مفاوضات الخرطوم أم الوصاية؟ خالد التجاني النور أعلنت الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس ثابو إمبيكي بالأمس وصول الجولة المستأنفة للمفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى طريق مسدود, وأقرت أنه لم يعد بوسعها جسر الهوة بين مواقف الطرفين ولذلك فإنها ستعيد الأمر لتضعه بين يدي مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي صاحبي التفويض. سيسيل حبر كثير وستطلق الكثير من التصريحات من قبل الطرفين تتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن انهيار المفاوضات, وعمن يتحمل القسط الأكبر من وصول التفاوض إلى طريق مسدود, وبغض النظر عما يمكن أن يقال فإن المؤكد أن المواقف التي أعلنا عنها في طاولة المفاوضات هي من قبيل المناورات ولم يكن الغرض منها بأي الحل الوصول إلى تسوية وإلا لكان ذلك ممكناً, فقضية الجنوب الأكثر تعقيداً جرى التوصل إلى تسوية بشانها في وقت أقل من هذا الذي استغرقته مفاوضات المنطقتين التي تم التوصل إلى اتفاق إطاري مجهض بشأنها قبل ثلاث سنوات عشية إعلان استقلال جمهورية جنوب السودان. ذهب الطرفان للتفاوض ولكل حساباته فالحركة الشعبية شمال لم يكن بوسعها التوصل إلى تسوية ثنائية لتترك حلفاءها في الجبهة الثورية وهي تعلم قدرة الخرطوم على إبرام هذا النوع من التسويات الجزئية التي تخدم أجندتها دون أن تحقق بالضرورة مطالب الخصم, وذلك ما تشهد به سلسلة الاتفاقيات الثنائية الطويلة المجهضة, وذهبت الحكومة للتفاوض في أديس أبابا لتبعد عن نفسها شبهة عدم الإلتزام بقررات إفريقية ودولية تلزمها بذلك, كما أنها ليست في حاجة للوقوع تحت براثن المزيد من الضغوط الدولي التي تعاني منها الأمرين, وعادت للمفارقة تتمسك بالقرار 2046 لأنه يحقق لها غرض التفاوض الثنائي لتسوية جزئية تتعلق بالمنطقتين فحسب. وعلى الرغم من أن من يدفع الكلفة الحقيقة لانهيار المفاوضات واستمرار الصراع المسلح في جنوب كردفان والنيل الأزرق هم غمار الناس الذين ظلوا ينتظرون تدخلاً إنسانياً لإغاثتهم من آثار الحرب المدمرة, ومع ذلك فإن خبر وصول المفاوضات إلى طريق مسدود وإلى انعدام الأمل في رؤية مستقبل لها أمر جيد لأنه ببساطة ينهي انتظار أمل كذوب لهؤلاء البسطاء المكتوين بنيران الحرب تحت مزاعم مفاوضات غير منتجة, كما أن من شأن ذلك إعادة قضيتهم إلى الواجهة بعد طول نسيان وهو ما يعني أن جميع الأطراف المتورطة في الصراع محلياً, وتلك الإقليمية والدولية الساعية للوساطة تتحمل المسؤولية عن استمرار معاناتهم تحت لافتة عملية تفاوض عبثية متطاولة تأكد تماماً أنها لن تحمل لهم لا سلام ولا استقرار ولا دعماً إنسانياً. الخبر السعيد في بيان الوسطاء الأفارقة إقرارهم باستحالة تقريب وجهات النظر بين طرفي التفاوض, ويُحمد لهم أنهم لم يعمدوا إلى الاستمرار في بيع أوهام التسوية السلمية بالوعد بجولات تفاوضية أخرى بعدما تأكد تماماً أن مواقف الطرفين لا يمكن تجسيرها, وأنها قنعت من الغنيمة بالإياب ولذلك قررت إعادة الأمر إلى جهة التفويض. إذن وما هو الحل؟ الحل ما شهدت به الحكومة على نفسها فقد ورد ببيان وفدها" إن الحركة الشعبية قطاع الشمال نصبت نفسها وصياً على اهل السودان باصرارها على طرح كل قضاياه القومية في المنابر الخارجية تجاوزا للسيادة والارادة الوطنية ودون تفويض من الشعب السوداني وإغفالها عن عمد لدعوة الحوار التي إنطلقت فى السودان والتي إنخرطت فيها وبفعالية غالب القوي السياسية". يعرف الناس أن ما حاولت أن ترمي به الحكومة خصومها من منقصة الحلول الخارجية هو عين ما ظلت تبوء بإثمه على مدار عهدها في السلطة, وعلى الرغم من علو صوتها بالسيادة الوطنية فلم يعرف السودان نظام حكم جلب التدخل الخارجي في الشؤون الوطنية سياسياً وعسكرياً مثلما فعل نظام الحكم الحالي, وقد قاد ذلك إلى تقسيم البلاد وإغراقها في أتون الأزمة العميقة الراهنة. فإذ كانت الحكومة جادة في دعوتها للحوار , وحريصة على الحلول الوطنية, وليست التسويات المستوردة من الخارج فعليها أن توقف فوراً الانخراط في أية مفاوضات خارجية في أي شأن وطني, وعليها أن تدعو فوراً إلى مفاوضات في الخرطوم حول القضايا الوطنية كافة بمشاركة جميع الأطراف السودانية دون قيد أو شرط مسبق وأن توفر الضمانات الكافية لنجاحها, أو علينا أن نستعد لاستمرار الوصاية الإقليمية والدولية على البلاد.