تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أما الزبد فيذهب جفاء
نشر في سودانيات يوم 10 - 03 - 2013

للخروج من عنق الزجاجة وإعادة بناء الدولة السودانية:
يجب مغادرة مربع "الترترة" السياسية إلى مربع مواجهة الأسئلة الصعبة وحلها.
الشعب ليس محتاج لفذلكات "الانتلجنسيا" وتهويماتها الفكرية بقدر حاجته لفكرة بسيطة يفهمها الجميع ويتوافق عليها العامة.
فترات الحكم الانتقالية القصيرة الماضية أخفقت في تمهيد طريق بناء ديمقراطيات معافاة ورشيدة.
النعرة القبلية والجهوية ردة فعل بائسة على سياسات النظام الأكثر بؤسا وهي مدعاة لتعميق الأزمة وليس إيجاد الحلول.
فكرة الفترة الانتقالية الطويلة هي الحل الآمن للازمة الوطنية إذا ما أردنا وطن موحد
تيسير حسن إدريس
(1)
بعد النظر والتمحيص في وثيقتي "البديل الديمقراطي" والفجر الجديد" نجد أن شقة الخلاف بينهما ضئيلة ويكاد يكون التطابق في أغلب بنود الوثيقتين هو السمة الغالبة ورغم هذا فقد وقعتا للأسف في فخ احتمال إعادة إنتاج الأزمة السودانية واحتمالية تكرار الحلقة الشريرة من جديد بعد التخلص من النظام الحاكم اليوم وذلك بسبب استجابة القوى الحديثة والديمقراطية - الساعية بحق لإيجاد معالجات حقيقية ومخرج نهائي من الأزمة التي تطاولت- لابتزاز القوى التقليدية الراغبة بقوة في المحافظة على وضعها القديم والوصول للسلطة في أسرع وقت وبأقصر الطرق ولو أدى ذلك لترك القضايا المصيرية معلقة بلا حلول تراوح مكانها متجاهلين حقيقة أن الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد كان نتاج مثل هذا التفكير الفطير وتلك الهرولة الغبية خلف المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة.
لقد ظلت القضايا الكبرى المختلف عليها التي يحاول اليوم الموقعون على الوثيقتين مرة أخرى وضعها على الرف في انتظار انعقاد المؤتمر الدستوري المزمع عقده بعد الإطاحة بالنظام الحالي هي السبب المباشر في تعثر خطوات بناء واستقرار الدولة المدينة الديمقراطية في السودان بل وظلت السبب الأساسي في فتح الباب أمام الجنرالات المغامرين لانقلاب على الشرعية والتدخل في شؤون السياسة، هذا إذا ما أضفنا لهذا السبب الخطيئة الكبرى التي تكررت برعونة بعد ثورة أكتوبر 64م وانتفاضة إبريل 85م المتمثلة في إصرار قوى سياسية بعينها على أن تكون الفترة الانتقالية عجولة وقصيرة ومجمدة لا تستطيع معالجة القضايا سبب البلاء هذا النهج والترتيب الذي تصر عليه القوى التقليدية استعجالا للسلطة ومكاسبها قد أثبت خطله كما أثبت أنه أسلوب أناني لا يراعي مصالح القاعدة العريضة من الجماهير ولا يضع طموحاتها وآمالها المشروعة في إرساء نظام حكم راشد في الحسبان بل على العكس من ذلك يفقدها المكاسب الثورية التي يمكن أن تجنيها ثماراً مستحقة لكفاحها وتضحيتها إذا ما وضعت ترتيبات متأنية وغير متسرعة لفترة انتقالية طويلة تلي إسقاط النظام الشمولي.
لقد سبق تجريب الفترة الانتقالية القصيرة مرتين في تاريخ أمتنا القريب ونهج استعجال إجراء انتخابات ديمقراطية دون أن تكون الأحزاب قد استعدت لها الاستعداد الكافي فحسمت لصالح القوى التقليدية بالعددية الميكانيكية والولاء الطائفي الأعمى وأنتجت في ظل انعدام الوعي وتغيبه المقصود بالشعارات الدينية تارة وحماسة الانتماءات الطائفية تارة أخرى – كما هو معلوم - برلمانات معطوبة وحكومات أكثر عطبا وضعفا وقد عانت جميع فترات الحكم الديمقراطي في السودان من خلل بنيوي وبرامجي حد من فعاليتها وأقعد من سلطتها وتركها عاجزة عن إيجاد الحلول للقضايا الوطنية الملحة التي يراد لها اليوم أيضا أن تظل معلقة كقنابل مؤقتة دون بذل أي مجهود من أجل التوافق على الحلول أو حتى مجرد الوصول لتقارب في وجهات النظر إسهاما في توفير الوقت وسرعة البت فيها داخل المؤتمر الدستوري الذي تقع عليه أعباء التخطيط الشاق لاستنهاض الوطن من كبوته.
(2)
وثقتي "البديل الديمقراطي والفجر الجديد" اللتان خرجتا بهما القوى المعارضة قد قدمتا بلا شك معالجات قيمة لمعظم القضايا المختلف عليها وقد مثلتا اختراقاً سياسياً مهما نحو حلول الأزمة الوطنية إلا أن الخوف والفزع الذي ظل ملازما للقيادات التاريخية من الخوض في قضايا بعينها أضعف بعض جوانب الطرح فيهما وقاد الجميع من جديد لفخ التسويف وإمكانية إعادة إنتاج الأزمة نتيجة الإصرار على التمسك بالمواقف الرمادية في قضايا هامة ومفصلية لا تقبل أنصاف الحلول مثل " نظام الحكم / علاقة الدين بالدولة / مسألة القوميات وإشكال الهوية / المشاركة في السلطة وتوزيع الثروة" . وهي قضايا عاجلة وشائكة لا تحتمل التأجيل أو الوضع على الرف لحين إسقاط النظام الحاكم، لتكون ضربة البداية لنقاشها هو المؤتمر الدستوري دون التمهيد لذلك من الآن بحوار متصل تسهم فيه جميع الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من أجل الوصول لتفاهمات عميقة مسبقة وخلق أرضية مشتركة تسهل مهمة البت فيها وحسمها متى ما انعقد المؤتمر الدستوري.
هذا إذا ما أردنا اختصار الوقت والسير قدما في الطريق الصحيح دون إضاعة الفترة الانتقالية في "اللت والعجن" أما إذا ما أردنا لمؤتمرنا الدستوري أن يكون "سوق عكاظ" للخطب و"طق الحنك" واستعراض العضلات السياسية وتناسي قضايا التنمية وضنك العيش الذي يرزح ويئن تحت وطأته المواطن السوداني فعلينا تأجيل عمل اليوم إلى الغد وإتباع أسلوب الطالب الفاشل الذي يستذكر دروسه فقط عشية يوم الامتحان ويرسب وحينها لن تطيق الجماهير صبرا بعدما أرهقت من أمرها عسرا طوال ربع قرن.
(3)
الأجدى لجميع البدء اليوم وليس غدا في طرح قضايا الاستشكال للنقاش والمداولة الجادة بتكوين ورش عمل تقوم بدراستها دراسة معمقة وبلورة رؤى مشتركة يناقشها المؤتمر الدستوري ويكمل النقص إن وجد ومن ثم يصادق عليها. إن تمهيد الطريق لمعالجة القضايا الخلافية وتقريب وجهات النظر حولها يجب أن يكون هاجساً فكرياً لجميع الأحزاب والقوى المعارضة ولا بد أن يكون لهذا الهاجس نفس أهمية هاجس إسقاط النظام ويتم بذل جهد متوازي لانجاز المهمتين معا بالتلازم وفي ذات الوقت فإسقاط النظام دون توافر أرضية مشتركة ورؤية مبصرة بين أطراف المعارضة حول القضايا الخلافية يعني ببساطة قتل الفترة الانتقالية وإفراغها من مضمونها وتركها نهبا لصراع الرؤى والأفكار التي ستنشط وتصطرع بخلو الساحة من المهدد الوجودي الذي يوفر اليوم الحد الأدنى من تعاضد شتات القوى المعارضة والذي يمثله النظام الباطش، ففي أجواء من الحرية والأمان ستعود حتما "حليمة لعادتها القديمة" ويحاول كل حزب من الأحزاب خاصة التقليدية من أن "يضري عيشه" استنادا على الأغلبية الميكانيكية التي ستنحاز كالعادة لمواقفه بالإشارة دون وعي ودراية لنعود ونتجرع من جديد علقم فشل تجربتي أكتوبر/64 وابريل/85 م.
التوصل لتوافق وقناعات مشتركة حول قضايا الاستشكال المصيرية سيكون أسهل في ظل الأجواء السياسية الحالية المكفهرة بممارسات النظام القمعية ومحاولاته الدائمة لشق الصف المعارض وإقصاء الرأي الآخر الشيء الذي يجعل تقارب ووحدة قوى المعارضة الواقعة جميعها تحت نير عذابه مسألة ضرورية وحيوية تقرب الشقة بين الأطراف المختلفة وتعزز روح التعاضد والتكاتف اللازمة لمقاومة طغيانه والوصول لمعالجات للقضايا المختلف عليها وهو مؤثر مهم يشد وثاق القوى بعضها ببعض، أما في حالة زوال هذا المؤثر قبل الوصول لتفاهمات عميقة ستشعر الأطراف المعارضة كافة بالراحة والأمان ويطغى الطمع والتشاكس السياسي بعد أن يستجمع كل طرف أنفاسه ويبدأ في البحث عن مصالحه الضيقة وينسى كالعادة مصالح وطموحات الأغلبية الساحقة من الجماهير، لقد حدث هذا الأمر بحذافيره من قبل مرتين ومن العبث بل الحمق أن نعيد في كل مرة تجريب المجرب.
(4)
إن التجارب القريبة الماثلة في أذهان الجميع في تاريخنا الحديث قد أثبتت بأن الفترة الانتقالية المتعجلة والقصيرة تكون وبالا ونكالا على مجمل التجربة الديمقراطية وقد وعت معظم الجماهير هذه الحقيقة وملت حالة تكرار الأخطاء والعجز عن اجتراح نماذج وأطروحات جديدة أكثر ابتكارا وثورية تعيد صياغة الحياة السياسية من أساسها وتضع شروط اللعبة من جديد. والمنطق السليم يدفع الجميع بقوة نحو الخروج من مصيدة التقليد والخوف من ابتداع نهج مختلف وسلك طرق غير مطروقة عوضا عن حالة اقتفاء الأثر الخرقاء التي أدمنها الساسة وقتلت روح الإبداع السياسي وحولت مفهوم السياسة من فن الممكن لعملية اجترار ورجع صدى بائس فقد جرب الوطن قصر وعجلة المراحل الانتقالية فاتت مخرجاتها تعيسة ومن الحكمة بعد هذا تجريب سبيل التأني الذي فيه السلامة ونحن نبحث عن مخرج مشرف من وحل الأزمة الوطنية وذلك بطرح فكرة مرحلة انتقالية طويلة يقود دفتها أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية في كافة المجالات لتنفيذ برنامج إسعافي عاجل يوقف عجلة التدهور أولا ومن ثم يضع الخطط والبرامج لنهضة وطنية وتنمية مستدامة.
تكمن فكرة الخروج الآمن من نفق الأزمة الوطنية الحالية ببساطة في توافق جميع الأحزاب والقوى المعارضة على مرحلة انتقالية تلي عملية إسقاط النظام مدتها خمسة عشر عاما بنظام حكم رئاسي فيدرالي تتعاقب على حكمها ثلاث حكومات مدة كل حكومة خمس سنوات على أن تقوم كل واحدة من الثلاث حكومات بتنفيذ برنامج محدد تحت رقابة جهاز تشريعي مدته أيضا خمس سنوات تشارك فيه جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بمناديب متفق على كفاءتها ووطنيتها يقوم بإعداد دستور يحكم الفترة الانتقالية ويتابع تنفيذ البرنامج المتفق عليه ويراقب ويحاسب السلطة التنفيذية - الرئيس وحكومته -.
تؤكل رئاسة الثلاث حكومات خلال الفترة الانتقالية لأبناء الجهات التي وقعت تاريخيا تحت الإقصاء والتهميش "الغرب / الشرق والنيل الأزرق" وبهذا نبدأ عهد من التسامح والتصالح مع الذات الوطنية نُزِيلُ من خلاله مسببات الصراع وذرائعه ونَسْتَعِيد الثقة التي فقدت في بعضنا البعض لتقوية اللحمة المجتمعية والشعور الوطني وهزيمة النعرة الجهوية والقبلية التي تتصدر المشهد السياسي اليوم.
أما وزراء الحكومات الثلاثة خلال الفترة الانتقالية فيتم اختيارهم بالتوافق بعد أن يقدم كل حزب من الأحزاب مرشحيه من "التكنوقراط" شرط أن يكون الفيصل في الاختيار والمفاضلة بين المرشحين هو الخبرة والكفاءة والأمانة فقط لا غير. توضع برامج وأهداف الحكومة الأولى تحت شعار "الانطلاقة والتنمية" والثانية تحت شعار " الكفاية والعدل" أما الحكومة الثالثة والأخيرة فتوضع برامجها وأهدافها تحت شعار " التقدم والازدهار" والتي بنهاياتها نكون بحق قد مهدنا الطريق لقيام نظام ديمقراطي راشد ومستقر وبناء على ذلك تقوم انتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تتنافس فيها جميع الأحزاب تنافساً شفافاً بطرح برامجها على الجماهير ومن ثم الاحتكام لصندوق الانتخابي والقبول بنتائجه.
(5)
الدمار الذي لحق بالبلاد خلال ربع القرن الأخير تحت حكم نظام "الإنقاذ" في كافة مناحي الحياة هائل وغير مسبوق الشيء الذي يدعم فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة التي يشارك فيها جميع القوى السياسية ويجعلها منها الطريق الأكثر أمنا وسلامة للسير بتوافق نحو الخروج بالوطن من وهدته وإنجاح برامج المرحلة الانتقالية بعيدا عن أجواء المكايدة والغيرة السياسية وتسجيل النقاط على حساب الآخرين وهو الداء والمعوق الأساسي الذي عانت منه الفترات الديمقراطية السابقة وأدَّى لفشلها وإعطاء المشروعية لحدوث الانقلاب العسكرية المتتالية. إن طول الفترة الانتقالية سيوفر مناخاً صحياً للأجيال الحديثة التي تربت على ممارسة السياسة بأدوات غير سياسية ولا ديمقراطية تحت حكم النظم القمعية لإعادة تربية وتهذيب نفسها سياسيا ويتيح أمامها الفرصة لاكتساب مهارات وآداب العمل السياسي الديمقراطي وترسيخ مفاهيم التنافس الشريف والتداول السلمي للسلطة بعيدا عن مناخ الشحن والاستقطاب الانتخابي الحاد الذي عادة ما يسود الفترات الانتقالية القصيرة والعجولة.
لقد آن أوان لفظ نهج "الترترة السياسية" والسير قدما للخروج من مأزق الممارسات القديمة التي اعتمدت نهج تغيب وعي وصوت الكتلة الجماهيرية العظمى ويقني أن فكرة "الفترة الانتقالية الطويلة" رغم أهميتها لن تروق لساسة العهد القديم وخاصة قيادات الأحزاب التقليدية الذين يعلمون بأن هذه الفكرة تهدد سلطانهم وسلطتهم "البابوية" بما توفره من فرصة لم تتوفر من قبل لنشر الوعي وتبادل الخبرة والاحتكاك بين شباب الأحزاب التقليدية المتطلع للخروج من "جبة وقفطان" الآباء والقوى الديمقراطية الحديثة في ظل توافق يستبعد حساسية الاستقطاب الانتخابي الحاد الذي كان الحجاب الحاجز الذي تستخدمه تلك القيادات بخبث ليحول دون اتفاق شباب السودان من كافة الأحزاب حول برنامج نهضة وطنية.
(6)
لقد تشكل وعي سياسي جديد في أوساط شباب الأحزاب التقليدية، نمى وترعرع في مناخ التعسف والبطش تحت حكم النظام الحالي، الذي عمل بكافة الوسائل لتشويه الوعي والضمير الجمعي ومحاولة إعادة صياغة الفرد وفقا لمشروعه الفكري المدمر، وقد كان نصيب الشباب من هذا البلاء عظيماً ولكن قد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وأدت سياسات النظام القمعية إلى عكس مرتجياه حيث تبلور وعي ثوري جديد في بيئات كانت توصف بالتقليدية والرجعية، وهنا يكمن وجع النظام الفاشي ويستبين فشله المريع، فقد غدا معظم شباب الأحزاب التقليدية يتحلى بوعي جديد وفهم عميق لأسباب الأزمة الوطنية الحقيقية وأصبح أكثر نضجا سياسيا ورحابة صدر للاستماع للرأي الآخر دون أحكام مسبقة، وهو اليوم يتطلع بصدق للنهوض بالوطن من كبوته والخروج به من وهدته لبر الأمان، وقد ظهرت تلك الروح الجديدة بوضوح في تضامن الشباب من كافة الأحزاب والمشارب الفكرية، وإيمانه بوحدة المصير والهدف في انتفاضة يونيو/يوليو من العام الماضي.
على القوى الحديثة والديمقراطية أن تلتقط هذه اللحظة التاريخية الفارقة وتحسم خياراتها النضالية وتنفض يدها عن تكتيكات قوى اليمين المتبعة في مقارعة النظام بعد أن ثبت أنها عبارة عن "ترترة" فارغة، المقصود منها حفظ ماء الوجه ليس إلا، وضعيف الحجة والمنطق من يظن أن مصالح اليمين الإسلاموي الذي يمثله النظام تتناقض ومصالح اليمين الطائفي، وعلى قوى اليسار أن لا تحلم بذلك فمصالح قوى اليمين واحدة وهي تتصالح في نهاية الأمر مهما بدا اليوم تشاكسها، وعلى أصحاب الوجيعة الحقيقيين من القوي الديمقراطية ومجموعات الشباب الثائر المتطلع لغد أفضل أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتضعها نصب عينيها وهي تخطط لتحالفاتها النضالية المستقبلية، وعلى قوى اليسار بالتحديد أن تكف عن تريد الأسطوانة المشروخة عن واقع الساحة السياسية السودانية الذي يجبرها على التخلي عن برامجها الثورية والانجرار خلف برامج اليمين المهادنة. فقوى اليمين تعمل وفقاً لمصالحها وتعلم أن استمرار وجودها على الساحة يفرض عليها ضرورة المحافظة على المعادلة السياسية العتيقة "قَدَمٌ في البر وَقَدَمٌ في الطوف" ومصالح قوى اليسار حتما مختلفة وليست هنا؛ بل هناك مع الأغلبية المسحوقة من الجماهير ومع شعوب الهامش التي تفترش الأرض وتلتحف السماء في معسكرات الشتات والنزوح في انتظار عون خالقها ومدد حزبها الطليعي السائر لدهشتها بغباء كالمنوم في ركاب من باعوه من قبل مرات بل وتأمروا على حله ونحره. ما لكم يا هؤلاء أين البصر والبصيرة؛ بل أين الذاكرة التوثيقية وأدوات التحليل العلمية من كل هذا؟؟ ولماذا كل هذه الحيرة والنهج الثوري بين وطريق الحق أبلج!!؟.
طرح النهج الثوري المقاوم لبطش النظام الحاكم بعد أن تمنع وسد جميع منافذ الحوار هو الحق الذي لا يجب أن يحيد عن طريقه ثائر، اطرحوا التكتيك الثوري الذي به قد عرفكم شعبكم وأعزكم شهداء أو مشاريع شهادة تسعى بين الناس لباسها كفن، ولينحاز من ينحاز ولينفض سامر كل من تخاذل، فالثورة لا ينجزها المتخاذلون ولو كانوا كثفاً كعباب البحر، الثورة ينجزها أولي المتاريس ملح الأرض الحفاة العراة أما الزبد فيذهب جفاء.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 8/03/2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.