كلما حشروا الوطن في أزمة وجروه لحماقة من حماقاتهم التي لا تنتهي ثم تبدى عجزهم وخطل رؤاهم وقلة حيلتهم هرول المتنطعين إلى الشريعة بدعوة تطبيقها حتى غدا الأمر مزحة سمجة ونادرة يتندر بها العامة فقد بذا القوم مسيلمة وعبد الله بن أبي سلول وتفوقوا عليهما في الكذب والنفاق، وهاهو "مسيلمة الإنقاذي" المدعو نافع ذاك الذي تفصله أميال وفراسخ عن الشريعة وخلقها والذي غدت أفعاله وأقواله مضرب المثل في الفحش والبذاءة يعود من جديد يعوى ويلهث مخاطبا جموعاً للطرق الصوفية بولاية شمال كردفان ليؤكد في خطابه " أنهم ما جاؤوا إلا لتطبيق الشريعة الإسلامية التي ترفضها المعارضة". فجأة بعد أن فاق من "خلعة" قصف اليرموك يتذكر "مسيلمة الإنقاذي" أمر "تطبيق الشريعة" ليداري بها سوءة نظامه المتقاعس عن القيام بأهم واجبات الدولة وهي حفظ سلامة وامن الوطن والمواطن ويسوق الوهم من جديد للناس، إن الكذب والتلاعب بالدين قد جر وسيجر المزيد من اللعنات والأزمات على هذا النظام ورجالاته بل وعامة أهل السودان جزاء صمتهم وعدم تصديهم لفيض المنكرات الإنقاذية وعجزهم عن حفظ وصون عقيدتهم من دنس التلاعب بها واستغلالها من قبل شيوخ الغفلة لتحقيق مآرب دنيوية رخيصة لا تتعدى إشباع شهوتي البطن والفرج لبيس الطالب والمطلوب. فلعنة إنزال المقدسات التي ظل يصونها المواطن السوداني ويحفظ هيبتها وجلالها في سويداء القلب من عليائها والتلاعب بألفاظها واستغلال نصوصها لخداع الناس وتمرير سياسات وبرامج فاسدة وفق منهج وسلوك لا يمت لشرع ولا الخلق القويم بصلة ستظل تطارد هذا النظام وأهله حتى بعد الرحيل فهذا النهج شاذ ودخيل على قيم شعبنا ولم يعتاده المجتمع السوداني من قبل وقد أدى لظهور مظاهر غريبة وافرز كثيرا من الظواهر الاجتماعية السالبة التي اكتوى بنارها الجميع وأسهمت في تفكيك لحمة المجتمع ونسف أسس أمنه واستقراره. إن ظاهرة التدين المظهري قد غدت هي السمة الغالبة في المجتمع وتحولت العبادات الدينية لطقوس مجتمعية يؤديها الفرد تقربا لأهل السلطة والسلطان دون وجه الله بسبب نهج الشيوخ في التمكين واحتكار المعاش وإعلاء شأن فئة من الناس وسد أبواب الرزق في وجه الأغلبية التي سحقت وشردت وفق قوانين ما أنزال الله بها من سلطان وكل هذا الفساد والتهريج يمارس باسم الدين ووسط تهليل وتكبير الرجرجة والدهماء وتحريف فقهاء السلطان الذين أضلوا العباد وأضاعوا البلاد ببدعة "فقه السترة وفقه الضرورة". وها هو النظام وبعد أن تفنن في إشعال الحرائق وإعداد المحارق لشباب بالداخل منتقل من حرب إلى أخرى بدعاوي الجهاد ، يدفع بفلذات الأكباد لمحارق خارجية في الصومال ومالي وسينا المصرية عبر منظمات الهوس الديني المنبثقة من جوفه النتن... من سيقول أن نظام "الإنقاذ" غير مسئول عن هذا الوضع المأسوي وعن مصير هؤلاء الأبناء الذين بات يختفي في كل يوم واحد منهم ويهجر أسرته ويغادر الوطن دون علم ورضي والديه ، هو بلا شك يخدع نفسه قبل أن يخدع الناس نحن في مأزق حقيقي وللخروج منه علينا أن نعيد النظر في مجمل مواقفنا السابقة من نهج وبرامج هذا النظام، تلك المواقف السلبية التي اتسمت بالغباء والجبن وهذا فرض عين على الجميع يجب القيام به اليوم قبل أن نصحو ذات صباح ولا نجد أبناء ولا نجد وطن .. كفى فقد أوغلوا عميقا في لحمنا الحي. لا مجال بعد اليوم للدفاع عن هذا النظام المجرم فقد سقطت دعاوي الكذب وأهازيج "فليعد للدين مجده" التي لم يصح منها سوى شطر "فلترق منهم دماء" فقد صدق وعده في هذا وأراق نظام "الإنقاذ" الكثير من دماء شعبه في دار فور وما زال يفعل في النيل الأزرق وجنوب كردفان. ومن لا يزال غير موقن من جرمه وفساده فما عليه إلا أن يمعن النظر في محصلة حكمه الذي ناهز الربع قرن وسيرى بأم عينه أن لا ايجابيات تذكر سوى بضع طرق وجسور شيدت مخالفة للمواصفات، لتنهض بفرق أسعار بنائها مخالفه للمعايير مجموعة أحياء فاخرة خص بها النظام شيوخه ومحاسيبه والمفارقة المحزنة والأكثر مأسوية أن تلك الأحياء المترفة محاطة بسوار من الأحياء البائسة والعشوائيات الأكثر بؤسا التي يعشش في أرجائها الفقر والمرض والجهل "ثالوث الهلاك" الذي اختفى من عواصم الدول الحضارية. وإذا ما غض المرء النظر عن فشل جميع مشاريع "الإنقاذ" التي لم تتعدى ما ذكرنا آنفا واعتبرها ناجحة فهل ترجح كفة ميزانه إذا ما وضعت في موازنة صادقه وأمينة مع جرمه واخفقاته التي أورد جزء يسيرا منها أحد رموز الحركة الإسلامية الدكتور الطيب زين العابدين في مقاله الأخير (انفصال الجنوب، استمرار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، الانفلات الأمني في دارفور، الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، انتشار الفساد بدرجة غير مسبوقة في تاريخ السودان، عجز الحكومة من التصدي للجيش الشعبي في هجليج وفي جنوب كردفان وعن حماية مصانعها العسكرية من العدوان الخارجي، انهيار مؤسسات الدولة مثل السكة حديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية، تردي الخدمات الصحية والتعليمية ).أذاً على صاحب العقل الحكم والتمييز ثم عليه من بعد أن يسأل المولى التخفيف. ** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون. تيسير حسن إدريس 15/11/2012م