرحلة غامضة إلى السعودية    حكام مجموعة ابوحمد في الدوري التأهيلي يقومون بنظافة استاد ابوحمد    قرارات لجنة الاستئنافات برئاسة عبد الرحمن صالح في استئنافات ناديي الأمير دنقلا والهلال الدامر    التعليم العالي : إيقاف توثيق الشهادات الإلكترونية المطبوعة بصيغة "PDF"    نصر الأمة يوقف سلسلة انتصارات الفريع الأهلي    القوز والأمير دنقلا يقصّان شريط الأسبوع الرابع بمجموعة ابوحمد    ياسر محجوب الحسيني يكتب: البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    مجلس السيادة يدين هجوم كادقلي    كامل إدريس يُحيِّي جموع الشعب السوداني على الاصطفاف الوطني خلف القُوّات المُسلّحة    الخرطوم .. تواصل نقل رفاة معركة الكرامة للأسبوع الثاني على التوالي    المريخ السوداني يصدر قرارًا تّجاه اثنين من لاعبيه    بسبب ليونيل ميسي.. أعمال شغب وغضب من المشجعين في الهند    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    شاهد بالصور.. فنان الثورة السودانية يكمل مراسم زفافه بالقاهرة    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    لجنة التحصيل غير القانوني تعقد أول اجتماعاتها    أطعمة ومشروبات غير متوقعة تسبب تسوس الأسنان    جود بيلينغهام : علاقتي ممتازة بتشابي ألونسو وريال مدريد لا يستسلم    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    شاهد بالفيديو.. بطولة كأس العرب تشهد أغرب لقطة في تاريخ كرة القدم    الدونات واللقيمات ترفع خطر السكري بنسبة 400%    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    شاهد بالفيديو.. العروس "ريماز ميرغني" تنصف الفنانة هدى عربي بعد الهجوم الذي تعرضت له من صديقتها المقربة الفنانة أفراح عصام    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم التمكين بين التفسيرين الديني والسياسي
نشر في سودانيات يوم 14 - 10 - 2012


د.صبري محمد خليل
أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
[email protected]
تمهيد: مفهوم التمكين هو مفهوم قراني كلى ، ولهذا المفهوم تفسيرين ، التفسير الأول هو التفسير الديني ( الشرعي) له ، وهو التفسير الذى يتسق مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، فضلا عن انه يتسق مع مقاصد وضوابط الشرع ،وطبقا له فان مفهوم التمكين هو مفهوم شامل، فهو يشمل الكثير من المجالات ، ولا يقتصر على مجال معين (كالمجال السياسى مثلا) ، كما انه يشمل جماعه المسلمين لا ينفرد به فرد أو جماعه دونها كما هو الحال في قسمه التكليفى، بل قد يمتد فيشمل بني ادم كما هو الحال في قسمه التكويني كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (10: الأعراف )، وطبقا لهذا التفسير أيضا فانه على تعدد غايات التمكين الدنيا ، فان غايته القصوى ليست السلطة أو الثروة أو المنصب بل هي أقامه الدين. أما التفسير الثاني لمفهوم التمكين فهو التفسير السياسى له ، ويقوم على التأكيد على البعد السياسي لمفهوم التمكين، لكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء الأبعاد الأخرى للمفهوم، فهو تفسير يتصف بالقصور لأنه يقصر مفهوم التمكين على مجال معين (هو المجال السياسى)،كما يقصره على جماعه من المسلمين، بينما المفهوم اشمل من ذلك كما سبق ذكره، كما أن هذا التفسير يتناقض مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، وفضلا عن انه يستند إلى أو يلزم منه جمله من المفاهيم التي تتناقض مع مقاصد وضوابط الشرع، وبالتالي يعتبر بدعه.
التعدد الدلالي للمفهوم في القران : وقد ورد مصطلح التمكين في القران الكريم بدلالات متعددة، تشير إلى تعدد غاياته ومجالاته ، ومن هذه الدلالات : أولا:اقامه الدين كما في قوله تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)( الحج:41)، وهى الغاية القصوى للتمكين. ثانيا: تسخير الأرض لبنى ادم كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (10: الأعراف )، يقول ابن كثير في تفسيره (يَقُول تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عَبِيده ،فِيمَا مَكَّنَ لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْض قَرَارًا ،وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي وَأَنْهَارًا ،وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَنَازِل وَبُيُوتًا ،وَأَبَاحَ لَهُمْ مَنَافِعهَا ،وَسَخَّرَ لَهُمْ السَّحَاب لِإِخْرَاجِ أَرْزَاقهمْ مِنْهَا ،وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَعَايِش أَيْ مَكَاسِب وَأَسْبَابًا يَكْسِبُونَ بِهَا وَيَتَّجِرُونَ فِيهَا وَيَتَسَبَّبُونَ أَنْوَاع الْأَسْبَاب، وَأَكْثَرهمْ مَعَ هَذَا قَلِيل الشُّكْر عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَان لَظَلُوم كَفَّار “. ). ثالثا:حيازة الثروات وامتلاك الأموال كما في قوله تعالى(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ )،وقوله تعالى(وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ). رابعا: الوصول إلى موقع ذو نفوذ كما في قوله تعالى( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف:56)، وقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( يوسف:21). خامسا: تحقيق الاستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) يقول ابن كثير في تفسيره (هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمة الناس، والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد( وكما في قوله تعالى( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )(القصص). سادسا: الحصول على ملك عظيم كما في قوله تعالى (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً)(الكهف: 84(، يقول ابن كثير في تفسيره ( أي أعطيناه ملكاً عظيماً متمكناً فيه، له من جميع ما يؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم.
أولا: التفسير الديني(الشرعي) للمفهوم : التفسير الديني لمفهوم التمكين هو التفسير الشرعي له ، وهو التفسير الذى يتسق مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، فضلا عن انه يتسق مع مقاصد وضوابط الشرع.
تعريف التمكين: وطبقا لهذا التفسير فان التمكين لغة تفعيل من المكان، وهو في الاصل إقرار الشيء وتثبيته في مكان،ثم استعير لدلاله على التملك والقدرة والسيطرة والتحكم . أما اصطلاحا فهو مظهر من مظاهر الفعل الالهى المطلق يتيح للفعل الانسانى امكانيه تحقيق غاياته المتعددة، في حال تقيده بالفعل الالهى المطلق تكوينيا( بالالتزام بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود)، وتكليفيا( بالالتزام بقيم وقواعد الوحي).
غايات التمكين: وطبقا لهذا التفسير فان للتمكين غايات دنيا متعددة، لكن له غاية قصوى واحده هي اقامه الدين بالالتزام بمفاهيمه وقيمه وقواعده ، وهو ما أشار له القران في قوله تعالى( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
أقسام التمكين:وطبقا لهذا التفسير فان للتمكين عده أقسام رئيسيه هي:
أولا: التمكين الخاص:هو تمكين فرد معين، كما في قوله تعالى في حق يوسف (عليه السلام)(إنا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض واتيناه مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً )( الكهف: 82)، وهو مقصور على الأنبياء والرسل، وبختم النبوة وانقطاع الوحي بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا القسم من أقسام التمكين .
ثانيا:التمكين العام: وهو تمكين الجماعة ولا ينفرد به فرد أو فئة دونها،وينقسم إلى قسمين:
ا/ التمكين التكويني : ومضمونه ما سبق ذكره اقامه الدين كما في قوله تعالى(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)،وهو مقصور على جماعه المسلمين ، لكن لا ينفرد به دونها فرد أو جماعه..
ب/التمكين ألتكليفي:مضمونه تسخير الطبيعة لبنى ادم كما في قوله تعالى(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)(سورة الأعراف: ،فهو يشمل الانسانيه كلها.
شروط التمكين : تشير الايه﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) إلى الوعد الالهى للمسلمين بالتمكين، كما تشير إلى أن تحقيق هذا الوعد الالهى معلق بمعرفه والتزام شروطه الذاتية" والتي عبر القران عن جملتها بالإيمان، " والموضوعية" والتي عبر القران عن جملتها بالعمل الصالح" ، وقد تولى القران بيان الشروط المطلقة للتمكين, وترك للناس أمر الاجتهاد في تحديد شروطه المحدودة بالزمان والمكان, وهنا نشير إلى الحرية والشورى والعدل والمساواة كشروط لتحقيق البعد السياسى للتمكين، والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية كشروط لتحقيق البعد الاقتصادي للتمكين، والوحدة كشرط لتحقيق البعد الاجتماعي للتمكين،والتجديد والاصاله والمعاصرة كشروط لتحقيق البعد الحضاري للتمكين .
ثانيا: التفسير السياسى للمفهوم: أما التفسير السياسى لمفهوم التمكين فيقوم على التأكيد على البعد السياسي لمفهوم التمكين، لكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء أو التقليل من أهميه الأبعاد الأخرى للمفهوم،وله صيغ متعددة بعضها محل اتفاق بين من يتبنى هذا التفسير (أهمها الصيغة التي تفيد إن التمكين هو وصول جماعه من المسلمين إلى السلطة)، وبعضها محل اختلاف بينهم(كالصيغة التي قد تفيد أن التمكين هو فعل انسانى قائم بذاته ، أو التي قد تفيد أن التمكين هو انفراد جماعه من المسلمين بالسلطة دون جماعه المسلمين، أو التي تفيد نسبه التمكين الخاص إلى فرد أو جماعه بعد وفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، هذا التفسير يتناقض مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، وفضلا عن انه يستند إلى أو يلزم منه جمله من المفاهيم التي تتناقض مع مقاصد وضوابط الشرع .
القصور: يقصر هذا التفسير مفهوم التمكين على مجال معين (هو المجال السياسى)،كما يقصره على جماعه من المسلمين ، بينما المفهوم اشمل من ذلك ، فطبقا لتعدده الدلالي في القران الكريم بشمل الكثير من المجلات منها المجال السياسى، وطبقا لأقسامه المتعددة فان المفهوم يشمل جماعه المسلمين في التمكين التكليفى، بل هو يشمل بن ادم في التمكين التكويني.
من التفسير الديني للسياسة الى التفسير السياسى للدين: وهذا التفسير هو جزء من مذهب التفسير السياسى للدين،الذي هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة،كرد فعل على العلمانية التي نفت اى علاقة بين الدين والدولة، ويقوم هذا المذهب على تأكيد واثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا التأكيد والإثبات،إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، لا علاقة ارتباط ووحده، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين، وهو ما يلزم منه الاستغلال السياسي للدين، والذي هو شكل من أشكال الاتجار بالدين ،الذي ورد النهى عنه في الكثير من النصوص كقوله تعالىولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(المائدة:44. فضلا عن أن هذا المذهب يستند إلى مقوله أن الامامه- السلطة، وهو يخالف ما ذهب إليه أهل السنة من أن الامامه من فروع الدين وليس من أصوله ويقول الإيجي : « وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا » (المواقف : ص 395)، كما أن هذا التفسير يتناقض مع التفسير الديني للسياسة الذى يجعل الدين هو الاصل – والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين " ممثلا في مقاصده وضوابطه " للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه .
السلطة من الوسيلة إلى الغاية: : وهذا التفسير باعتباره جزء من مذهب يجعل الغاية هي السلطة والوسيلة هي الدين ، يتناقض مع أن الغاية القصوى للتمكين ليس السلطة ولكن اقامه الدين قال تعالى(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).
الفعل الانسانى من التقييد إلى الإطلاق: وبعض صيغ هذه التفسير تفيد أن التمكين هو فعل انسانى قائم بذاته ، فتسنده إلى الإنسان( فردا أو جماعه)، وهو ما يتناقض مع تقرير القران أن التمكين هو احد مظاهر الفعل الالهى المطلق، فيسنده إلى الله تعالى( مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ) (إنا مكنا له في الأرض)، ليس المقصود بذلك إلغاء الفعل الانسانى بل تحديده(تقييده) بالفعل الالهى المطلق تكوينيا( بالالتزام بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود)، وتكليفيا( بالالتزام بقيم وقواعد الوحي).
السلطة من الوكالة إلى الانفراد: كما أن بعض صيغ هذه التفسير تفيد أن التمكين هو انفراد جماعه من المسلمين بالسلطة دون جماعه المسلمين)، وهو ما يتناقض مع تقرير الإسلام أن السلطة السياسية (التي عبر عنها القران بمفهوم الأمر) مخوله بموجب التمكين العام للجماعة(وأمرهم شورى بينهم) ، أما الحاكم فنائب ووكيل عنها لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ، يعرف الماوردي البيعة بأنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)(الأحكام السلطانية، ص 7 ).ويقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ).
من التمكين العام إلى الخاص : وبعض صيغ هذه التفسير تفيد نسبه التمكين الخاص إلى فرد أو جماعه من المسلمين بعد وفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم)،وهو ما يتناقض ما سبق ذكره من أن التمكين الخاص مقصور على الأنبياء،كما يتناقض مع مفهوم ختم النبوة،و يفضي إلى مساواة بين هذا الفرد أو هذه الجماعة والرسول صلى الله عليه وسلم) في المرتبة.
البدعة: البدعة اصطلاحا بالاضافه إلى أصوله الدين(وليس فروعه)، دون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة: قال تعالى (... ورَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيهِمْ إلاّ ابتغاء رِضوَانِ اللهِ ....). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)( رواه مسلم ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود)،يقول ابن حجر العسقلاني عن البدعة(أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة...) ( فتح الباري / 5 : 156). وكما ذكرنا سابقا فان التفسير السياسي للمفهوم يتناقض مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، وفضلا عن انه يستند إلى أو يلزم منه جمله من المفاهيم التي تتناقض مع مقاصد وضوابط الشرع، وبالتالي فانه يعتبر بدعه.
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان
http://drsabrikhalil.wordpress.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.