الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة رئيسة ( حق ) هالة عبد الحليم في ندوة الامس
نشر في سودانيات يوم 23 - 02 - 2014


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل 5 سنوات، وبالتحديد في أبريل 2009، وجهت لي دعوة للتحدث في ندوة عن نفس موضوع ندوتنا الليلة، "الوضع السياسي الراهن". وقد قلت في تلك الندوة، قبل 5 سنوات، حديثاً لا يختلف كثيراً عما سأقوله اليوم، حتى أن نفسي راودتني أن أختلس كلمتي في تلك الندوة وأقرأها كما هي عليكم الليلة، وأنا متأكدة أنكم لن تلاحظوا فرقاً، إلا في بعض التفاصيل البسيطة. لقد قلت في تلك الندوة، مثلاً:
"حينما يتحدث الناس عن "الراهن" فهم يعنون أن هناك ماضي وأن هناك مستقبل، هم يعنون أن هناك حركة وأن الأشياء تتغير وأن هناك فرق بين الأمس واليوم والغد. ولكن الوضع السياسي في السودان ظل كما هو لفترة طويلة جداً مضت، كما أنه، وفقاً لكل المؤشرات، سيظل كما هو لفترة طويلة قادمة أيضاً." وقلت أيضاً:
"نحن الآن أمام سلطة سقطت كل شعاراتها وكل برامجها، بل ولم يبق لها إلا أن تسقط هي أيضاً، ولذلك فإنها لم تعد تفعل شيئاً سوى ابتياع الزمن. إنها سلطة رزق اليوم باليومليس إلا، وبعد أن فقدت كل مبررات وجودها واستمرارها، تعيش على افتعال واصطناع وفبركة مبررات جديدة... غير أن النظام لا يتردد مطلقاً في تقطيع أوصال المواطنين العزل والطلاب المسالمين، ولا يكف عن تصعيد الحرب على مواطنيه حتى داخل معسكرات النزوح ولاعن حرمانهم من أسباب المعيشة والحياة." ولخصت كلامي آنذاك بالقول:
"السمات العامة للأوضاع في السودان والحقائق الرئيسية فيه هي أولاً: أن هناك حزباً واحداً، حزب المؤتمر الوطني، يمسك بكل مفاصل السلطة ويسيطر على كل مقدرات البلاد، وأن الآخرين جميعاً، هم على هذا القدر أو ذاك من التهميش. وثانياً: أن المؤتمر الوطني ليس في ذلك الوضع بفضل قوته أو إنجازاته، وإنما بفضل ضعف وفشل الآخرين، وأنه كلما ازداد المؤتمر الوطني ضعفاً كلما ازداد ضعف معارضيه أكثر وأكثر، وهكذا، مما يعني بل ويؤكد في نهاية المطاف الحقيقة الرئيسية الثالثة والأخيرة وهي أن هذا الضعف المتبادل، هذا الكساح وهذا الشلل الشامل يدفع البلاد دفعاً نحو هاوية بلا قرار."
تلك كانت هي السمات الرئيسية للوضع السياسي الراهن في السودان قبل 5 سنوات، فهل هناك أي قدر ملموس من التغيير في تلك السمات اليوم؟ أظن أن الإجابة واضحة.لذلك، أقول الآن، كما قلت حينذاك، أن كلمة "الراهن" حينما تتبع مصطلح "الوضع السياسي" في السودان، هي تزيد لا معنى له؟ ويكفي أن نقول "الوضع السياسي في السودان" بدون راهن ولا غيره، فالحال من بعضه.
المشكلة الرئيسية والمأساة الحقيقية تتضح حينما نسأل أنفسنا: كم يا ترى من المواطنات والمواطنين السودانيين فقدوا حياتهم وهلكوا في خلال هذه السنوات الخمس فقط، دع عنك ما سبقها من عقود، كم طفل فقد أبويه؟ كم شاب في مقتبل العمر فقده أهله؟ كم أم ثكلت، وكم أب تمزقت نياط قلبه؟ بفعل الحروب الهوجاء والصراعات والنزاعات المسلحة المستمرة في كل أصقاع الوطن، أو ما تبقى منها، نطفئها هنا لتشتعل هناك، ونخمدها اليوم لتندلع غداً؟ كم ماتوا بفعل الأوبئة والأمراض المستوطنة، بل وبالأمراض البسيطة أيضاً، وكم من الأمهات غادرن هذه الحياة وهن يهبنها في غرف الولادة الملوثة؟ كم من الأطفال يهيمون على وجوههم، بيوتهم الشوارع، ومأواهم الخيران والمجاري، بلا تعليم ولا مستقبل، وكم طفل تسرب من الدراسة البائسة، أو أخرجه أبواه منها لعدم قدرتهم على تحمل المصاريف؟ كم من مئات الآلاف، بل والملايين من الشباب، أضيفوا لصفوف البطالة، وتغلق أمامهم أبواب الحياة الكريمة يومياً؟ كم من النساء اغتصبن في مناطق الحروب والنزاعات، وكم من الفتيات جلدن وأهينت كرامتهن بفعل قوانين النظام العام الحقيرة؟ كم وكم وكم؟؟؟؟؟ كم من الخسارات الفادحة على مختلف الأصعدة؟ كم من الفرص المفقودة والمهدرة؟
بالطبع فإن النظام الحاكم مسئول تماماً عن كل تلك الخسارات الفادحة والمآسي والآلام الفظيعة، ولكننا قطعاً لن نكون أمناء لو قلنا أن النظام وحده هو المسئول عن كل ذلك. نحن أيضاً مسئولون، نحن كمعارضة للنظام، أفراداً كنا أم تنظيمات، في الإجماع الوطني أو خارجه، في المقاومة المسلحة أو المدنية. نحن مسئولون عن كل ذلك ومساهمون في تكريسه عبر فشلنا وعجزنا، وبسبب تغليب المصالح الحزبية والشخصية على المصلحة الوطنية العليا، وبسبب انعدام المبدئية وفقدان العزيمة والإرادة السياسية. يجب أن نواجه أنفسنا بصراحة. لقد كان من أهم أهداف الفترة الانتقالية التي أعقبت نيفاشا، تحقيق الوحدة الجاذبة وإنجاز التحول الديمقراطي، فماذا حدث؟ لقد انتهت الفترة الانتقالية ليس فقط بتحقيق الانفصال، وإنما أيضاً بانتقال الحرب إلى مناطق جديدة في الشمال. وليس فقط بالفشل في إنجاز التحول الديمقراطي، وإنما بتكريس الشمولية والدكتاتورية والقمع في بلدين، بدلاً من بلد واحد! ألم يحدث ذلك بتآمر صريح من الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي لم تكن آنذاك جزءاً من النظام فقط، وإنما كانت أيضاً جزءاً من المعارضة. ألسنا أيضاً مسئولون عن ذلك عبر تفريطنا وتعاملنا قصير النظر والمساوم في الانتخابات العامة والرئاسية السابقة في 2010؟
تطرح الآن دعوة ما للحوار، وهي دعوة تتسم بالغموض والإبهام والالتباس إلى حدود كبيرة، فمثلاً تم توجيه الدعوة لبعض الأحزاب، بينما أهملت أحزاب أخرى، وكذلك فقد أطلقت الدعوة بعد أن انخرط عدد من الأحزاب في ذلك الحوار فعلاً ومسبقاً، بل وقطع فيه شوطاً لا بأس به، إن لم يكن قد توصل بالفعل إلى اتفاقات كاملة، فهل تلك الأطراف هي جزء من الحكومة أم من المعارضة الآن؟ هل هي من الأطراف المدعوة للحوار، أم هي من الأطراف الداعية له؟ هؤلاء، للأسف، هم الذين لم يكفوا لحظة واحدة عن وعظنا بأن "من جرب المجرب حاقت به الندامة"! وهذا بالضبط هو ما تريده السلطة، أن تحاور نفسها في نهاية الأمر، أو ألا تحاور احداً.
رحى الحرب لا تزال تهلك النسل والحرث في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ولا تزال همجية القصف بكافة أنواع الأسلحة والقنابل بما يشمل المحرمة دولياً وفق ما تورده جهات إعلامية متعددة، مستمرة. من الواضح أن النظام قد فشل في تحقيق أي اختراق عسكري في تلك المناطق، وأنه قد تعرض لهزائم قاسية وباءت حملاته بخسران مبين. الخسارات الضخمة التي تلحق بالنظام، تقابلها ايضاً من الجانب الآخر أيضاً وقائع واحتمالات سلبية تتمثل، على سبيل المثال لا الحصر، في الحرب التي اندلعت في دولة جنوب السودان. لقد دخل قطاع الشمال من الحركة الشعبية في جولة مفاوضات جديدة مع النظام، وهذا يتم في إطار قرارات دولية، غير انه من جانب آخر يفت في عضد الجبهة الثورية، التحالف الأوسع للمقاومة المسلحة، لاستثنائه حركات دارفور والتي تتفاوت مواقفها من التفاوض فيما بينها من رافض من ناحية مبدئية، لباحث عن منصات ومنابر جديدة.
لقد اطلق النظام دعوته الملتبسة للحوار لأسباب تتعلق به هو نفسه، ولا تتعلق بالأزمة الوطنية الشاملة. المقصود من هذه الدعوة هو حل أزمة النظام وليس حل الأزمة الوطنية ودليلنا على ذلك بكل بساطة هو أن هناك قضايا حلها في يد النظام بصورة كاملة ومطلقة ولا يحتاج النظام للتفاوض مع المعارضة ولا مع أي جهة أخرى للتوصل إلى حلول لهاوتنفيذها. مثلاً، النظام لا يحتاج للتفاوض مع المعارضة حتى يلتزم هو بنصوص دستوره، لا المعارضة ولا أي جهة أخرى تمنعه من ذلك، وإنما هو نفسه الذي نكص عن الالتزام والتقيد بدستوره، بإصداره عمداً لقوانين تخالف الدستور، وبتعمده استمرار سريان قوانين تتعارض مع الدستور، وبقيامه بممارسات وإجراءات تنتهك الدستور انتهاكاً واضحاً وصريحاً. قد يكون الذين يقولون أن النظام جاد هذه المرة في دعوته للحوار على حق، ولكنه جاد في حوار يفضي إلى حل أزماته هو، وإلى تشديد قبضته على السلطة، وإلى إطالة عمره حتى ولو من خلال تحالف أوسع.
المستجيبون لدعوة الحوار هذه أو المهرولون للاستجابة، وفيهم أطراف استجابت قبل إطلاق الدعوة ذاتها، مدفوعون، بنفس القدر، ليس بالرغبة في حل الأزمة الوطنية وإنما بالرغبة في حل أزماتهم مع النظام من خلال توسيع ماعونه الآخذ في الضيق والانكماش. إذا كان الدافع هو معالجة الأزمة الوطنية، فكيف يبرر أولئك الذين ملأوا الآفاق وزحموها، بحق وبغير حق، بنقد ومهاجمة الاتفاقات الثنائية، والتي كانت قد أبرمت علناً وفي رابعة النهار، أن يدخلوا هم أنفسهم الآن في حوار ثنائي مع النظام سراً وتحت جنح الظلام؟ ما نراه ليس بعيداً عن النزوع التاريخي لبناء تحالف أهل القبلة. أما بالنسبة لأطراف أخرى في هذه المجموعة المهرولة فإن موقفهم منسجم تماماً مع تراجعهم الصريح عن ورفضهم التام والقاطع لمبدأ الدولة المدنية والذي اتضح في آناء النقاش حول وثيقتي البديل الديمقراطي والإعلان الدستوري لقوى الإجماع الوطني.
إن التحالف الجديد الذي يجري بنائه في إطار النظام القائم مع بعض التعديلات الشكلية، هو تحالف يقوم في جوهره على أساس آيديولوجي وهذا، في حد ذاته وبصرف النظر عن أي أيديولوجية نتحدث، ينافي ويتناقض مع الزعم بأن المطلوب هو حل من خلال إطارقومي عريض يشمل كافة القوى الوطنية في السودان. هذا الاصطفاف الآيديولوجي مدفوع بالهزيمة ذات الآثار العميقة وبعيدة المدى التي تلقاها تيار الإسلام السياسي عموماً والإخوان المسلمين خصوصاً في مصر وتونس. في ظل الأزمات العميقة التي دخل فيها النظام والفشل الذريع في إدارة الحكم، وبضغوط متعددة داخلية وخارجية، يتم بناء التحالف الجديد لقوى الإسلام السياسي لدعم إخوتهم في الشمال وفي المنطقة. النظام في مأزق، فهو لا يستطيع، نتيجة الضغوط النافذة الخارجية، إلا توفير القواعد الخلفية للإخوان المسلمين في مصر، وفي ذات الوقت فهو يدرك أنه من الهشاشة بحيث لا يستطيع تحمل عواقب هذا الموقف صراعاً مع النظام الجديد في مصر. هذا التحالف الآيديولوجي مطلوب لمساعدة النظام على الخروج من هذا المأزق، أما على صعيد الأزمة الوطنية، فسيؤدي هذا التحالف إلى فركشة قوى الإجماع الوطني، كما سيكون واجهة للنظام لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وجبهة موحدة لمفاوضة الجبهة الثورية بعد محاصرتها إقليمياً وإضعافها.
لقد واجهت قوى الإجماع الوطني، أو ما تبقى منها، دعوة المؤتمر الوطني للحوار بالرفض التام، وبنبرة عالية ومتحدية. فحينما طالبنا داخل قوى الإجماع بأن يكون ردنا على الدعوة هو ضرورة أن يقوم النظام بإجراءات لتهيئة الأجواء للحوار تتضمن رفع القيود عن الحريات وإيقاف إطلاق النار وغير ذلك، أصر البعض على أن تعلن تلك المطالب كشروطوأن تتضمن قبول النظام المبدئي لقيام حكومة انتقالية. في رأينا أن موقف قوى الإجماع، والمطالب باتخاذ إجراءات لتهيئة المناخ للحوار أولاً، هو موقف سليم في جوهره، إلا أن الطريقة التي يحاول البعض بها إخراج ذلك الموقف وصياغته في شكل شروط، مصراً على أنها ليست مطالب وإنما شروط وواضعاً خطين تحت كلمة شروط في كل سطر، هذه الطريقة لا تخدم قضية قوى الإجماع الوطني مطلقاً بل تضعفها تماماً وتظهر هذه القوى بمظهر من يضع العراقيل أمام الحلول التفاوضية وبمظهر الرافض للحوار من ناحية مبدئية، وهذا ليس في مصلحة قوى الإجماع بتاتاً. نحن، كحركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)، داخل قوى الإجماع الوطني نقف مع مطلب تهيئة الأجواء لحوار صحيح يتم بندية حول قضايا الأزمة الوطنية الحقيقية، ليس تنطعاً ولا رغبة في فرض الشروط وإنما لأن ذلك هو المدخل الصحيح لحوار معافى. وفي ذات الوقت نحن ندرك أن هناك أساليباً ووسائل وطرق متعددة لمعالجة مسألة تهيئة الأجواء هذه بصورة إيجابية وفي مصلحة الحل التفاوضي، وأنه يجب تناول هذا الأمر بما يستحقه من جدية.
إن ما تحتاجه قوى الإجماع الوطني، الآن أكثر من أي وقت مضى، هو إعمال العقل والتدبير والحنكة السياسية، لا إعمال العقيرة والحناجر بالصراخ والهتافات المدوية والشعارات العنترية. ما تحتاجه أولاً: نظرة إلى داخلها هي ذاتها، نظرة نقدية شفافة ومسئولة وأمينة وصادقة مع النفس تسلط الأضواء على مواطن الخلل والقصور والضعف والفشل طوال الفترة الماضية، تحدد الأسباب الحقيقية وتصف العلاجات الناجعة مهما كان مذاقها مراً. إن الاستمرار بالطريقة العقيمة القديمة لم يعد ممكناً. هناك امتحان حقيقي يواجه قوى الإجماع الآن وفي هذه اللحظة بالذات، هو امتحان سياسي وأخلاقي في آن معاً، وفي طريقة حله سنرى ما إذا كانت قوى الإجماع راغبة فعلاً في معالجة القضايا بروح الجدية والحسم كما هو مطلوب، أم بوسائل المساومة والتسويف كما درجت. الامتحان هو كيف يتسنى لقوى الإجماع أن تتخذ هذا الموقف المتشدد من الدعوة للحوار وفي ذات الوقت تقبل داخلها وضمن مكوناتها الرئيسية ببقاء قوى خرتت يدها تماماً من أي التزامات سابقة وانخرطت في ذلك الحوار فعلاً ومسبقاً؟
ثانياً: إن خروج قوى بعينها من قوى الإجماع هو أمر مؤسف، ولكنه ليس كارثة، وليس نهاية الطريق. لقد كنا نعول على وحدة أكبر قطاع من القوى الوطنية في مجابهة الإنقاذ، ولم يكن أمر الحفاظ على تلك الوحدة هيناً أو يسيراً، إنما كان طريقاً وعراً مليئاً بالعقبات والإحباطات. أما الآن وقد خرج من خرج بينما آخرون في طريقهم للخروج، فإننا نعول على وحدة أكثر متانة بين القوى الباقية داخل الإجماع الوطني، وعلى وحدة أكثر كفاءة وفعالية. بوسع قوى الإجماع أن تحول الأثر السلبي لخروج أطراف منها من التحالف إلى طاقة إيجابية، وأن تتجه الآن لتعزيز طاقاتها بالاقتراب أكثر من الجماهير والقوى الشعبية، وبناء قواعد التحالف وسطها، وتصعيد وتعزيز قدراتها وإمكاناتها، بما يجعل من قوى الإجماع الوطني جبهة جماهيرية شعبية حقيقية.
ثالثاً: بدلاً من محاورة النظام، فإن على قوى الإجماع أن تعمل الآن وفوراً وأولاً للدخول في حوار عميق وشفاف مع الجبهة الثورية، ليس مثلما حدث مع وثيقة الفجر الجديد، حوار واضح وبناء يهدف إلى تكوين جبهة معارضة واحدة موحدة القيادة والاستراتيجيةوالخطط، متعددة الوسائل. كما قلنا فإن النظام يستهدف من تكتيكاته الحالية بناء صف موحد بإزاء الجبهة الثورية. إذن لنهزم هذا التكتيك بتوحيد الصف مع الجبهة الثورية.
خلاصة الأمر في النهاية ثلاثة أشياء:
أولها: أن الحوار ليس هو القضية، الحوار هو مجرد وسيلة وليس غاية في حد ذاته. الاتفاق أو الاختلاف حول الحوار هو اختلاف نسبياً ثانوي. القضية الأساسية هي الموقف النهائي من هذا النظام، مصالحته أو إسقاطه. هذه هي القضية الحقيقية والتي يحاول الكثيرون أن يدفنوها تحت أكوام وركام من القضايا الزائفة.
وثانيها: أن المطروح على الطاولة الآن ليس دعوة للحوار، وإنما هو دعوة للإلحاق بالنظام، فقد شرعت القوى المعنية بأمر الحوار في حوارها مع النظام وهي بصدد إكماله، وهي تسعى الآن لإلحاق الآخرين به.
وثالثها: أن هناك مستحقات ضخمة على قوى المعارضة بكل أطيافها، المدنية والمسلحة، داخل قوى الإجماع وخارجها، وهذه المستحقات واجبة السداد سواء قبلنا بالدخول في حوار مع النظام أو رفضنا ذلك، وسواء انتهجنا طريق الحل التفاوضي، أو طريق المقاومة المسلحة، وأنه قد آن الأوان لنعد لكل حالة عدتها، إذا اخترنا الحوار والتفاوض فعلينا أن نستعد له كما يجب، وإذا رفضنا الحوار والتفاوض فعلينا أيضا الاستعداد لمتطلبات الخيارات الأخرى، ما لم يعد مقبولاً، وما لم يعد من الممكن السكوت عليه هو الركون إلى حالة العجز والعقم والهروب والخداع هذه، لا نحن قادرون على الحوار ولا نحن مؤهلون لغيره، لأن الثمن، ثمن هذه اللكلكة، غال جداً، الثمن الذي يدفعه أبناء وبنات هذا الشعب يوميا من حياتهم ومن حقوقهم في الحياة وفي الأمن والأمان والصحة والعلاج والتعليم والمسكن والمأوى والعمل والحياة الكريمة دون أمل، ودون طائل.
( بث مباشر لندوة حق التي يخاطبها قادة من الاجماع الوطني و الجبهة الثورية )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.