الثائر بوشي ل (الراكوبة) : دكتاتورية الإنقاذيين سادت بتدمير الأخلاق والتعليم..! الطريق مسدود.. العمل لأصحاب الولاء.. والشهرة ليست مجازفة..! محمد الحسن البوشي و عثمان شبونة حوار: عثمان شبونة محمد حسن بوشي، عرفته الدنيا بعد الإهانة المستحقة التي رماها في وجه السلطان الجائر (نافع علي نافع) بجامعة الخرطوم.. ثم تعرض للإعتقال انتقاماً منه لفعلته التي لم يشهد السودان مثيلها في عهده الدموي... و.. تم اعتقاله أيضاً أثناء مظاهرات يونيو 2012م.. رغم أنه كان بعيداً عن ميادينها..! * لأن صحف الورق السودانية محروسة بالرقيب المأمور المتخلف، لم نسمع لبوشي صوتاً فيها.. لا معارض كبير ولا صغير يستطيع أن يبوح بشيء يجرح نظام (خنازير السافنا) في السودان الشمالي..! ولذلك حينما فكرت في صوت مختلف عن السائد المتاح في الجرائد، تبادر لذهني قبل شهور هذا الحوار الذي تأجل كثيراً بسبب المشاغل، وهو حوار طويل جداً (دون كلفة) لكن آثرنا اختزاله للقارئ المجيد. أهلاً بوشي.. بماذا تبدأ.. لك الخيار.. فنحن أحرار في راكوبة الجماهير؟ * بديهي أن أبدأ بتحية (الراكوبة) الواجبة، وهي تغنينا عن ورق الرقيب المبلول.. وأحيي جهد صحيفة (حريات) الإلكترونية، وموقع (سودانيز أون لاين) وكافة المواقع التي تنسج مع الشعب مهاد الحرية لمستقبل السودان الديمقراطي الخالي من الهوس ومن شمولية العقارب والثعابين. القارئ معي في الداخل والخارج أظنه يود أن يسمع منك قولاً عن: لماذا خبأ شرر الإنتفاضة السودانية بعد أن تفاءل الناس بجمعات الغضب الشهيرة في يونيو الماضي؟ * إذا كنت تتحدث عن الإنتفاضة الشعبية بشكل عام فهي لا تخبو أصلاً لأنها ثورة، والثورة تتجدد وفقاً للظروف، أما إذا كنت تتحدث عن الحراك الأخير (قبل رمضان الماضي) فهذا أيضاً لم يخبو، بل هو حالياً في مرحلة الفر الذي يسبق الكر.. لن يهدأ بالنا إذا لم تندحر الفئة الباغية ممثلة في سلطة الرئيس الهارب من العدالة عمر البشير. اعتقالك الأخير.. هل كان بسبب ذات الإنتفاضة؟ * جهاز الأمن السوداني لا يحتاج سبباً للإنقضاض على البشر لأنه مؤسسة اللا قانون... باختصار اعتقلت من بيتنا دون أية أسباب.. لا أعلم سبب اعتقالي.. ولم يتم التحقيق معي.. ولم يتم توجيه أية تهمة لي.. والحكاية وما فيها أنني فوجئت بمجموعة أمنية وعلى نمط العصابات تقتحم منزلي وتضرب والدتي بقسوة.. فتذكرت سؤال الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟.. ثم اقتادوني لمبنى الأمن السياسي.. ومن ثم ترحيلي إلى مكان مجهول.. وزنزانة حبس انفرادي لمدة شهرين.. مع العلم بأنني كنت خارج العاصمة إبان الإنتفاضة.. ولما حضرت كنت مشغولاً ب(ممارضة والدتي) مما يؤكد بأن للاعتقال دوافع أخرى. هل تظنها دوافع انتقامية على غرار ما حدث في اعتقالك الأول بعد انفعالك الشهير مع نافع علي نافع.. أم هو خوف منك؟ * سبب الاعتقال في يقيني مركب.. خوف وتصفية حسابات. ثم ماذا؟ * لا شيء.. أطلق سراحي دون إخباري عن سبب القبض. في اعتقالك الأول.. هل تضعنا في المشهد أكثر؟ * سؤالك هذا كأنما فيه إيحاء لرغبتك في توضيح (تصفية الحسابات) وهو كذلك.. فلما أطلق سراحي بعد (الخمشة الأولى) شعرت بأن حقدهم لم يشفى، لأن تحرري جاء نتيجة ضغوط عليهم، وليس برضاهم.. كان أيضاً اعتقال بلا تهمة، لكنهم أظهروا تلميحات تشي بأنهم اعتقلوني حتى (تتفش غبينة دكتور نافع).. استشعرت هذا الأمر أثناء تحقيق لم يتجاوز ثلاثة ساعات. هل شعرت بضعفهم؟ * قناعتي بأن النظام أساساً ضعيف، بل أضعف ما يكون.. وكنكشته في السلطة هي قدر.. وذهابة مسألة وقت ليس ألا.. أما المحققون فحدث ولا حرج. هل لك في التأملات، وأمامك هذا الكم من أهل السودان الذين بدأت التحولات تعمل فيهم (غربتها) وتنهب قيمهم؟! * التحولات المجتمعية كبيرة جداً في عهد الانقاذ، فهو نظام سادت دكتاتوريته بمنهج خبيث (إذا كنت تريد السيطرة على شعب دمّر الاخلاق والتعليم) والانقاذ (بالغت) في تطبيق النظرية.. فاليوم هل نرى أخلاق وقيم مجتمعنا بخير..! كلا.. والله المستعان.. لكن، الأمم تبنى بسواعد بنيها... نحن قادرون على إحداث الثورة الشاملة التي تبدأ باسقاط النظام وتنتهي بالعمل علي علاج وترقية المجتمع السوداني الذي (شبع موتاً)، كأنه خلق لدفع الثمن الباهظ بسبب هؤلاء الطغاة. سمعتك مرة تتحدث عن عيوب العمل المسلح لاسقاط الطغاة.. أليس هذا النظام (نفسه) يدعو لاسقاطه بالقوة؟ * قناعتي ضد العمل المسلح راسخة كأداة لاسقاط النظام لعدم جدوي التجربة المستمرة عندنا منذ عقود.. وكذلك للأضرار الناجمة عن رفع السلاح والتي يدفع ثمنها شعبنا في المقام الأول.. لكني احترم جداً خيارات الثوار الذين يحملون السلاح، واعتبر أننا متفقون في الهدف ومختلفون في الآليات، فنحن نعمل بالنضال السلمي لاسقاط النظام والأتيان بالبديل الوطني التقدمي الديموقراطي. شهدنا في حراك الانتفاضة الماضية بطولات شبابية نادرة، ومؤكد أنك فخور تذكر اسماء بعينها؟ * السؤال مهم جداً باعتباره يجعلنا نتذكر "أن البلد بخير" وأن شباب السودان قادرون علي تحمل مسؤولية الوطن.. وما حدث الايام الماضية والعدد الذي وصل ل "3" آلاف معتقل 90% منهم من الشباب خير دليل على ذلك.. ولا أستطيع حصرهم هنا خوفاً من أن يسقط اسم أو أكثر سهواً.. وليس لنا سوى الثناء والمصافحة لجميع الأبطال. بصراحة شديدة.. هل كنت (غاوي شهرة) حين أطلقت كلماتك ضد مساعد الرئيس "د. نافع" أم مغبون على الحال؟ * الشهرة لا يتم البحث عنها بالمجازفة، ولو كنت أبحث عن الشهرة كنت سلكت طريق الفن أو التمثيل أو لعب الكرة، وكذلك أنا لم أخطط لما قلته بل كانت المداخله بالصدفة ولكنني قلت ماقلت لأنه كان يجيش في خاطري ويعبر عن السواد الأعظم من الشعب، والدليل علي ذلك التفاعل الكبير الذي وجدته المداخلة من الناس داخل أو خارج البلاد. وبهذه المناسبة فقد حاورني زميلكم العزيز أشرف عبد العزيز لصحيفة (الجريدة) بعد أسبوع من حوارك هذا حول ذات الموضوع، وقلت له: (سأقول الكلمات ذاتها لنافع لو قابلته مرة أخرى) وعلمت أن الرقيب الأمني ثارت ثائرته وصادر الصفحة بكاملها. ذكرت الفن والكورة.. أين أنت منها ولمن تستمع أو تقرأ...؟ * أشجع الكرة ولكني أكره التعصب الذي لايصب الا لتراجع الكرة السودانية.. واحب جداً مشاهدة الافلام المصرية. أتذوق الفن الموسيقي بشغف، وعشقي للسلم الخماسي السوداني لما فيه من شجن وتطريب.. استمع للغناء الجميل حمّال المعاني المعبرة وأفضِّل الاستماع للأستاذ وردي.. ولا أحب الغناء بالسلم السباعي باستثناء الرائعة فيروز. أين (كرامة) حزب البعث في ما يحدث للوطن، وقد تحولنا جميعاً إلى سفوح الثرثرة، بينما (الأشياء تتداعي) في بلادنا... كيف نتجاوز حالة الموت هذه؟ * لست ناطقاً رسمياً باسم حزب البعث، وأفضِّل في هذه المرحلة تحديداً عدم الحديث عن الأدوار والأجندة الحزبية، لأنها يجب أن تكون مرحلة العمل المشترك في أطر مرنة لإنجاز الخلاص من كابوس الانقاذ.. ولكي لا يقال أنني هربت من الاجابة أقول لك: يكفي حزب البعث شرفاً أنه ظل علي موقفه من النظام، داعياً لاسقاطه بالانتفاضة الشعبية منذ العام 1989.. ولم يتزحزح عن موقفه إلى الآن. مِنْ الشخصيات المعارضة.. على مَنْ تعوّل لإحداث التغيير؟ * أعول على الشباب والحركات الشبابية بشكل عام، بعد الله.. وهذا ليس انتقاصاً من قدر المعارضة بل إيماناً مني بقدرة الشباب. ماذا تعمل الآن؟ وهل تجد مضايقات في العمل (إن وجد) وهل تفكر في الاغتراب..؟ وكيف تقرأ مؤشرات العطالة وانهيار الأحلام؟ * هذا السؤال فيه جزء ذكرني بأحد أفراد الأمن إبان فترة اعتقالي الأخيرة حين سألني (إنت شغال شنو؟) قلت له (أنا شغال ضد الحكومة لإسقاطكم).. فأنا (مرفوت) أكثر من مرة بسبب الاعتقال والموقف السياسي.. والآن أجد ضيقاً يصل لدرجة الطريق المسدود في إيجاد فرصة عمل، لكني لا أعبأ بهذا طالما الارزاق بيد الله.. أما الاغتراب فكنت أفكر فيه بجدية.. لكن الآن اصبح الإغتراب بالنسبة لي مرهون بانجازنا لمهمتنا المفروضة وهي اسقاط النظام أولاً.. وفي ما يتعلق بالشق الأخير من السؤال، أعلم أن ما ينطبق علىّ ينطبق علي كل الشباب من أبناء جيلي إن كانوا ناشطين أو لا، ففرص العمل لاتتوفر إلاّ لأصحاب الولاء والمحسوبية.. وحتى الأحلام ذاتها أصبحت (تضيق). في نهاية المطاف: بماذا تتفاءل؟ * أتفاءل بالثورة القادمة.. وما يبشر بها (وقوف الحال) إذ لا جديد في حياة الشعب السوداني سوى العذابات.. وليبقى الأمل. أخيراً؟ * شكراً استاذ شبونة.. وتحياتي لكل الشعب السوداني وتحية خاصة للطيور المهاجرة.. وأقول لهم يوماً ما سنلتقي في سوح الوطن الجميل.