د. محجوب محمد صالح ........... [email protected] ............ يبدو أن التاريخ في دارفور يكرر نفسه بصورة راتبة إذ ينعقد هذه الأيام في مدينة أروشا التنزانية اجتماع دعا إليه الوسيط المشترك للاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة محمد بن شمباس حركات دارفور التي ترفض التوقيع على اتفاقية الدوحة في محاولة لإقناعهم بالتوقيع على الاتفاقية والالتحاق بالعملية السلمية، ويشارك في الاجتماع الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لممارسة أكبر قدر من الضغط على الحركات الدارفورية، وهذا تمرين مكرر فقد ظلت الضغوط تمارس من كل هذه الأطراف على مدى سنوات دون أن تحقق نجاحاً ولا ندرى ماذا سيكون العرض الجديد الذي سيقدم في هذه الجولة. في مثل هذا العام وقبل ست سنوات انعقد اجتماع مماثل لهذا الاجتماع، وفي نفس هذه المدينة التنزانية للبحث في نفس الموضوع، الفرق الوحيد أن ذلك الاجتماع كان يسعى لإلحاق حركات دارفور المسلحة بمحادثات أبوجا لتحقيق السلام آنذاك والفرق الثاني أن الوسطاء الدوليين يومذاك كانا ممثل الاتحاد الإفريقي سالم أحمد سالم وممثل الأممالمتحدة أيان برونك، وانعقد الاجتماع في مثل هذا الشهر (أغسطس) من العام 2007، فماذا حقق ذلك اللقاء؟ وأين اتفاقية أبوجا الآن؟ بودنا أن نسمع إجابة على هذه الأسئلة قبل أن ننخرط في تجريب المجرب! وحتى قبل أن يبدأ الاجتماع الحالي كانت عقدة الخلاف الرئيسية واضحة للطرفين، فالحركات التي قبلت الدعوة مبدئيا طالبت أن يكون موضوع الحوار هو (أزمة السودان الشاملة) باعتبار أن الأزمة التي يعاني منها السودان الآن هي أعمق وأكثر اتساعا من أزمة دارفور ولا بد من السعي لحل المشكلة التي طالت كل أنحاء السودان، فأصبحت أزمة تستوجب التغيير الشامل في نظام الحكم، ولكن هذه الرؤية التي طرحتها الحركات لم تجد قبولاً من الوسيط الدولي ولا من الاتحاد الإفريقي ولا الأممالمتحدة، وكلهم يعترفون بشمول الأزمة السودانية وحاجتهم للحل الشامل، ولكنهم يصرون على المعالجات الجزئية. وقد برز هذا الخلاف في مرحلة الإعداد للقاء أروشا المنعقد الآن حينما طالبت حركات دارفور المسلحة بإشراك (الحركة الشعبية – قطاع الشمال) في هذه المفاوضات لتتم مناقشة القضايا دفعة واحدة، ولكن هذا الطلب رفض وكان منطق الرفض أن هناك منبراً خاصا للحوار مع قطاع الشمال، وأن تفويض وسيط دارفور الدولي محصور فقط في أزمة دارفور، وأن لجنة أمبيكي مفوضة لمعالجة الأزمة برؤية شاملة بما في ذلك ابتدار الحوار حول التحول الديمقراطي، ولذلك يجيء الإصرار على أن تدور مفاوضات أروشا حصراً حول دارفور وأساساً حول الالتحاق باتفاقية الدوحة. وستجد حركات دارفور نفسها خلال هذه المفاوضات مضطرة لأن تعود مره أخرى لإثارة هذه القضايا بحكم أنها التزمت بذلك في إطار تأسيس الجبهة الثورية، واعتماد (الحل الشامل) كأساس لقيام تلك الجبهة، وهذا هو الموقف الذي اتخذه قطاع الشمال أيضاً، عندما تمسك في أديس أبابا بفكرة التفاوض حول الأزمة الشاملة، ولم ينجح لا في إقناع الاتحاد الإفريقي أو الأممالمتحدة، وقد تجري محاولة في أروشا للالتقاء بالحركات الدارفورية في منتصف الطريق باستصدار توصية من لقاء أروشا تدعو لتفعيل دور لجنة أمبيكي في البحث عن وسائل أحداث تغيير شامل في السودان يقود للتحول الديمقراطي. لكننا نعتقد أن الصعوبة الحقيقة التي تواجه مفاوضات أروشا هي التعديلات التي تطلب الحركات المسلحة إدخالها على اتفاقية الدوحة، وهي مطالب لم تجد قبولاً في المفاوضات المتطاولة في الدوحة وما زالت الحكومة عند موقفها الرافض لتلك المطالب وحتى إذا اقتنعت جولة أروشا بجزء من تلك المطالب، فإنها ستجد صعوبة في إقناع الحكومة بها لذلك فإن اجتماع أروشا لن يكون أكثر من تمرين في العلاقات العامة ليس مرشحاً لإحداث اختراق في معالجة أزمة السودان والمبرر الوحيد لعقد هذا الاجتماع هو أن الوسيط الدولي الجديد يود أن يحقق حراكا في إطار تصميمه على إنجاز مهامه التي أوكلت إليه في مطلع أبريل الماضي، وقد قرر منذ البداية التحرك على محورين: المحور الأمني بإصلاح أوضاع قوات حفظ السلام الهجين في دارفور عندما هاله فشل القوة في الدفاع عن نفسها، دعك عن حماية المواطنين أو توطيد أركان السلام وقد طالب مجلس الأمن بتوفير الآلات والمعدات والتدريب الذي يصلح أوضاع القوة ووافق المجلس على ذلك، ثم تحرك عبر محور التفاوض، ولكنه سيكتشف في هذا الاجتماع الذي ابتدره في أروشا أن المشكلة أكثر صعوبة وتعقيداً، وأن مجرد لقاء أطراف الصراع لن يحدث تغييرا على الواقع على الأرض. إن تجريب المجرب لن يعالج أزمة دارفور والحلول الجزئية ما عادت ذات جدوى ولا يمكن للتاريخ أن يستمر في إعادة نفسه في دارفور بطريقه رتيبة ومملة! د. محجوب محمد صالح