النميري وريجان بكري الصائغ [email protected] 1- ***- في مارس من عام 1985، وقبل مغادرة الرئيس السابق جعفر النميري الي اميريكا لاجراء فحوصات طبية، قام بتوجيه الدعوة لنائبه الاول ومستشاريه بالقصر، ولكل الاعضاء الكبار بالاتحاد الاشتراكي، ورؤساء الأمانات، والوزراء ووكلاء الوزارات ، واصحاب المناصب الدستورية العليا، وكبار الضباط بالقوات المسلحة، والأمن، والشرطة، وايضآ رؤساء الصحف المحلية والمراسليين للتفاكر معهم حول بعض المستجدات التي طرأت في البلد بعد الزيادات التي طرأت علي بعض السلع الضرورية والادوية. ***- والتقي معهم المشير النميري بقاعة "مجلس الشعب" في لقاء موسع كبير، وافاض النميري في الكلام والحديث عن الحالة الأقتصادية في البلاد، ودافع عن رفع الدفع وعن والزيادات التي طرأت علي السلع الضرورية، ***- وطلبت احدي العضوات السماح لها بكلمة، فراحت تحكي عن المعانأة التي يجدها المسكين من الحصول علي السلع الضروية بعد الزيادات التي طرأت عليها، وقبل ان تكلم باقي حديثها قاطعها النميري بصوت عال وراح يهاجمها هجومآ ضاريآ الجم السنة الجميع بالقاعة، وراح يقول لها: ( اعرف بعض الوزراء والمسؤوليين الكبار في الدولة عندهم عربات حكومية خاصة بهم ...وعربات اخري خاصة بزوجاتهم، والنزين علي الحكومة...وماهية السواق علي الحكومة)!!..وراح النميري ويعدد سلبيات وسلوك المواطن السوداني الذي يفضل دائمآ الحياة الهنية الرغدة (واكل الباسطة) ولبس المستورد!!، وفي غمرة انفعالاته الشديدة راح النميري يؤكد للجميع انه لاتراجع عن الاجراءات الاقتصادية التي تمت قبل ايام، وأضاف بحدة وقوة ، بانه ستكون هناك لاحقآ اجراءات اقتصادية اخري في الطريق... 2- ***- كان خطاب النميري مساءآ بقاعة "مجلس الشعب" - اي -وقبيل سويعات من مغادرته الخرطوم الي اميريكا، ***- وفي صباح اليوم التالي اندلعت اولي شرارات الانتفاضة من جامعة امدرمان الاسلامية تندد بخطاب النميري المحبط ودفاعه عن الزيادات، وتاكيده بمزيد من الاجراءات الاقتصادية الجديدة، ووصلت المظاهرة الطلابية الي الخرطوم وتضامنت معها الجماهير، وتحركت المظاهرة الكبيرة الي القصر، وفي هذه الاثناء كان موكب النميري في طريقه لمطار الخرطوم، وسمع النميري الهتافات الداوية، فسأل بقلق نائبه الأول اللواء عمر الطيب عن هذه الهتافات واسبابها?!!...فطمأنه النائب الاول بانها "مجرد مظاهرة صبيانية لا اكثر ولا اقل"!! 4- ***- وطار النميري مع زوجته وبصحبة وفد رئاسي كبير الي اميريكا تاركآ خلفه سودان يحكمه نائبه الاول الجنرال الصارم والذي يشغل ايضآ منصب مدير جهاز الأمن القومي، ولكن جاءت الرياح بما تشتهي سفن النظام، فقد ازدادت المظاهرات حده وتوسعآ في كل مكان، ***- وفلتت زمام الامور تمامآ من يد اللواء الصارم، فلجأ لسياسة "التحنيس"!!...وراح يعلن عن تخفيضات في اسعار الخبر والدقيق، وانه لاحقآ ستكون هناك اجراءات جديدة للحد من ارتفاع السلع الضرورية، ولكن ثورة الشعب كانت اقوي من اي اغراءات او تنازلات... 5- ***- وانهار نظام 25 مايو تمامآ في يوم 6 ابريل - اي بعد 10 أيام من سفر النميري-، وطلب النميري حق اللجوء في مصر، وتمت محاكمة عمر محمد الطيب وبقية الضباط الذين قاموا بالانقلاب المايوي...وما انخفضت الاسعار...ولا تم حماية الدعم!! 6- ***- ويالمهازل القدر وسخرياته، فبعد 28 عامآ من سفر المشير النميري الي اميريكا ( تذكرة ذهاب فقط) عام 1985، يعيد التاريخ نفسه عام 2013 مع المشير البشير بنفس التفاصيل القديمة - الجديدة ورفع الدعم عن السلع الضرورية وزيادة اسعار المواد البترولية والغاز!!...بل والاغرب من كل هذا، ان الاعلان عن هذه الاجراءات الجديدة قد تمت بنفس طريقة واسلوب نميري الاستفزازية: (الشعب سيتقبل هذه الزيادات غصبآ عنه)!! 7- ***- لا نعرف اذا كان البشير قد نوي بالفعل السفر الي اميريكا ام لا ?!!...ولكن الشئ الذي يعرفه البشير تمامآ ،ان هذه الاجراءات الاقتصادية المؤلمة لملايين الناس لن تمر مرور الكرام هذه المرة، وان تحت الرماد وميض شرر، وان سفره لنيويورك قد تكون اخر سفرياته كرئيس!!