البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    خيبة حمدوك في باريس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    ماذا جرى في مؤتمر باريس بشأن السودان؟    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    ياسر العطا: أمن و استقرار انسان الجزيرة خط احمر    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    خبراء: الهجوم الإيراني نتاج ل«تفاهمات أمريكية».. وجاء مغايرًا لاستراتيجية «طهران»    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    محمد وداعة يكتب: الاخ حسبو ..!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    تجاوز مع أحد السياح.. إنهاء خدمة أمين شرطة لارتكابه تجاوزات في عمله    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    «العازفون الأربعة» في «سيمفونية ليفركوزن»    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    "طفرة مواليد".. نساء يبلغن عن "حمل غير متوقع" بعد تناول دواء شهير لإنقاص الوزن    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزوة بدر الكبرى: دروس وعبر
نشر في سودانيات يوم 05 - 08 - 2012

ليست السيرة النبوية مجرد وقائع تاريخية ولى زمانها، أو مجموعة من القصص المثيرة تشد الأسماع، بل هي معين تستمد منه الأجيال المسلمة زاد مسيرها وأصول بقائها، وما به تقارن من أجل أن تؤدي وظيفتها التاريخية "الشهادة على الناس"، يقول جل وعلا: وكذلكم جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ؛ إذ بالسيرة يقف المسلم على حقيقة الإسلام مجسدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل مؤمن راغب في لقاء ربه تعالى، يقول عز سلطانه مقررا هذه الحقيقة: لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا .
ثم إن السيرة النبوية بأحداثها ووقائعها تمكن المسلم فردا والمسلمين جماعة من التطبيق العملي الميداني للإسلام بمبادئه وأسسه في شتى مناحي الحياة سلما وحربا اقتصادا واجتماعا سياسة وفكرا.
إن دراسة السيرة النبوية وسيلة مثلى لتنشئة الأجيال المسلمة وتربيتهم تربية إيمانية تغرس في القلوب الولاء الصحيح لله تعالى ورسوله، وتنمي فيهم الوازع الإيماني فيعتزون بانتمائهم العقدي ويسارعون لخدمة أهدافه وتحقيق غاياته السامية.
ووعيا بما يمكن أن تضطلع به دراسة السيرة النبوية من دور لانبعاث المسلمين فقد حرص - بل نجح - أعداء الإسلام بواسطة عملائهم من المغربين لإقصاء التاريخ الإسلامي لاسيما العهدين النبوي والراشدي من البرامج التعليمية، ويكتفى بإشارات توظف توظيفا لتبرير واقع المسلمين أو تغليطا للأجيال وإكراهها في دينها وقيمها.
فسدا للفراغ الكبير في تكويننا، وبعثا للأمل في غد إسلامي نحسب صبحه قريبا إن شاء الله تعالى يأتي إحياؤنا لذكرى غزوة بدر الكبرى التي ينبغي أن يعود إليها المسلمون اليوم لاستلهام الدروس والعبر رفعا للهمم وتسابقا لنصرة دين الله تعالى ومعانقة لقدره سبحانه وبشارة نبيه صلى الله عليه وسلم: " تكون نبوة ما شاء الله أن تكون ثم تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم تنقضي، ثم يكون ملكا عضوضا ما شاء الله له أن يكون ثم ينقضي، ثم تكون جبرية ما شاء الله لها أن تكون ثم تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة تعم الأرض" وللحديث رواية أطول للإمام أحمد عن النعمان بن بشير بسند صحيح.
بشارة نبوية عظيمة لأجيالنا - إخوان رسول الله - تفتح لنا الآفاق وتحررنا من ضحالتنا في الواقع... آفاق واسعة ومستقبل مشرق نتهيأ له بحول من المولى الكريم، ومما به نتهيأ إحياء معاني السيرة النبوية في القلوب المتعطشة لرواء الإيمان عسى أن تحيى بعد موات، وتفيق بعد قرون رقاد، والله غالب على أمره، ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله
غزوة بدر: المؤشرات
يجمع العلماء وأهل التفسير أن غزوة بدر الكبرى دبرت العناية الإلهية أسبابها ورتبت نتائجها، وسيق المسلمون لها سوقا؛ ولأن الله تعالى أقام الكون على سنن وأسباب بدت وكأنها نتيجة طبيعية لمجموعة من الأحداث سبقتها وأنبأت بها، تدل على حتمية المواجهة بين الحق والباطل، بين الإيمان بالله تعالى والشرك، ومن هذه المؤشرات:
1. تهديد قريش المسلمين باستئصالهم في المدينة، لتنامي قوة الكيان الإسلامي الذي غدا يشكل خطرا استراتيجيا على قريش ويضعف هيبتها في شبه الجزيرة العربية، لذا أرسلت إلى المسلمين تقول لهم: "لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم".
وقد أخذ المسلمون الوعيد مأخذ الجد، و شددوا الحراسة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نزل قول الله تعالى: والله يعصمك من الناس 2. تهديد سعد بن معاذ أبا جهل بمنع قوافل قريش التجارية من عبور مجال المدينة المنورة في اتجاه الشام، ذلك أن سعدا بن معاذ انطلق إلى مكة معتمرا فنزل على أمية بن خلف فقال لأمية: "انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت". فخرج به في الظهيرة، فلقيهما أبو جهل فقال: "يا أبا صفوان، من معك؟" فقال: "هذا سعد". فقال أبو جهل: " ألا أراك تطوف آمنا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما." فقال له سعد ورفع عليه صوته: "أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما أشد عليك منه: طريقك على أهل المدينة".
3. الإذن بالقتال: بعد سنوات كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة تربية للنفوس واستكمالا للبناء الداخلي جاء الإذن بالقتال، ونزل قول الله تعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله .
وتوالى القرآن في موضوع القتال تعليما لكيفيته: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها وموضحا لغايته: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
4. تقليص دائرة نفوذ قريش بين القبائل بعقد أحلاف ومعاهدات عدم الاعتداء مع القبائل المجاورة للمدينة أو مجاورة لطريق القوافل التجارية من مكة إلى الشام.
5. تنظيم مجموعة من السرايا أشبه ما تكون بالمناورات العسكرية كما تسمى بلغة العصر ليكتسب المسلمون خبرة ميدانية ويتعرفوا على طبيعة المجال المحيط بالمدينة ويشعروا القبائل عموما وقريش خاصة أن المسلمين غدوا قوة جديدة في المنطقة يجب الاحتراس منها. و قد نفذ المسلمون مجموعة من السرايا خلال سنة كاملة بمعدل سرية في كل شهر ونصف، أربكت قريشا وأزعجتهم وازدادت مخاوفهم على مصالحهم الاقتصادية، كيف لا والمسلمون يستطيعون الزحف إلى ثلاثمائة ميل.
6. تحويل القبلة: في هذه الظروف المتسارعة أحداثها نزل الأمر القرآني بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام في شعبان 2ه / فبراير634م. وقد يتساءل متسائل: ما علاقة هذا الأمر بالتصعيد العسكري في المنطقة؟
والجواب هو أن تحويل القبلة له علاقة كبيرة بالمواجهة المرتقبة من جهتين:
أولاهما أن في تحويل القبلة تمحيص لصف المسلمين اختبارا لصدق الإيمان، ولا عجب فقد تساقط المنافقون وضعاف الإيمان من اليهود، وبقاؤهم في الصف كان سيثير البلبلة أو يكون مصدر خيانة، وقد أبان القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله
ثانيهما أن في تحويل القبلة إشارة إلى عهد جديد يقتضي تحرير قبلة المسلمين وتطهيرها من الأوثان، وفي هذا رسالة واضحة لقريش عن نوايا المسلمين كما يصطلح عليه بلسان العصر.
هذه مجموعة أحداث تسارعت فيما لا يتجاوز السنة ونصف تؤكد أن مواجهة عسكرية بين الطرفين باتت وشيكة.
7. رؤيا عاتكة: روى الواقدي في المغازي: "ولقد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت رؤيا أفزعتها، وعظمت في صدرها، فأرسلت إلى أخيها العباس فقالت: يا أخي والله لقد رأيت رؤيا أفزعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عليَّ ما أحدثك منها. رأيت راكباً أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم في ثلاث، فصرخ بها ثلاث مرات، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة، فصرخ مثلها ثلاثاً، ثم مثل به بعيره على ظهر أبي قبيس فصرخ بمثلها ثلاثاً، ثم أخذ صخرة من أبي قبيس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارفضَّت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار من دورها إلا دخلته فِلِزَّة منها، فقال العباس: إنها لرؤيا. ثم خرج مغتماً، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة - وكان له صديقاً - فذكرها له واستكتمه، ففشا الحديث في الناس، فقال أبو جهل: يا بني عبد المطلب أما رضيتم بأن تنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟! زعمت عاتكة أنها رأت في المنام كذا وكذا؟ فسنتربص بكم ثلاثاً فإن يكن ما قالت حقاً فسيكون، وإن مضت الثلاث ولم يكن، نكتب عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب. فما مضت الثلاث حتى سمع صوت ضمضم بن عمرو - مبعوث أبي سفيان إلى قريش، وهو في بطن الوادي وقد جدع أذني بعيره، وشق قميصه قبلاً ودبراً، وحوّل رحله - يصرخ وينادي: يا معشر قريش، يا آل لؤي بن غالب، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه... الغوث الغوث، والله ما أرى أن تدركوها... وأشفقت قريش لرؤيا عاتكة، وسرّ بنو هاشم وقال قائلهم: زعمتم أنا كذبنا وكذبت عاتكة؟" .
خروج المسلمين لاعتراض قافلة أبي سفيان
نستمع إلى رواية ابن إسحاق موجزة وجامعة، يقول رحمه الله تعالى: "لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال: " هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها". فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، وكان أبو سفيان قد قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمرالناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا (نقول صلى الله عليه وسلم) قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا (نقول صلى الله عليه وسلم) قد عرض لها في أصحابه..." .
وبفطنته عرف أبو سفيان مكان عسكرة المسلمين فغير اتجاه القافلة بعيدا عن بدر حيث كمن المسلمون لعير قريش. وفي الحدثين - خروج المسلمين لاعتراض القافلة وانفلات هذه الأخيرة - عبر منها:
1- الخروج بنية اعتراض القافلة أمر سهل تحبه النفوس، بل لم يتردد في الاستجابة ما دام الهدف غنيمة ميسرة ودون مشقة إلا من يطاوعه ظرف الإعلان عن ذلك.
2- سهولة الهدف والمهمة كانت وراء قلة العدد والعدة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمهل ساكني ضواحي المدينة. ليشاركوا في العملية.
3- انفلات العير هيأ به الله تعالى أمرا أعظم من أموال القافلة، وأهل المسلمين لأمر جلل، يقول الحق سبحانه: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين .
4- انفلات العير أربك صف قريش التي توزع رأيها بين مصر على المواجهة لاستئصال الدعوة وبين من لا يرى سببا للمواجهة ما دامت القافلة قد نجت، وقد سجلت انسحابات في صفوف حلفاء قريش.
5- انفلات العير رفع معنوية المسلمين الذين أجمعوا على مواجهة قريش في مشهد تعبوي شوري رائع أبان عن حكمة القيادة الربانية المؤيدة بالوحي وعن صدق المهاجرين والأنصار لنصرة دين الله، ختمه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: "سيروا على بركة الله، وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله كأني الآن أنظر إلى مصارع القوم" .
إنها إرادة الله تعالى ولطفه بعباده انتدبوا لاعتراض القافلة وخرجوا في حوالي ثلاثمائة وأربعة عشر(314) رجلا عدتهم فرسان وسبعون بعيرا يتعقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، ولم يخرج صلى الله عليه وسلم عن هذه القاعدة، ولنا فيها عبرة بليغة وإشارة لطيفة تلمح لمعنى أولي الأمر منكم .
فئة مؤمنة قليلة عدة وعددا يهيئها الله تعالى لتواجه جيشا يضاعفها ثلاث مرات(حوالي 1000رجل) ومعه العدة الحربية الكافية لسحق هذه الزمرة واستئصالها ؛لكن العناية الإلهية تسوق المؤمنين للظهور والتمكين وكسر شوكة الباطل فتحا لآفاق واسعة أمام دعوة الإسلام.
ترتيبات المواجهة واقتراب ساعة الصفر
لم تخل هذه المرحلة من مظاهر التأييد الالهي للمسلمين الذين انبنى أمرهم على الشورى بدء من قرار المواجهة ومرورا بمكان عسكرة المسلمين، فقد أشار الحباب بن المنذر بحكم خبرته العسكرية على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعسكر المسلمون قريبا من منبع الماء ليسهل التحكم فيه ومنع قريش منه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الرأي السديد.
وليلة المعركة أنزل الله تعالى مطرا كان على المسلمين خيرا ورحمة، إذ هدأ النفوس وطهرها من رجز الشيطان، وثبت الأرض الرملية لتخف حركة المسلمين؛ في حين كان وبالا على المشركين إذ منعهم من التقدم وعرقل حركتهم.
وليلة المعركة، نام المسلمون نوما عميقا تهيؤوا بل هيأهم الله تعالى به نفسيا وجسديا للمعركة، وقد سجل القرآن الكريم هذه التأييدات في سورة الأنفال قال عز من قائل: إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد والمربي فقد بات قائما بين يدي الله تعالى يصلي ويستمطر رحمة ربه حتى أسفر الصباح، إنها ربانية القيادة تتضرع بين يدي ربها تسأله النصر والتأييد وتتجرد من كل حول بعد أن هيأت ما تطيق من أسباب.
وعلى النقيض من ذلك قضى المشركون ليلتهم كسابقاتها في المجون شربا للخمر واستماعا لغناء القيان يمنون أنفسهم بنصر كاسح يشهد لهم به عددهم وعدتهم.
ويوم بدر، وقبل المعركة نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الثلاثمائة ونيف ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة فاستقبل القبلة وظل يدعو ربه ويلح في الدعاء ويستغيث، يقول سبحانه مصورا هذا المشهد: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين، وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله .
وتبدأ المعركة وتدور رحاها على المشركين، ويثبت الله جنده بتثبيت الملائكة لهم، وتملأ قلوب المشركين رعبا، فيسقط أغلب صناديد قريش صرعى ويهزم الله تعالى الشرك وحزبه وينصر الحق وجنده، وكانت الحصيلة سبعين قتيلا وسبعين أسيرا في صف قريش وأربعة عشر شهيدا من المسلمين.
دلالات النصر
إن غزوة بدر الكبرى من تدبير إلهي ترتيبا لأسبابها وإدارة لمراحلها، وقد نصر الله تعالى المسلمين وفي ذلك دروس وعبر أهمها أن نصر جند الحق وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، وهذا حكم عام متى استوفى المسلمون شروط النصر التي سنختم بها هذا العرض: وكان حقا علينا نصر المؤمنين . غير أن نصر المسلمين يوم بدر كان مطلوبا لاعتبارين أساسيين:
أولهما أن هذه أول مواجهة عسكرية يخوضها المسلمون بعد الإذن بالقتال، والقتال أمر تكرهه النفس، فكان لزاما أن ينتصر المسلمون ليعرفوا قيمة القتال في سبيل الله، إذ هو طريق عزة الأمة وكرامتها، وضحالة المسلمين اليوم وهوانهم على البشرية وهم خمس سكان العالم عددا مرده إلى تعطيل مبدإ الجهاد، وصدق الصديق أبو بكر رضي الله عنه لما قال: "وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل" .
ثاني الاعتبارين هو أن اندحار المشركين مطلوب هو الآخر لتكسر شوكة الشرك وتنفتح آفاق واسعة أمام الدعوة ويقبل الناس على دين الله أفواجا.
شروط النصر
يقول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ، ويقول عز سلطانه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا .
شروط النصر تتلخص في تحقيق المسلمين فرادى وجماعة العبودية الحقة لله تعالى ليكونوا أولئك هم المؤمنون حقا ، وهذا يتطلب:
1. إخلاص النية لله تعالى وابتغاء مرضاته: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورياء الناس .
2. التقوى والاستقامة ودوام الذكر تطهيرا للقلوب.
3. ترصيص الصف وتصافي القلوب ومحاربة الشحناء: وأصلحوا ذات بينكم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .
4. الدعاء والتضرع: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم.. .
5. الاستجابة والطاعة: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .
6. التوكل على الله تعالى والتجرد من كل حول وقوة: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون .
7. إعداد العدة والأخذ بالأسباب الممكنة: وأعدوا لهم ما استطعتم .
8. الشورى وإشراك الجميع في صناعة القرار: فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر . وعمليا كانت الشورى حاضرة عند اتخاذ القرار بالمواجهة بعد انفلات القافلة في ذلك المشهد الرائع الذي سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كانت حاضرة عند اختيار مكان عسكرة المسلمين عملا برأي الحباب رضي الله تعالى عنه.
9. دوام التعبئة والتحريض رفعا للمعنويات: يا أيها النبيء حرض المؤمنين على القتال.. .
10. الثبات وعدم التولي عند الزحف: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار..
خلاصة
إن غزوة بدر الكبرى ليست حدثا تاريخيا ولى زمانه، وإنما هي معلمة ومنار ينير للمسلمين في كل زمان معالم طريق العزة والحياة الطيبة الكريمة متى استوفوا شروط التمكين والنصر التي بها تأهل أهل بدر لتأييد الله تعالى.
غزوة بدر الكبرى تبعث في النفوس الصادقة المتحرقة على ما نزل بالمسلمين اليوم من ذل وهوان أمل النصر والتمكين لأمة رسول الله إذا هيأ الله تعالى لها قيادة ربانية مجاهدة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
غزوة بدر معنى متجدد في الأمة متى قامت لتحق الحق وتبطل الباطل، ولسان حالها يقول: "على أيدينا نسأل الله عز وجل أن ينزل قدره".
والحمد لله رب العالمين.
أخذت هوامش السيرة من الرحيق المختوم / صفي الدين المباركفوري
لغزوة بدر الكبرى سيرتها العطرة و مكانتها السامية في قلوب المسلمين لما أعده الله من الأجر العظيم لكل الذين كان لهم قدم السبق في مصاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا معه سمعاً وطاعة ليشاركوا فيها لينالوا المكانة و المنزلة الخاصة الرفيعة .
لما لا وغزوة بدر الكبرى التي تأتي ذكراها كل رمضان في السابع عشر منه . فهي قوس النصر الذي انطلق منه سهمه المضي في سماء الحق والرفعة .
مهما كتب الكاتبون و تحدث المتحدثون و تكلم المتكلمون عنها فسيجد المتابع لذكراها العطرة الدروس والعبر المتجددة في كل مرة يتصفح تاريخ صفحاتها الخالدة .
ففي لحظة تجلي جال بخاطري لماذا لا أكتب عن أرقام من غزوة بدر الكبرى من خلال قراءتي لسيرتي ابن إسحق و ابن هشام .. فكان هذا الجهد المقل فهيا معي أيها القارئ العزيز لنخوض في يم بعض هذه الأرقام .
الرقم 1 .. يمثل الرقم واحد في غزوة بدر الكبرى أنها أول معركة حربية في تاريخ الإسلام فاصلة بين معسكري المسلمين بقيادة سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين من كفار قريش . وكان النصر والغلبة فيها لجيش المسلمين .
الرقم 2 .. السنة الثانية من الهجرة النبوية شهدت غزوة بدر الكبرى
الرقم 3 .. هو الرقم الذي حمل اسم عُمير لثلاثة من شهداء بدر وهم عُمير بن أبي و قاص و عُمير (ذو الشمالين ) بن عبد عمرو بن نضلة و عُمير بن الحُمام .
وكذلك يتواجد الرقم ثلاثة في عدد الأشقاء عوف و مُعوَّذ و مُعاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد وهم بنو عفراء و عفراء هي بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد .
والرقم ثلاثة كان هو عدد خيل المسلمين حيث جاء في السيرة ( أنه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيل , فرس مَرثد بن أبي مَرثد الغنوي وكان يقال له السَّبل و فرس المقداد بن عمرو البهراني , وكان يقال له بعزجة ويقال سبحة , وفرس الزبير بن العوام , وكان يقال له اليعسوب . بينما كان مع المشركين مائة فرس .
الرقم 5 .. بسبب غزوة بدر أُحلت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنماً من عدوٍ له فكان ذلك الحديث الشريف الذي يحمل خمس لم يؤتهن نبي قبل الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه فجاء في الحديث : ( نُصرت بالرعب , وجُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً , و أُعطيت جوامع الكَلِم , و أُحلت لي المغانم ولم تُحلل لنبي كان قبلي , و أُعطيت الشفاعة , خمس لم يؤتهن نبيٌ قبلي . )
الرقم 9 و 10 في رحلة الاستطلاع العسكرية التي أجراها قائد جيش المسلمين التي تمثل ركن من أركان خطة المعركة عندما سأل الغلمان عن معسكر المشركين لمعرفة عددهم كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة و الألف .
الرقم 14 هم عدد شهداء بدر فيجب على المرء أن يعرفهم و يبحث في سيرتهم العطرة و لوحة الشرف التي ازدانت بأسمائهم وهم : مِهجع مولى عمر بن الخطاب , عبيدة بن الحارث بن المطلب , عُمير بن أبي وقاص , ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة , عاقل بن البُكير , صفوان بن بيضاء , يزيد بن الحارث ( ابن فُسحم ) عُمير بن الحُمام , رافع بن المُعلَّى , حارثة بن سراقة بن الحارث , سعد بن خيثمة , مُبشِّر بن عبد المنذر بن زنبر, عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد و مُعَوَّذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد (عوف و مُعَوَّذ هما ابنا عفراء ) .
الرقم 17 ..اليوم السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية دارت المعركة .
الرقم 61 هم جميع من شهد بدراً من الأوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ضُرب له بسهمه و أجره .
الرقم 70 قال ابن إسحق : ( وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ سبعين بعيراً , فاعتقبوها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب و مَرثد بن أبي مَرثد الغنوي يعتقبون بعيراً . وكان حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أبو كبشة و أنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيراً وكان أبوبكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً .
قال ابن هشام : أنَّ قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلاً والأسرى كذلك .
الرقم 83 هم عدد من شهد بدراً من المهاجرين ومن ضُرب له بسهمه و أجره .
الرقم 170جميع من شهد بدراً من الخزرج وكان عددهم مائة وسبعون رجلاً .
الرقم 314إجمالي من شهد بدراً من المسلمين المهاجرين والأنصار من شهدها منهم ومن ضُرب له سهمه و أجره. ( ثلاثمائة و أربعة عشر رجلاً ) . بينما كان عدد المشركين 1000 رجلاً
آخر الأوتاد :
( يا أيُّها النبيُ حَرِّضِ المؤمنينَ على القتالِ إن يكَُن منكم عشرونَ صابرونَ يغلبوا مائتين و إن يَكُن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنَّهم قومٌ لا يفقهون . الآن خفف الله عنكم و عَلِمَ أنَّ فيكم ضعفاً فإن يَكُن منكم مائةٌ صابرة يغلبوا مائتين و إن يَكُن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذنِ اللهِ واللهُ مع الصابرين .) 65-66 الأنفال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.