قد تكون رحلتك إلى مدينة سيموك شامبي في غواتيمالا، مجهدة إلى حد ما، لكنها تستحق بالتأكيد للتمتع بالبيئة الجبلية الساحرة، حيث تشبه البيئة المحيطة بعالم "طرزان" و"جين" أو آدم وحواء، لذلك فهي فكرة جيدة لرحلات الأزواج. هنا في "التا فيراباز" كان مشهد السيارة الأميركية الكبيرة، وهي تسير فوق مطبات السرعة اللامتناهية وغير الضرورية، في القرى الصغيرة سبباً كافياً لأن يترك الأطفال كراتهم من الورق المكوم ويلوحون لنا بينما كنا نعبر، ومن وقت لآخر بينما كنا نرتفع إلى الجبال كنا نستمع إلى صوت غناء صادر من كنيسة صغيرة، وبينما كنا نرتفع كان المشهد يصبح أكثر خصوبة، فكان للأشجار لون أخضر يبدو صناعيًا تقريباً، ولكن بينما كانت الشمس تغرب لتلتقي بالأفق الجبلي الرائع، لم تكن هناك أية أحجار في الطريق ببساطة، ولكن كان هناك صخور كاملة بدا بعضها كأنها سقطت من الجبل قبل لحظات. وننصحك بتأجير سيارة الدفع الرباعي من مدينة انتيجوا، التي تبعد مائتي وخمسين ميلاً عن سيموك شامبي، وأفضل الأوقات للسفر في آذار/ مارس، لتتمتع بمشاهدة مكان سيظل مصدرًا للجاذبية والإثارة في رحلاتك. سيموك شامبي، تعني في لغة المايا "المياه المقدسة"، وهي تكوين ضخم من الحجر الجيري، وجسر طبيعي يتدفق أسفله سلسلة من الحمامات والشلالات، وهناك اسم آخر لها هو "الجنة"، وتعتبر المكان الأمثل لمحبي المغامرات، رغم صعوبة الطريق المغبر المقفر ذو الصخور المتناثرة الذي يوصلك إلى هناك. وتعد سيموك شامبي بتلك العزلة، حتى مع وجود الكهرباء، بدون ذكر انعدام خدمات الانترنت والهواتف الخلوية، مملكة من الجمال المدهش، إلا أن المكان منعزل للغاية وصعب الوصول إليه، لذا يذهب إليه القليل من السياح،وفقا لما ذكرته صحيفة "تايمز" البريطانية. وقد وصف بعض الأشخاص الذين استطاعوا القيام بتلك الرحلة، المكان بأنه أحد أكثر البقع استثنائية شاهدوها على الإطلاق، فهناك تشابك للنباتات الخضراء مع الببغاوات في الأشجار، والقرود ونهر تحت أرضي وأميال من الكهوف المليئة بالهوابط والصواعد، وهناك زهور في الأشجار وفراشات ترفرف، فإذا كانت هناك جنة عدن على الأرض، ربما تكون هي. وقال أحد زائريها "بدأنا رحلتنا بعد العاشرة صباحاً بقليل، متوقعين أن نصل إلى سيموك شامبي بحلول ميعاد العشاء، ولكن عندما حل الليل بدأت أتساءل عمّا كان يدور بعقلي، لقد مرت بضعة ساعات منذ أن واجهنا أية مركبة عدا الشاحنات التي تحمل الحطب، كان أمامنا جبل يسير عليه خط من النيران المتراقصة على الجانب وكان هذا هو مصدرنا الوحيد للإضاءة إلى جانب النجوم والمصابيح الأمامية لسيارتنا، لم يكن هناك أي مطعم أو فندق أو محطة وقود لما يزيد عن الساعة، كنت أتصور كيف سنقوم بترتيب أمورنا للنوم في السيارة، وكنا قد اقتربنا من منتصف الليل حين رأيت فندقاً، بمبلغ 30دولار في الليلة وكنت على استعداد لأن أدفع مائة دولار، وعند شروق الشمس عدنا للطريق لاستكمال آخر جولة في رحلتنا، وصلنا إلى بلدة لانكين الصغيرة حيث تناولنا زجاجتين من الجعة على الرغم من أن الوقت كان ظهراً، وكان لا يزال أمامنا ساعة من القيادة وكانت الأصعب ولكننا كنا قد اعتدنا على الأمر". وأضاف السائح "لم يكن هناك شيئًا رائعًا بشأن النزل الذي اخترته (ال بورتال) من المظاهر الأولية، إن موقعه جميل، حيث يقع على هضبة تطل على نهر كاهابون الذي تصطف على جانبيه أشجار طويلة، يمتد جسر ضيق على المياه ويمكنك أن ترى القليل من الشباب المحليين يقفزون منه، وكانت هناك سيدتان تغسلان ملابسهما على الصخور مستغلين البقعة للاستحمام وغسل الملابس، وحصلنا على جناح صغير ذو سقف من القش وشرفة تطل على النهر مقابل مائتي كيتزل في الليلة (قرابة 26دولار). تم تقديم العشاء مثل كل الوجبات في المطعم بالفناء، حيث أدركنا أن القائمة لم تتغير أبداً، فالعشاء مكرونة ودجاج وشريحة لحم أو طبق يُدعى (التورت الإسباني) يتكون من بيض وطماطم، لم يكن هذا الطبق طعامي المفضل، ولكن الجعة كانت باردة تقريبًا وكنا سعداء بالخروج من السيارة، وقمنا بتأجيل استكشافنا لسيموك شامبي للصباح التالي حين نكون قد استرحنا قليلاً، وإذا كان ذلك في الولاياتالمتحدة لكنا نشارك التجربة مع المئات من الباحثين الآخرين عن المغامرة، ولكن كان المخلوق الوحيد الذي رأيته كان يبدو مثل كلب الماء، استيقظنا مبكراً على صوت القرود، وبذلنا أقصى جهودنا لتحسين نكهة القهوة الضعيفة بإضافة بعض الشيكولاتة التي ابتعتها من أحد الفتيات الصغيرات اللاتي كن يتحولن بسلال مليئة بالبضائع، إن الكاكاو هو المصدر الرئيسي الذي يتم إنتاجه في هذه المنطقة، جنباً إلى جنب مع الهال الذي يمكنك أن تشمه بينما تجتاز السوق، ويمكنك أن ترى قرون الكاكاو تتدلى من الأشجار التي تحيط بالنهر والنساء وهي تكشط الحبوب وتجهزها للتحميص، يمص الأطفال المادة اللزجة البيضاء التي تغطيهم أو يقفون على جانب الطريق حاملين سلال الشيكولاتة للبيع مقابل خمسة كيتزل للقطعة، ولكن الشيكولاتة التي تباع في سيموك شامبي داكنة ومحببة وليست حلوة كثيرًا، ذات طعم مكتسب". كان الإفطار في "ال بورتال" استثنائياً، على الرغم من أنه كان من الجيد أثناء تناول البيض أن أدرك أنه مهما كانت الكارثة التي قد تضرب العالم أو مهما كانت الكارثة التي تحدث في وول ستريت فلن نعرف شيئاً عنها خلال مدة إقامتنا، وكان مدخل سيموك شامبي يبعد عن النزل بأربعة دقائق سيراً على الأقدام، لم تكن هناك حافلات ولا متاجر للهدايا، كان هناك فقط بضعة نساء جالسات على الأرض بصحبة أطباق من المانجو والشيكولاتة للبيع ورجل مسن يبيع التذاكر، وبعد نظرة سريعة على صفحات المذكرة التي تسجل أسماء الزوار وجدنا أننا كنا أول أشخاص يحضرون في ذلك الصباح وأن حوالي ثلاثين شخصاً حضروا اليوم السابق وكان بعض منهم أميركيين، وكان ما قمنا به بعد ذلك أمر من النادر، اختباره مرة في العمر، كنا وحدنا تماماً باستثناء الطيور والفراشات والقطيع الصغير من الأسماك التي تقرص أقدامنا حين كنا نسير في المياه، كنت أستطيع خلع ملابسي إذا أردت، فمن يحتاج إلى الملابس في كهف بدائي، وهناك بضعة أشياء يمكنك القيام بها في سيموك شامبي، مثل السياحة بالطبع (في المياه النقية، فإذا كان هناك كتاب في قاع المياه ستستطيع فهم كل كلمة، وهي مليئة بالمعادن)، يمكنك أن ترقد أسفل شلال المياه وتدع الشلالات تتساقط فوق رأسك، ويمكنك السير صعوداً للجسر الحجري المنحدر ويمكنك أن تقفز من فوقه إذا كنت شجاعاً، أو يمكنك أن تسير في الدرب المنحدر –وطوله ميلاً تقريباً- المؤدي إلى ميريدور، وهي نقطة مراقبة يمكنك أن ترى منها الحمامات السبع، وقد اخترنا الأخيرة، كان ما أحببت فعله كثيراً في سيموك شامبي هو اللاشيء، الاستلقاء هناك فقط، أو الطفو هناك والاستماع إلى الطيور والمياه حيث كانت رأسي خالية من الأفكار تماماً، لا أعلم كم بقينا في هذا اليوم الأول، ربما ساعة وربما خمس ساعات، في النهاية وصل بضعة سياح آخرون. لم يكن هناك صوت موسيقى أو رائحة طهي الهمبرجر، كان هناك فقط المياه والسماء، وتلك الفراشات التي ترفرف فوق رؤوسنا مثلما ترى في أفلام الرسوم المتحركة حين تقع شخصيتان في غرام بعضهما بعضًا. وقد تأقلمنا مع السهولة المفاجئة في سير الحياة البطيء في "ال بورتال"، حيث يمكن أن تبدو قائمة نشاطات اليوم كالتالي "الجلوس على الشرفة والتفكير، الاستلقاء على الأرجوحة، شراء الشيكولاتة من طفلة لطيفة، والسير إلى الحمامات ثم الاستلقاء فيها، ثم العودة إلى الجناح والجلوس على الشرفة وتدخين السيجار الكوبي وشراء المزيد من الكاكاو، وفي يومنا الأخير ذهبنا إلى مصدر الجذب الرئيسي الآخر في المنطقة، الكهوف التحت أرضية، وكنا بحاجة إلى مرشدٍ من أجل هذا الأمر، في البداية صعدنا الدرب المنحدر وسط غياب ملحوظ للأسوار وكنا نرتدي فقط ملابس السباحة والأحذية المقاومة للمياه، ثم قام المرشد –وهو شاب صغير من مايا يتحدث القليل من الانكليزية- بوضعنا في مجموعات من سبعة شمعوع بيضاء طويلة، وارتدى هو كشافات برغم أنه أبقاها مغلفة، واختار وضع شمعتين في ضمادة الرأس، واحدة على كل جانب من رأسه مثل القرون، وفي طريقنا إلى الكهوف قال أنه في بعض الأحيان قد نكون قادرين على السير ولكن في مناطق أخرى قد تكون المياه عميقة بحيث قد نحتاج إلى وضع الشموع في فمنا ونسبح، وإذا سمعنا أصوات رفرفة فستكون تلك الخفافيش، وبدا أن الكهوف تمتد إلى ما لا نهاية، فهناك غرفة تلو الأخرى ونقاط عديدة على طول المسار حيث وجدنا أنفسنا نغرق في حمامات من المياه الداكنة والباردة ونرفع شموعنا عالياً إذا لم نكن بحاجة إلى السباحة ونضعها في فمنا إذا احتجنا إلى ذلك، كان المكان يشبه متاهة بطرق كثيرة تنبثق من كل حجرة وبروز غير متوقعة من الهوابط والصواعد التي تظهر على طول الطريق، ولم تكن هناك إضاءة من أي نوع، وهنا وصلنا إلى لحظة حيث كانت الطريقة الوحيدة لاستكمال الطريق تتضمن تسلق سلم في ظلام تام، وفي وقت ما بدا أننا وصلنا إلى نهاية مسدودة، ثم رأيت حبلاً مقابلاً لوجه صخري عمودي، ابتسم المرشد وقال "تسلقوا"، لم أرغب في ذلك ولكن احتمالات العودة وحدي بدت أقل جاذبية. كانت الكهوف المثيرة ستكون شاقة بغض النظر عن المرشد ولكنه شكل تحدياً إضافياً، وكان أفراد مجموعتا الصغيرة الخمس الآخرين صغيرين وشقراوات ويرتدون ملابس السباحة، ويبدو أن هذه الحقيقة كان لها تأثيراً على مرشدنا، فقد رقص وسط الهوابط وقفز من صخرة لأخرى في الظلام في محاولة لإبهار السيدات الصغيرات، وفي لحظة ما بعد فترة تسلق الحبل وقف على فوق جلمود في الكهف وقفز واختفى عن الأنظار في مياه سوداء. ولدقيقة طويلة وقفنا جميعاً في الظلام نبحث عن مرشدنا ولا نسمع شيئاً ولا نرى شيئاً كذلك، بدأت أتخيل ما سنفعل إذا كان قد صدم رأسه ومات في قاع المسبح، أو غادر دوننا ببساطة، لم نكن لنستطِع أن نجد طريقاً للعودة، وكانت شموعنا تحترق بسرعة، ثم فجأة عاد مرة أخرى كما اختفى مبتسماً كالعادة، بدأت أخبره أن الأمر ليس مضحكاً، بعد ساعة من دخولنا إلى الكهوف لمحنا الوميض الأول لضوء الشمس يتخلل فتحة في الصخرة، وبعد دقيقة كنا قد خرجنا، بدت السيدات الخمس الصغيرات مرتعدات، وكانت شمعتي قد احترقت تماماً، وبعد عودتنا إلى الجناح استلقينا على الشرفة واستمعنا إلى الطيور، اقتربت فتاة صغيرة ومعها سلة الشيكولاتة على ذراعها. كانت رحلة العودة أسهل لأننا اخترنا طريقاً أفضل هذه المرة، ولأن نتيجة السلوك العام الرقيق قد غرست فينا منذ بضعة أيام في منطقة لا يتحرك فيها شيء بسرعة سوى المياه، والمصدر الوحيد للضغط هو شمعة محترقة، وبعد ساعات قليلة على الطريق كنا قد وصلنا إلى الطريق السريع، ذهبنا إلى مقهى للانترنت، وبينما قمت بتسجيل الدخول وألقيت نظرة على المائة رسالة، وكانت الفكرة التي جاءتني هي أنه لا توجد رسالة واحدة من بين كل الرسائل التي تلقيتها كان يمكن عدم الرد عليها بعد أربع وعشرين ساعة أو ثماني وأربعين ساعة. ستعج المنطقة بالسياح إذا كان من الممكن الوصول إليها، وإذا كان يمكن وصف الرحلة إليها بأنها "مغامرة" بدلاً من "جنون"، وإذا كان هناك مرشد متحدث بالانكليزية لا يتشتت بمفاتن الشقراوات، وإذا مهدوا الطريق وقاموا بتوصيل القمر الصناعي ومولد يعمل أربعة وعشرين ساعة في اليوم، ليس هذا المكان ملائماً للجميع، بالطبع يمكن قول الأمر ذاته بالنسبة للجنة، برغم أن هناك فرقاً واضحاً بين الاثنين، فمهما كانت معتقداتك الدينية سيظل هذا الأمر لا يقبل الجدل وهو أن سيموك شامبي حقيقية. الوصول إلى هناك استغرقت رحلتنا إلى سيموك شامبي ما يقرب من عشرة ساعات لأننا اخترنا طريق يمر ب"كيش"، ولكن يستطيع المسافرون الذين سيختارون الطريق الأقل وعورة الوصول في ستة ساعات من مدينة غواتيمالا. إذا أردت الحصول على وجبة في الطريق فإن المكان الأفضل هو "كوبان"؛ وهي البلدة الكبيرة الأخيرة في طريقك. إذا أردت تجنب عناء القيادة تماماً أنصحك بحجز الرحلة من خلال أحد شركات السياحة الكثيرة. أين تقيم كانت أولويتنا هي الإقامة بالقرب من الحمامات بقدر الإمكان لذا اخترنا "ال بورتال" حيث يكلف الكوخ ذو السقف من القش الذي يطل على نهر كاهابون بمرحاض خاص مائتي كيتزل (حوالي 26دولار). تعمل الكهرباء عن طريق مولد لبضعة ساعات في الليل وهناك اتصال ضعيف بالانترنت. وإذا كنت مستعداً للتفريط في راحة الإقامة بالقرب من المنطقة ستجد وجبات أكثر إثارة وكذلك انترنت وحانة وحياة ليلية في نزل "ريتيرو" حيث توجد عربات لنقل الضيوف إلى الموقع (في خمسة وأربعين دقيقة) كل صباح. الأكواخ ريفية أيضاً في نزل "ريتيرو" وبها أراجيح بالخارج ومحيط ريفي جميل، ولكن النزل أكثر صخباً من "ال بورتال" بالتأكيد، مثل نزل "زيفير" أيضاً. نزهة الكهوف لا يجب أن يغامر أي شخص يعاني من رهاب الاحتجاز أو الخوف من الخفافيش بالدخول إلى الكهوف، من غير المحتمل أن ترفضك شركات السياحة المتلهفة للدولارات الأميركية، ولكن يجب أن يتحلى الزوار بمهارات السباحة الأساسية والقدرة على إعمال الأرجل والقدرة على عبور الفتحات الصغيرة الضيقة، بالإضافة إلى حس الفكاهة، إذا وجت نفسك في مجموعة يبدو أن قائدها في العشرين أو أقل من عمره وكان زملائك يتضمنون نساء ترتدين ملابسة السباحة فربما ترغب في انتظار الجولة التالية. وقد يقول البعض أنك يجب أن تتأكد من ترتيب أمورك قبل البدء في الجولة، ولكنني سأقول أنك يجب أن تحضر مصباحاً يعمل بالبطارية، بدلاً من الاعتماد على شمعة بين أسنانك واحتمالية أن تحترق تماماً قبل أن تصل إلى مخرج الكهف.