نجاة بلقاسم تُريد إسقاط الدّعارة! باريس - من حبيب طرابلسي تُثير قضية الدّعارة هذه الأيام جدلا واسعا داخل الرأي العام الفرنسي وفي الأوساط السياسية رغم أن الحكومات اليمينية واليسارية التي حكمت البلاد منذ أكثر من نصف قرن تبنّت موقفا موحّدا يُؤيّد إلغاء البغاء بشكل رسمي. جاءت المطالبة بالقضاء على الدّعارة في البلاد هذه المرّة من نجاة فالو بلقاسم، الفرنسية الجنسية المغربية الأصل، والتي تسلّمت وزارة حقوق المرأة في حكومة جان مارك أيرولت الاشتراكية، وهي بعد في الرابعة والثلاثين من عمرها. معركة طويلة النّفس فقد أعربت نجاة بلقاسم، المتحدّثة باسم الحكومة أواخر يونيو رغبتها في القضاء على الدّعارة، مُعربة عن أملها بعقد "مؤتمر يُحقق إجماعا في الآراء حول هذه المشكلة" وقالت "أتمنّى لو امتلكت فرنسا الإمكانيات التي تسمح بالقضاء على الدّعارة في البلاد". وأضافت الوزيرة الشّابة أن "القضية ليست في معرفة ما إذا كنّا نرغب في إلغاء الدّعارة أو الإبقاء عليها، لأن الجواب هو إلغاؤها، لكنها تكمن في الحصول على الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف"، مُضيفة أنها ليست ساذجة، وهي تدرك أنها "معركة تتطلّب نفسا طويلا، وأن الموقف الواضح للحزب الاشتراكي المُؤيد للإلغاء يأخذ في الاعتبار النّقص الحالي في وسائل تحقيق الهدف". وشدّت نجاة بلقاسم على أنّها وزميلها وزير الداخلية، مانويل فالس، "لن يقفا مكتوفي الأيدي أمام هذه القضية"، مشيرة إلى أنه من الضروري تفعيل قرار البرلمان الذي صوّت العام الماضي على مشروع قرار لا يمنع الدّعارة فقط بل يُعاقب زبائنها. المُكرهة والعاهرة وخصّصت صحيفة "ليبراسيون" الجمعة افتتاحيتها للتّعليق على قضية الدّعارة فأوضحت أن من يُعارض فكرة إلغاءها يتذرّع بسببين أساسيين: أولا، أن قرار من هذا القبيل يتعارض مع حرّية من تمارسن هذه المهنة وزبائنهنّ، وهي الحرّية التي يتشبّث بها جزء كبير من بائعات الهوى. يُذكر أن هناك نوعيين ممّن يمارسن مهنة الدّعارة: المُكرهات على ذلك من قبل شبكات مُختصّة، والعاهرات اللّائي اخترن المُتاجرة بأجسادهنّ بمحض إرادتهنّ. الذّريعة الثانية تكمن في أن منع ممارسة الدّعارة سوف لن يقضي عليها نهائيا، بل سيدفع فقط بالعاهرات إلى مزاولة نشاطهنّ بعيدا عن الأنظار، ما قد يزيد من تعقيد الوضع، بحسب الصّحيفة. وهناك في فرنسا من يُطالب بإعادة نظام "البيوت المُغلقة" للبغاء التي كانت منتشرة في البلاد قبل عدّة عقود. ويأتي هذا كنوع من الحلّ البديل لاجتياح بائعات الهوى الشوارع والغابات والطرقات الخارجية. وأظهر تقرير لسنة 2012 أن عدد العاهرات في فرنسا يقدّر ما بين 18 ألف و20 ألف عاهرة. وفي تقرير لها من باريس، تقول وكالة "رويترز" أن "التّسامح مع البغاء في فرنسا يقع في منطقة وسط بين الموقفين في هولندا وألمانيا، حيث يدفع العاملون في مجال الجنس المسجلون ضرائب ويحصلون على مزايا صحية، وبين السّويد حيث يخضع زبائن البغاء لقوانين صارمة". “جسدي هو تجارتي" وكردّ فعل على مطالبة نجاة بلقاسم بإلغاء الدّعارة، تظاهرت مئات من بائعات الهوى الباريسيات يوم 7 يوليو السبت على مقرُبة من "المولان روج"، في شارع "بيغال" الذي يُعدُّ رمز تجارة الجنس في العاصمة الفرنسية. ورفعت المحتجّات لافتات تطالب ب"حقهنّ" في مُمارسة ما يعتبرنه "مهنة يرتزّقن منها"، تحت شعار “جسدي هو تجارتي". وأيّد مُناصرون بارزون لحقوق المرأة وحُلفاء في الحكومة الوزيرة الاشتراكية. لكن تصريحاتها قُوبلت بسيل من الانتقادات من نقابات العاملين في مجال الجنس، والتي قالت إن مُعاقبة العملاء سيُؤدي إلى ممارسة هذا العمل سرّا، ممّا يُعرض المُومسات للخطر. والتقت نجاة بلقاسم الأربعاء الماضي في مكتبها بثلاث مُمثّلات عن "اتحاد عمال الجنس" (ستراس). لكن المقابلة كانت عبارة عن حوار الطّرشان، بحسب ما جاء في موقع النّقابة التي تخلّت عن الحوار وتُطالب الآن ب"الوقف الفوري للقمع الذي يُمارس على مُمتهني الدّعارة" وكذلك ب"استقالة الوزيرة". نقاش عقيم تحدّثت الكاتبة آليس غارود الجمعة في صحيفة "ليبراسيون" عن مأزق الحكومة الاشتراكية بسبب قضيّة الدّعارة المُزمنة فقالت "صبّت نجاة بالقاسم الزّيت على النار وارتأت الحكومة التلكؤ والقضية قابلة للاشتعال بسبب أو بغير سبب". وأضافت الكاتبة "في واقع الأمر، نجاة بالقاسم لم تفعل شيئا آخر سوى تأكيد موقف ثابت لدى الاشتراكيين، الذين يؤيدون وبشكل رسمي إلغاء الدّعارة، وهو الموقف الذي تبنّته فرنسا منذ العام 1960 ويبدو أن هناك إجماعا حول هذه المسألة". واختتمت بالقول "لكن المشكل يكمن في كيفية تطبيق القانون الذي يُجرّم الدّعارة، لأن هناك أصوات ترتفع كل مرة في فرنسا ضد دعوات التّحريم والقوانين العقابية، باعتبارها تمسّ الحرية الفرديّة".