(أ) غير عادي أن يكون إدراكنا لأهمية المتاحف منخفضا لهذه الدرجة من اللامبالاة..بل والاستخفاف..بعد مرور 130 عاما شمسيا..زرت متحف شيكان بالأبيض..اثنان من "البواليص" يحرسان المتحف..ترجلت وسلمت عليهما "بالإيد" ودخلت "بلاش" عبر البوابة الحجرية..أنا أزور هذا المتحف لأبحث بصورة دائمة عن "شعر" أو حتى شعرة واحدة لتلك الفتاة الأوربية الشقراء الجميلة كالفرس..والتي قتلها عشيقها اليائس في لب معركة شيكان..بأن أطلق عليها النار وهي تحاول إنقاذه..فعندما أحس ذلك القائد "الهكسي" بغور جرحه الذي كاله أجدادي رمادا وبارودا..أطلق عياران من مسدسه في قلبها مباشرة مكمن الحب والعشق..ثم ألحق عدة عيارات بفرسه خوفا من أن "يقع" "الفرسان!!" في الأسر ذلك الضحى من يوم السبت بالشهر الحادي عشر من عام 1883م..وسقطت مسبقا في ذلك الضحى أيضا الخرطوم..وسقطت المجادلات في صحف لندن تبكي وأوربا تولول وتكيل لنا الشتائم..وبعض ساستها سكنوا في الحمامات إسهالا وطراش..أليس شرفا مجنحا استشهاد القائد عامر ود الياس ام برير..من قبائل الجعليين..أليس شرفا مجنحا استشهاد القائد عبد الله الضو من قبائل الشويحات شرفا..أليس جرح القائد مساعد شرفا أخدر..أليس استشهاد الشايب وأبنه من أهلي البقارة شرفا غائرا في التاريخ..وكذا شرف كل الشهداء الذين عرجوا إلى السماء ضحى ذلك السبت وهم يضحكون.. (ب) العادي أن ننصر متحف شيكان..كما نصر أجدادنا وطنهم..شعرت بالمغص وأنا أتجول في صالاته..وعندما شاهدت المدافع القليلة التي قابلها أجدادي بصدور مدرّعة ومترعة إيمانا وصبرا.."بكيت" لذلك الشرف العالي والجسارة..هذا التاريخ "حقنا" كلنا كما هذا الوطن..ومن يركل تاريخه لا مستقبل له ولا وطن..المتحف ليس "ترفا" بل أحدى أسس "التربية الوطنية".. ويحتاج للمجتمع وذلك بأن نتبرع له كرما وسماحة.."أجدادنا تبرعت بأرواحها" فلم نبخل!!..ونحرص بأمل أن تكون هناك جمعية أصدقاء متحف شيكان..تمده بما تجد من آثار وصور ووثائق..ومن أموال..وتعرف الناس به في الإعلام..وأن يتآخى مع متاحف أكثر خبرة وثراء..إن الغريب من الدول الكبيرة إذا حلّ في الأبيض لابد أن يحج لكعبة المتحف..ليس المهم أن يكون المتحف كبيرا واسعا..بل أن يكون جميلا وفارعا وحاسما كما هي المعركة التي انقضت في ساعتين فقط..الحكومة انصري المتحف..بسببه انتم تحكمون..المجتمع أنصر المتحف بسببه انتم تفاخرون..وأنتم يا حاملين أقلامكم سيوفا كسيوف شيكان..ارفعوا بها الظلم والإهمال والغبار عن متحفنا وتاريخنا وعزنا والشرف.. ديباجة الحديس: يكفي أنك فلان فولاني الفولان..وتسكن في الضلع السابع جوار "المتخة"...!!..