خرج الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر من آخر لقاء له مع البشير في ختام زيارته للسودان التي استغرقت ثلاثة أيام ليقول للإعلاميين إن البشير قد أخبره أنه سيعلن قريباً عن «خطوات كبيرة» في مسار السياسة السودانية، وأن البشير سيحدثهم بنفسه .. وفي إجابة على سؤال وجه إليه بصورة متكررة قال كارتر إنه لا يمكن أن يطلب من الإدارة الأميركية رفع أو تخفيف «العقوبات» عن السودان. لكنه سيحاول ذلك مع أعضاء الكونجرس! وبعد ساعات قليلة مرّت على هذا «الحدث - المفاجأة الكبيرة - تسابقت الصحف السودانية المطبوعة والإلكترونية «وأساطين» المحللين السياسيين في فك طلاسم هذه المفاجأة الكبيرة .. فمن قائل إن الرئيس سيُعلن تنحيه عن الرئاسة وتولي نائبه الفريق بكري حسن صالح الرئاسة .. وحل البرلمان وتكليف حكومة قومية برئاسة الإمام الصادق المهدي .. وتشكيل لجنة قومية أيضاً برئاسة حسن الترابي لكتابة دستور وقانون للانتخابات المقبلة (التي اقترح الترابي أن تؤجل حتى عام 2017)! ومن قائل إن الرئيس سيذهب لأبعد من ذلك فيعلن عن إلغاء القوانين المقيدة للحريّات والعفو عن السجناء والمعتقلين السياسيين .. وسيساوي بين الأحزاب المعارضة وحزبه (حزب المؤتمر الوطني) وطفحت صفحات الجرائد ومجالس الخرطوم وجلسات وسودانيو الخارج بكثير من مثل هذا الهراء... والحقيقة أن هذا «الهراء» كان تعبيراً عن حالة العقل الجمعي للسودانيين وأمنياته في مواجهة الاحتقان والخوف من مستقبل مظلم يخشى السودانيون (وهم محقون في ذلك) أن ينحدر إليه وطنهم المنكوب ... وعاش السودان أياماً في الترقب وبعض الأمل الكاذب منتظرين أن تكون مفاجأة الرئيس محققة لبعض آمالهم وأحلامهم... وجاء يوم الاثنين الماضي واحتشد في قاعة الصداقة جمع من رموز وقادة المجتمع السياسي السوداني. جاء كثيرون منهم يحدوهم الأمل أن تكون المفاجأة على قدر آمالهم وأحلامهم. واعتلى المنصة الدكتور غندور نائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني» ومساعد رئيس الجمهورية ليقدم الرئيس وليفاجأ الحاضرين بأن ما سيعرضه عليهم السيد الرئيس هو عمل اجتمعت له عدة لجان وبحثت فيه على مدى الفترة الزمنية ما بين يوليو الماضي ويومهم هذا حتى خرج بصورته هذه! وتحدث الرئيس السوداني حديثاً مطولاً لمدة خمس وأربعين دقيقة احتشد بعبارات إنشائية فخمة ورنانة وتكررت فيها كلمة السلام عشرات المرّات وتغنى فيها بالمعزوفة الدائمة عن أخلاقنا ومثلنا السودانية وحبنا «للوطن الذي إذا دعا الداعي حملنا من أجله السلاح» ولم ينس أن يفاخر بتواضع جم بالإنجازات العظيمة التي تحققت في السودان بقيادة المؤتمر الوطني ... ومن بين ما تفضل به فخامة الرئيس من القول إن هذا الذي يعرضه على الجمع الكريم من قادة العمل الوطني وقيادات الأحزاب والجماعات كان موعده قبل ست سنوات .. فثلاث منها كان ينتظر أن يقرر قرار الأشقاء الجنوبيين في الاستفتاء وثلاث أخرى كان يعمل على بناء العلاقة الجديدة بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان .. وقد آن الأوان أن يجتمع السودانيون على صعيد واحد ويشرعوا في «مناظرة» قومية للنظر في الوثبة المتطلعة (هكذا وصف الرئيس مشروع حزب المؤتمر الوطني الذي يدعو له السودانيين) التي ستحقق الهدف الذي يسعى له الجميع ... جميع السودانيين بلا فرز حتى الحركات المسلحة التي ترضى بنبذ العنف والاقتتال.. فما هو المطلوب من هذه المناظرة القومية في إطار الوثبة المتطلعة التي يدعو له حزب الرئيس؟ باختصار غير مخل حدد سيادته ثلاثة محاور للتناصر حولها أولاً المحور الاقتصادي وثانياً المحور السياسي ويشمل علاقات السودان الخارجية والأوضاع السياسية الداخلية وثالثاً محور الهوية السودانية، وقد جاء حديث الرئيس عن كل هذه المحاور عاماً يصعب على المواطن العادي أن يدرك معانيه وأهدافه، ولم يوضح الرئيس للشعب السوداني المدعو للمشاركة في هذه (المناظرة) ما هي الآليات والطرق التي يتوصل بها الناس لهذه المشاركة؟ ... وما هي وجهة نظر حزبه وتوصيفه لحالة السودان السياسية والاقتصادية وعلاقاته الخارجية الآن، وهي تلك الحالة التي بدون توصيفها لا يمكن القفز إلى الهدف - المستقبل؟ عبدالله عبيد حسن الاتحاد