. ربما سيختفي في القريب العاجل النموذج الكلاسيكي لرجل الامن الذي صورته السينما الامريكيه والمصريه،رجل غامض وقابع خلف جريده تغطي وجهه، نظارات سوداء يدخن ببطء ويحرك عينيه في كل الاتجاهات،ربما كان هذا النموذج يصلح عندما كان رجل الامن وظيفه لاتعترف بوجودها الانظمه السياسيه ويرفضها الشعب والجهاز التقليدي الرسمي لحفظ الامن المسمي الشرطه. الصوره الان اختلفت في معظم انحاء العالم حيث اصبح رجال الامن يظهرون امام عدسات التلفزيون ويتحدثون عن خططهم في مكافحه الارهاب والاصوليه والمخدرات واللاجئيين الغير شرعيين،في الغرب حيث الديمقراطيات الراسخه يوضح الدستور والقانون اجهزه الامن ومهامها في العمل بين الداخل والخارج، في دول العالم الثالث مهمه رجل الامن تختلف عن مهمه رجل الامن في العالم الاول،في االعالم الثالث رجل الامن مهمته الاولي الدفاع عن النظام السياسي والحكومه لذلك من الصعب جدا جعل المسوؤل الاول في الدفاع عن النظام مجرد موظف فيه وليس صانع للاحداث ومشارك في طبخها بحكم منصبه،تدافع الملفات المعقده والمحيطه بالنظام داخل البلاد وخارجها تجعل من هذا الرجل سياسي حتي لو اراد غير ذلك،نموذج مصر ماقبل الثوره مجريات الصراع وضعت مصر اهم دوله مواجهه مع اسرائيل ودفعت لمكتب عمر سليمان ملفات اسرائيل والعلاقات الفلسطينيه والاختراقات المتبادله بين الاسرائيلين والفلسطينين وتعدد مراكز القوي،حتي يحفظ رجل لمثل هذه الدوله امنها عليه ان يعرف كل المعلومات عن الدوله العدو. كل هذه المعلومات جعلته المفاوض المصري الاول في القضيه الفلسطينيه لغزاره المعلومات التي يطويها تحت ملفه ومعرفته الاكيده للتعامل مع ذلك الكل المتعدد من الفصائل المتقاتله،لايمكن تحصر مفاوض سياسي في دور رجل الامن التقليدي،عمر سليمان ظل رجل اعلام من طراز خاص ولامع جدا ومشهور في كل شوارع مصر علي انه سياسي ورجل امن لدرجه توهم مبارك في اخريات ايام حكمه تهدئه الشارع المصري بمجرد تعيين عمر سليمان نائب له. السودان قطع شوط ايضا في هذا الطريق بعد اعاده هيكله جهاز الامن والمخابرات ودمجهما في موسسه واحده .الجبهه الاسلاميه التي وصلت الي القصر بقوه السلاح لاباراده صناديق الاقتراع جاءت ومنذ اليوم الاول ومعها جهاز امن من الكادر الحزبي وكان جهازها قمعي بصوره سافره،بعد عقدها الاول سارعت الحكومه الي اضفاء طابع مهني وتخفيض نسبه التسيس العاليه في جهاز الامن ، وبعد عقد ونصف من الزمان اصبح بامكان شخص لاينتمي للجبهه الاسلاميه ولكنه مستعد للتماهي مع برامجها الدخول الي جهاز الامن بعد اجتياز امتحانات ذات طابع اكاديمي وفني.اذا اضفنا الي تلك التحولات سيطره جهاز الامن منذ اليوم الاول علي مفاصل الدوله عبر تماسكه الواضح وتحويل بعض المهام السياسيه اليه من قاده الجبهه الاسلاميه لحسمها بسرعه وفعاليه وربما بعيدا عن ايدي المشاكسين من ابناء ذات التنظيم السياسي، وحكايات عبد الوهاب الافندي في كتابه الموسوم بالثوره والاصلاح السياسي في السودان توضح الي اي مدي كان جهاز الامن حاضرا وفعالا منذ اليوم الاول للدرجه التي كان ينفذ فيها بعض المهام السياسيه والان بعد غياب ملامح التنظيم الاسلامي خلف الموتمر الوطني الحزب الفضفاض الكبير نهض جهاز الامن بمهام سياسيه اكبر لسهوله التحكم فيه كجهاز كامل الانضباط وتحت السيطره. ويرجع حيدر ابراهيم ( ارتفاع دور الامن كنتاج لفشل الدوله العسكريه الاستبداديه التحديثيه في الوقت نفسه تحاول استثمار فشل تلك التجربه وتعمل الامنواقراطيه عاده علي التحكم والسيطره علي مظاهر القلق والتوتر والانتقال بهدوء الي مرحله مابعد الازمه وعمليا يصبح جهاز الامن اقرب للتنظيم الحاكم في الدوله الجديده) اذ ان الدور الذي لعبته الموسسه العسكريه بوصفها الموسسه الوحيده المنضبطه والقادره علي احداث تحول في دول العالم الثالث وبذات الحجج التي قضت علي اللحظه الليبراليه القصيره التي عاشتها المنطقه ومن بعد انطلقت الجيوش من عقالها بوصفها محققه اراده التغيير العربي والافريقي بعد ان طرحت شعار التنميه كبديل للحريه، هذه الجيوش وفي معظم الاقطار قوبلت في اللحظات الاولي قبل فشلها في عمليه التنميه بترحاب مشوب بحذر كون ابناء الشعب الذين ينحدرون من الطبقه الوسطي بشقيها الاجيره والمالكه هم من دخل الكليات العسكريه ووصل الي سده السلطه حاملا امنيات الشعب في وجه البيوتات الكبيره. الان وبعد استنفذت الموسسه العسكريه وفي كل العالم فرصتها للحكم بالعنف المباشر فانها تنسحب تاركه الباب للامنوقراطيه التي بزغ نجمها كرائد للعنف الناعم والمستتر خلف بزات مدنيه والمغلف بالاحتراف الذي تقوده الصفوه الاكاديميه الطامحه للسلطه والمالكه للمعلومه ومال الدوله. ان التركيبه الطبقيه لجهاز الامن(معظم كادره ينتمي للطبقه الوسطي) يوضح طموح افراده في ملء الفراغ الذي خلفته الموسسه العسكريه الام في لعب ادوار سياسيه واضحه اضافه الي ضعف التنظيمات السياسيه قاطبه والتنظيم الحاكم علي وجه الخصوص من لعب اي دور سياسي مفصلي، السبب في ذلك يعود الي عدم قدره الجميع علي تحمل نتائج افعالهم السياسيه،ويتضح الدور السياسي الكبير لجهاز الامن في الازمه التشاديه عندما احمر الباس وصار التقاتل داخل اروقه القصر الرئاسي بين الحكومه والمعارضه،تراجعت المعارضه وخرجت الحكومه التشاديه تحمل المسوؤليه للسودان خرج صلاح قوش من مكتبه في شارع المطار غاضبا يرد نيابه عن حكومه السودان ويقول نحن من اقنعنا المتمردين بالانسحاب من انجمينا دون الدخول في دور السودان في تهدئه الاوضاع ،صلاح قوش نهض بخطاب هو من صميم اختصاصات السياسي السوداني وليس رجل الامن ولعبه لدور الوساطه اوطرحه لشخصه للعب هذا الدور السياسي الواضح هو الذي جعل قوش يتجه بمستشاريه الامن الي فتح تفاوض مع الاحزاب السياسيه وقنوات هي عمل الحزب السياسي بالضروره، وربما صور الامر لطموح قوش السياسي الزايد هذا الطموح الذي عجل بنهايته. اذا تحدث قطبي المهدي مدير جهاز الامن السابق عن انتهاء فعاليه دواء الانقاذ (اذا كانت دواء في يوم ما) وهو حديث سياسي عن مجمل التجربه التي شهدها قطبي منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، هل سيفعلها قوش ويفتح اضبارته ويقول كلام في السياسه والانقاذ ام ان امل العوده مازال ماثلا امامه ولاسيما انه غادر الجهاز من قبل ثم عاد.