إن تردي مفاهيم الإدارة والأداء في الخدمة المدنية أمر اعترف به العديد من الخبراء، نتيجة لتردي معايير الترقية والتعيين والأداء الوظيفي في الخدمة المدنية، وفي صورة أخرى منها التعدي على المال العام، ونجد أن هنالك إدارات عديدة غير ناجحة، ولكن لها سلطات واسعة لارتباطها بالهيكل السياسي في الدولة على حد السواء الأمر الذي أدى إلى خروج الكثير من ذوي الكفاءة إلى خارج البلاد وما يحدث الآن من تعدٍ على المال العام سببه سوء الإدارة، بمعنى أن هنالك معالم أخيرة تؤثر على الأداءالاداري للخدمة المدنية. وبهذه الاعترافات التي صدحت بها وزيرة تنمية الموارد البشرية والعمل «إشراقة» عن وزارة تهم العاملين بالدولة وتؤكد على فسادها، هذا يعني أن الخدمة المدنية في السودان تواجه العديد من المشكلات والفساد الإداري والمالي، وهذا سببه إخفاق مؤسسات الخدمة المدنية لعدم تطبيقها قوانين العمل ولوائح الخدمة المدنية العامة، ولقد ظلت هذه المشكلات قائمة منذ بداية تاريخ الخدمة المدنية في البلاد حتى يومنا هذا، ولم تتدخل الجهات المسؤولة عن الخدمة المدنية على مستوى الدولة بصورة مباشرة، بل ظلت مكتوفة الأيدي تراقب من بعيد، كما أن بعض مؤسسات الخدمة المدنية لديها أجندة وسياسات تتعارض مع قوانين العمل ونتيجة لتلك السياسات الخاطئة التي أحدثت جدلاً كثيفاً نتساءل: هل ستصمد الوزيرة وستتابع ملفات الفساد من الشارع على حد قولها سابقاً أم ستستقيل من الوزارة؟ في وقت طالبت فيه النقابة الوزيرة بتقديم استقالتها، فيما أعلنت إشراقة استنكارها للهجوم الكاسح الذي شنته النقابة الفرعية، وقالت هذه محاولة لاستفزازها وتراجعها عن القرار الذي أصدرته آنذاك بعدم تحصيل الأموال خارج أورنيك (15). وتعود تفاصيل الخلافات الحالية منذ أن صعَّدت إشراقة حملتها ضد مكافحة الفساد بوزارتها لاكتشافها تفاصيل ملفات الفساد بالوزارة، من بينها تجاوزات واحتيالات على قانون الخدمة المدنية، وتزوير ترقيات لعدد من قيادات نقابة العمال لم تمر على الوزير المعني، أشارت إلى تحويل ملفات اثنين من أعضاء النقابة لوزارة العدل والمراجع العام لممارستهما فساداً ومخالفات إدارية، تتعلق بإنشاء مكاتب للاستقدام واستغلال سلطاتهما ونفوذهما لجمع أموال من المواطنين بصورة غير شرعية، وقطعت بعدم تراجعها عن هذا القرار، وأضافت أن جملة الأموال التي تم تحصيلها بلغت «300» مليون جنيه في الشهر، في حين أن الخدمات التي تقدمها النقابة لا تتعدى «300» مليون في السنة. في ذات الوقت اتهمت مدير إدارة الشؤون المالية هاشم ميرغني الذي ارتكب «14» مخالفة مالية وإدارية أقلها «26» ألف جنيه شهرياً، وأكدت أن هذا المدير الذي تقف معه النقابة لحماية أموالها ليس موظفاً بالخدمة المدنية، بجانب أنه ترقى خلال خمس سنوات من الدرجة الثامنة إلى الثانية «بتزويره مستندات»، ووصفت إجراءات تعيينه أشبه بحادثة «طبيب عطبرة»، وأضافت أن هنالك خللاً إدارياً كبيراً، كما أشارت في تصريحات سابقة أن الأمين العام للنقابة الطيب العبيد قام بتزوير إعادة تعيينه دون المرور على الوزير، وتمت ترقيته من الدرجة الثامنة للخامسة في ظرف عامين فقط، وأكدت أن ما تتعرض له من هجوم بسبب تصديها لفساد النقابة، وشددت على أن الوزارة ماضية في طريق الإصلاح بقوة بدعم كبير من جميع الموظفين، وتصاعدت أمس وتيرة الخلافات داخل الوزارة بين قيادات الوزارة والنقابة الفرعية للعاملين بسبب قرار الوزيرة الذي قضى بإيقاف عدد من العاملين بالوزارة وتشكيل لجان للتحقيق معهم، وأصدرت توجيهات على موظفي الاستقبال بعدم السماح لاعضاء النقابة بالدخول في ذات الوقت هددت النقابة بتصعيد القضية. وفي ذات السياق أفادنا مصدر (مأذون) بالوزارة أن الخلافات التي تدور الآن بالوزارة سببها التجاوزات المالية والإدارية التي أشارت إليها الوزيرة، وبذلك اتجهت الوزيرة إلى عمل احترازي منعت النقابة الفرعية من الدخول للوزارة إلى أن تفضى القضية في ذلك، لافتاً ألى أن الإصلاح الإداري الذي تتحدث عنه يجب أن يكون بكل شفافية، خاصة أن هنالك محاسبين تم نقلهم من قبل ديوان الحسابات والمالية منذ العام «2010م» ولكن لم تتم إجراءات نقلهم حتى الآن، متسائلاً: لماذا ظلت الوزارة متمسكة بهؤلاء المحاسبين؟ وهل ديوان الحسابات غير قادر على تحريك محاسبين بالدرجة الثامنة من آلاف المحاسبين في المؤسسات الحكومية، ومن المستفيد منهم بالوزارة؟! وما بين تأكيدات الوزيرة على وجود فساد، ومن الطرف الآخر التهديدات التي تلوح بها النقابة القيام ضد الوزيرة يظل الأمر معلقاً إلى حين إشعار آخر.