في كل مرة أجد نفسي لا حول لي ولا قوة مغصوبة بكافة احتمالات الأمل أطرح قضايا التعليم وأتناول مسببات التردي الواضح في المستوي الأكاديمي للطلاب كأنني واحدة من العاملين في مجال التدريس ، وليت كنت كذلك ، علي الأقل كنت ناقشت القضايا التي بصدد طرحها بلهجة اقرب الي لغة العصيان منها ألي لهجة الرجاء التي يمارسها كافة المقومين عبر الصحف ، فالتعليم في السودان بحاجة ماسة ألي مراجعة تربوية شاملة وبحاجة أيضا ألي أعادة النظر في شكل المنهج والمقرر المفروض علي الطلاب في جميع المراحل الثلاثة ، الأساس والثانوي والجامعة ، فهذا المنهج والمقرر يفتقر ألي الموضوعية في جاذبية الوسائل التعليمية وهو بهذا الشكل كالمنهج القديم الذي وضع منذ الاحتلال ألانجليزي ، هو منهج يعبئ الطلاب بقيم عادية ولا يساعد علي تعلمهم أبجديات الفكرة في القصد من مرامي التعليم انه يعمل علي وئد العقول ويقتل بدواخل الطلاب الروح القلقة المتطلعة نحو الاكتشاف وادراك الجديد الذي لم تطأ عقول البشرية ادراكه ، فكل المراجع والاحصائيات التاريخية علي مدار عمر السودان تثبت بما لا يدع مجال للشك أن المناهج التعليمية المتعاقبة لوزارة التربية والتعليم ، أبدا ما ساعدت بصورة او اخري علي ( تفريخ ) علماء يشار عليهم بالبنان في مجال من مجالات العلوم الأنسانية بل دأبت علي تخريج أنصاف متعلمين يفكون الخط ويقطرون مهارة ممتازة في تكرار المعلومات التي ( شحنوا ) بها ، مما يعزز المرجعية القائلة بأن المنهج التعليمي السوداني اقل فاعلية من ان ينمي المهارات الوجدانية المطلوبة للطلاب ، هو بحاجة الي اعادة صياغة عميقة في الشكل والمضمون فتوفر المنهج مع غياب الوسيلة او توفر الوسيلة مع غياب التربية والمنهج يعني بالكمال أهدار الطاقات المادية والمعنوية في الفراغ العريض ؟ لهذا تضافر مجهود الثلاث اولا التربية وثانيا الوسيلة واخيرا المنهج من الأهمية بمكان فهذا الثالوث هو عماد التعليم وأساس التعلم فالطالب ينشئ علي تربية المدارس وليس علي توجيهات الأسرة فتأثير الأسرة عليه محدود ويكاد لا يتجاوز مسألة الغصب علي الدراسة والحث علي المذاكرة اما المدرسة هي التي تضع الملامح العامة لشكل الأخلاق في المستقبل ولكي تكون الأخلاق بالمستوي الأدبي المعقول هي تحتاج ألي الوسيلة التي بدورها تعني الكثير من المدلولات ويدخل في نطاق تعريفها المعلم نفسه زائد شكل وهيئة المدرسة والعبارات المكتوبة علي الجدران والرسومات علي الكتب والكراسات ، الخ .. فالوسائل ملح التربية والتعليم كما يقول المختصين ، وهي تجسد المطلوب من الطالب بصورة بسيطة ومحببة تجبره علي الوقوع في براثن جبروتها ، هي كالدعاية الأعلامية بالضبط ، تفعل بمخيلة المرء ما تفعله المعجزة في عقول الأغبياء ، لهذا تحتل درجة الأهمية الثانية بعد التربية وقبل التعليم الذي يحتل مؤخرة الترتيب في عملية تنوير العقول ، فهو ، أي ، التعليم ومع تصدره لنهاية العملية التربوية المتكاملة الا انه للحقيقة والتاريخ اذا وجد المنهج المواكب الذي يحترم عقلية الطالب ألمتقدة ، بالتأكيد سيفعل سحره علي المجتمع وسيلقي بظلاله الوارفة علي الكثير من مناحي الحياة سينتج عباقرة يماثلون في قامتهم البرت اينشتاين وعدد مقدر من العظماء الذين غيرت اكتشافاتهم مجري التاريخ ... ان التربية والتعليم هي اقرب للصناعة منها ألي التنشئة التقليدية التي تترك الأمر للظروف انها تحتج الي المال الذي يساعد علي توفر الوسائل التي بدورها تمثل ذروة سنام العملية التربوية والتعليمية برمتها ، بالمال تستطيع ان تؤهل كادر تعليمي مدرب يعمل مربي يرسخ بدواخل الطلاب جدوى الفكرة , وبالمال يمكنك ان تجهز بيئة مدرسية متكاملة تضج بالوسائل التي تنمي العقل ، ودون المال تستطيع ان تعلم الطلاب ولكن مستحيل ان تربي اجيال او ان تنشئ عباقرة يستفيد منهم العالم ...... .