هكذا عندما يصبح تهديد حياة عدد من الناس مصدراً للتسلية واثارة الضحك والسخرية ، وكأنما الموت بكامل الاصرار والترصد شئ عادي وغير مؤذي بالمرة كما العقاب بالضرب ايام المدارس. فكنا ننتقم من احساس الذل والمهانة التي يسببها لنا المعلمون بمقولة دكة وراحت تلجة وساحت ، ولكنا كنا نعلم بان هناك كدمات تظل باقية في النفس الى آخر عمرنا . بعد مقتل الزميل ازيا ابراهام غير الالم والقلق والخوف الذي سببته لنا حادثة الغدر به فقد عرفنا تماما ووعينا بانه يمكن لاي كاتب او ناشط ان يموت بطريقة درامية ويمكن ان لا يعرف من قاتله ، خاصة في دولة لا يلتف فيها الناس حول الاحداث بطريقة جماعية ضاغطة حتى تمنع تكرار الاحداث المؤلمة ، بل يتحول فيها كل حدث الى لمة قبلية وتكتل جهوي مما يدفع الاخرين ان يتخندقوا بعيدا وينتظروا الاحداث التي تمسهم ليكون لديهم رد فعل ، اثناء كل هذا قد يصيب الكاتب الاحباط والاكتئاب والخوف مما يجعله في حالة نفسية سيئة لا يستطيع حتى ان يفكر ليكون رأياً او يكتب كلمة وانه فقط يرجو ان يترك في حاله . ثم فجأة في عز مأساتك الخاصة يقابلك احد القراء ويهاظرك بخشونة : شنو وقفتو من الكتابة وللا خايفين من الطلقة في الراس ؟! او.. وللا مما كتلوا ازيا لبدتوا لبدة (ها ها ها ها ) ، زمان في الخرطوم لسانكم كان طويل ثم (هاهاها ) اخرى مكملة لهاهاها الاولى ! لا ادري ما الذي يثير الضحك اثناء مرور الجنائز او ذكرها ، ثم ماذا ما هو الجرم الذي يرتكبه الكتاب والصحفيون ليتعرضوا لهذا الكم من العنف والرقابة والتهديد المعلن ماهو والخطورة التي نسببها لمن يفترضون فينا العداء ليحددوا لنا خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها في حين نيتنا صافية في اسداء النصح المجاني وربما نجبر الاخرين على تبني وجهات نظر اخرى كانت بعيدة عنهم . وبعد ان يسقطك ذاك القارئ القاسي تماما في هوة الكآبة السحيقة يحاول اخراجك بمدح طريقة كتابتك واعجابه بافكارك ولكن يكون قد فات الاوان لان ساعتها يكون قد هيج في داخلك الاحزان بفقدان زميل من حاملي الاقلام ويكون قد غذى روحك بالانهزام ويضعك امام حقيقة بانك لا تحس بالامان في بلدك ووسط اهلك ثم تحس بالحرج بعد ان يضعك في مقارنة بين السودان القديم وما ندعي انه السودان الجديد ، الاول كان كابوساً والثاني مازال حلماً يراود الكثيرين ، ولكن الواقع يفرض علينا ان نستيقظ من الكابوس ونحمل احلامنا في كتف واكفاننا في الكتف الاخر ونستمر واذا سقط احدنا برصاصة يجب ان يستمر الاخرون شاهرين اقلامهم وآلاف الكلمات التي لم يقولوها بعد ، لان من صميم مسؤوليتنا هو مقاومة ان تتحول الثورة التحررية الكبرى المنادية بالعدالة والمساواة وحرية الاخرين الى مجرد قنبلة موقوتة من حكم الاستبداد او قد تتوه في دروب تكوين الدولة بسبب شياطين التفاصيل . وهناك اخرون يكونون دائما الاصدقاء والاحباء والاقارب والذين يطلبون منا صراحة الا نكتب لان هذا درب خطر وربما لا يقرأون حتى ما نكتب فقط مجرد ان يروا صورنا في الصحيفة حتى ولو كان اعلاناً باننا (رحنا) تتحرك دوافع الحماية لديهم ويسدون النصح بالابتعاد عن هذا الدرب حتى ولو كتبنا عن قصة حب فاشلة . هكذا يرون موتنا في موت ازايا ونحن نرى في موت ازايا دافعاً للاستمرار في المشوار الذي بدأناه سوياً ، وكيف نوازن بين خيانة زميل بالابتعاد لانه قتل من اجل الحقيقة ومن اجل هذا البلد وبين رؤية الخوف في عيون من يحبوننا من الاقارب والقراء وبين الدرب الذي اخترناه ولا يمكن التراجع عنه ، وانه لشرف ان نصبغ ايدينا بحبر الكلمات وقد يرتاح البعض لحين عندما تنصبغ اياديهم بدمائنا . واذا كنا لا نعرف كيف نواسي او تأتي مواساتنا في طعم التشفي والانتقام وكأن هناك ثأراً خفياً بين الميت واخوته الاحياء من الكتاب فالصمت ابلغ من الكلام احيانا. مبروك لكل الكتاب والصحفيين اجازة قانون الصحافة والاعلام والحصول على المعلومة وهو عهد قطعناه على انفسنا أن نتناول مشاكل هذه البلاد بالموضوعية والمهنية المطلوبة ونرجو ان يركز القانون على حماية الصحفيين والاعلاميين ونهدي العهد الجديد من العمل الصحفي تحت مظلة القانون الى روح الزميل ازايا ابراهام شهيد الحقيقة والكلمة.