اذا كانت الدولة العميقة فى مصر قد تداركت نفسها مبكرا وتبعت حيلا لتدارك مصيرها المتوقع فى حالة اذعانها لحكم الاخوان المسلمين ولو لاربع سنوات فقط, فان دولتنا السودانية لم تكن بذات البداهة , كما ان دولتنا لم تكن عميقة بشكل يمكن أن يفرض ثوابته ويذود عنها باستماتة , واقع الامر أن الدولة السودانية ظلت سطحية وهشة , وعندما أطبق عليها تنظيم الاخوان المسلمين تحت لافتة الانقاذ الوطنى , تم عجنها وخبزها وسط التهليل والتكبير لتقدم كوجبة جاهزة لافراد التنظيم الذين (ان مكناهم فى الارض اقاموا الصلاة ) وبالفعل وبعد مضى ربع القرن من الزمان صارت اشواق التمكين أشواكا بطول البلاد وعرضها , وصار التمكينيون اطيافا متنازعة فوق جثة وطن هامدة , وطن اوسعوه تخريبا , تسلموه كاملا وهاهو يفقد ثلثه رسميا , ويتفلت ثلثه عمليا , ويترقب ثلثه الاخير لينزع له شلوا . وتعقم الدولة السودانية تماما , وتلحظ فى بعض ممارساتها السذاجة والطيش فى معظم الاحوال , طيش الدولة السودانية الانقاذية لم يوفر أحدا , فرئيسها كلما حزب عليه أمر المحكمة الجنائية استعاض عن مواجهة الحقائق بمواجهة دولة الجنوب وكلما ورد ذكر أوكامبو واعوانه , توقع الناس قرارات على شاكلة اقفل يا عوض والدولة السطحية الهشة كدمية , تردد نقابات العاملين فيها اوراد التأييد للحاكم عوضا عن اوراق المطالب والمظالم , هذه لمحة عابرة من حال الدولة فى ظل حكم (الاخوان) ( ذلك الامر الذى انتبه له المصريون مبكرين فحالوا بين دولتهم والانحلال كمصير السودان. .............. الدولة السودانية التى عقمت بعد أن تعرضت للاغتصاب المدجج بالفتاوى والشروح, لدرجة يخيل لك معها أن الاسلام قد هبط للتو وأن الدعوة والنبوة قد انبثقتا الآن , الدولة السودانية الفاشلة والفاسدة والمنهارة كما وصفها ذات يوم الوزير الاول بمجلس الوزراء باقان أموم عندما كان السودان يتظاهر بالوحدة الزائفة, بينما حقيقة الامر أن الدولة كانت تتفسخ وتتحلل الى عواملها الاولية , وكانت الدولة يومذاك ترائي بحرصها على السلام وهى التى ما عرفت دربا للسلام الداخلى مع الذات , فترى العصبة التى جاءت لتنقذ البلد تحتاج هى الى من ينقذها من نفسها . الدولة السودانية التى تحولت بعد 25سنة الى حاكورة أو هكر بالاحرى أو عصابة هكرز , جرب فيها الاخوان المسلمون كل الاساليب الفاشية والوحشية , مات فى سجونها المئات واعدم بمشانقها من اعدم , وعذب فى بيوت اشباحها من عذب , ومن فرط هشاشة الدولة وعقمها أن من اشتهر عهده بابتداع اكثر الاساليب وحشية فى التعامل مع المعارضين جاء ليعتذر يرجو الغفران من اصحاب المظالم , وقبلها قال الرئيس (هل كذبنا عليكم فى يوم؟ ... وكل هؤلاء الجماعة هم قادة الدولة السودانية فى طبعتها الراهنة والتى تعكس مدى عقمها وفشلها فى ميلاد أى افكار جديدة بل تكرار عقيم للمجرب , فترى الاعتقالات كمفرج وحيد لشدة الاحتقانات, وترى العنف كوسيلة معتادة لتسيير دولاب الدولة, ثم على مستوى السياسات والخطط والبرامج , تجد الدولة السودانية قد عقمت على يد الاخوان المسلمين طبعة التمكين , فانهارت مشاريع الرى الانسيابى فى الجزيزة , وتم تشليع البنية التحتية له, ليعود القوم بعد خراب مالطا , وكأنهم قد وعوا لتوهم من سكرة زغللت عقولهم فيوجه الرئيس مؤخرا بوقف عمليات البيع للمنشآت . خصموا عاما دراسيا من التعليم العام واقاموا سلما ثمانيا (8) سنوات ليعودوا بعد ربع قرن من التجربة ليعيدوا ما خصموا وعلى استحياء كأنهم ما صنعوا فى التعليم ما صنعوا , والدولة السودانية تدخل فى سن اليأس ويتكشف كل صباح جديد فشلها وفسادها وانهيارها , فما الفشل اذا لم يكن ما يكتنف حياة غالبية الشعب من مشاق العيش ومكابدة ادنى متطلباتها, ما الفساد اذا لم يكن ما صار احتمال روائحه فى عداد المستحيل , فيتم تقديم بعض كباش الفداء كتمويه مثل ما ينشر الان عن محاكمات لوزير الشؤون الدينية الاسلامى ازهرى التجانى وبعض معاونيه, ثم ما الانهيار اذا لم يكن ما يجرى فى دارفور هو الانهيار , بنوك تنهب منتصف النهار وسط اكبر مدينة, جنجويد يطلقون سراح مشتبه به من امام منصة القاضى داخل المحكمة, بل جنجويد يقصفون مقر جهاز الامن بالكاتيوشا وسط المواطنين ورابعة النهار وفى اضخم المدن نيالا, قل لى هل ترى اى نجاح او صلاح لحكم الاخوان فى السودان؟ ان كنت ترى , فهذا دليل اضافى على حالة عقم الدولة السودانية لدرجة ان من شعبها من لم يزل يكابر وينكر ضوء الشمس من رمد.