مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعظيم شعيرة الحج وفضل أيامها الذهبية
نشر في وكالة السودان للأنباء يوم 14 - 10 - 2012

يقول تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" أي معالم دين الله والأعلام التي نصبها لطاعته ، فتعظيم مناسك الحج عمومًا من تقوى القلوب، وتعظيم شعائر الله تعالى يكون بإجلالها بالقلب ومحبتها وتكميل العبودية فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: "وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلّى أحدهما عن الآخر فسدت"، وفي الحديث قال : ((لا تزال هذه الأمة بخير ما عظّموا هذه الحرمة يعني: الكعبة حق تعظيمها، فإذا ضيّعوا ذلك هلكوا)). فها هي أفئدة من الناس تتقاطر إلى هذا البيت العتيق بيت الله الحرام مكة المكرمة البلد الأمين أم القرى دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام تهوي إليه أفئدتهم قبل أجسامهم يفدون إليه رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . إن من تأمل قصة هذا البيت العتيق وما مر به عبر القرون والعصور وهو شامخ البنيان ثابت الأركان بدأ في واد غير ذي زرع لا ماء به ولا شجر ولا شيء، ليس به أنيس ولا جليس ونراه اليوم بيتا معمورا لا تمر لحظة إلا وفيه طائف أو راكع أو ذاكر أو ساجد، بلد كان لا يقصده القاصد إلا ووصيته مكتوبة عنده، لأن شد الرحل إليه مظنة من مظان الهلاك إما تيها أو جوعا وعطشا أو قطعا للطريق، وربما كان يقال عنه قديما الذاهب إليه في عداد المفقود والعائد منه كالمولود، لبعد المسافة ووعورة الطريق وقلة الزاد والراحلة. أن نعم الله تتوالى على عباده فيخلق ما لم يكونوا يعلمون ولا يحتسبون فيذلل لهم ركوب ثبج الهواء والبحار والبراري، ويؤمن لهم الطريق وينعم على عباده بالمركب الرخي والرزق الهني والمسكن السلي، ويكرم عبادا حملهم خدمة الحرمين الشريفين، ليفيضوا فيه مما أفاء الله عليهم فيسخرون نعمة الله خدمة لوفود بيته الحرام . ومع ذلك فإن الحج رحلة شاقة من العذاب وورود مشاق المناسك بأركان الحج وواجباته وسننه لم يأت في شريعتنا الغراء في دائرة الترف أو التنعم كلا، بل إن الحج عبادة تميزت باشتراك الجهد البدني والمالي فيه ومهما بلغت وسائل الراحة والترفه مبلغها في هذا العصر فلن يعفى أحد من التفث والشعث والمشقة إذ مشاق وجهاد المناسك إنما هي امتحان للمرء المسلم أيصبر أم يضجر وما منع الحاج مما كان حلالا عليه قبل الإحرام إلا لحكمة يعلمها سبحانه تشعر الناسك بالنصب والوصب والمشقة ، وإلا فما معنى المنع من قص الشعر وتقليم الأظافر والطيب ولبس المخيط والخطبة والنكاح ، إلا ليكن من أجل استحضار نعمة الله على العبد حال الترفه وترادف النعم. وحينما يمتنع الحاج والمعتمر عما حرمه الله عليه حال النسك وهي كلها من وسائل الترفه ليرسخ في أفئدتهم مبدأ الوقوف عند حدود الله والسمع والطاعة له في ما أباح وفيما حرم لا يجادلون في حرمة ذلك ويتلقونه بعين الرضا والتعبد للواحد القهار الذي منعهم من مزاولة وملابسة ما نهاهم عنه فيدركون أن الحكم لله وحده والأمر لله وحده، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ولا تقدِر أيّ قوةٍ في الأرض أن تجمَع الحجَّاج كلَّ عامٍ من أطراف الأرض ومن جميع أجناس البشر وطبقات المجتمعات وأصنافِ الناس، يأتون بقلوبٍ مملوءة بالشوق والمحبة، يتلذَّذون بالمشقَّات في الأسفار، ويفرَحونَ بمفارقةِ الأهلِ والأصحابِ والأوطان، ويحسّون أن ساعات الحجّ أسعدُ ساعات العمر، ويعظِّمون مشاعرَ الحجّ، وينفقون الأموال للحج بسخاوة نفس وطيبة قلب، ولا يقدر على ذلك إلا من خلق النفس البشرية وأوجدها وهو ربنا سبحانه وتعالى، وهو القائلُ لخليله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [ سورةالحج:27، 28]، فالحجُّ آية من آيات الله العظمَى على أنَّ مَا جاءَ به محمَّد هو الدِّين الحقّ، ذكر المفسرون ابنُ جرير وابن كثير وغيرهما عن ابن عباس أنَّ الله لما أمرَ خليلَه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أن يؤذِّن في الناس بالحج قال: يا ربّ، كيف أبلّغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: نادِ وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحِجْر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربَّكم قد اتخذ بيتًا فحجُّوه، فيقال: إن الجبالَ تواضعت حتى بلغ الصوتُ أرجاءَ الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابَه كلُّ شيء سمعه من حجر ومدرٍ وشجر، ومن كتب الله أنه يحجَّ إلى يوم القيامة. إنّ وقفاتٍ يسيرةً مع شعيرة الحجّ في كتاب الله تعالى لهي كفيلةٌ في كشف شيء من أسرار الحج وحِكَمه وما تحويه من معاني التكامُل والتهذيب، وما تشمله من معاني العقيدة ومسائل أصول الدين. تتمثّل هذه الوقفاتُ في أعظم الحِكَم والمقاصد لهذا النُسُك العظيم، إنها الوقفةُ مع توحيد الله جلّ وعلا الذي بُني البيتُ العتيق من أجلِه وجُعل قصدُ الناس إليه من أرجاءِ المعمورة لإذكاءِ شعيرةِ توحيد العبادةِ وخلوصها لله سبحانه لا شريكَ له، ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْراهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) [الحج:26]. إنّ التوحيد الخالصَ هو عماد خلافةِ الإنسان في الأرض، وهو أفضلُ ما يُطلب وأجلُّ ما يُرغب وأشرفُ ما يُنسَب، لا يُشيَّد الملك العتيدُ إلا على دعائم التوحيد، ولا يزول ويتلاشى إلا بفقده، وما عزّت دولةُ الإسلام إلا بانتشاره، ولا ذلَّت واستكانت إلا باندثاره. إن شعيرة الحج قائمةٌ في أساسها على تجريد التوحيد لله وحده لا شريك له؛ بل من أجل تحقيق التوحيد لله وحده والكفر بالطاغوت شُرع للحاج أن يستهل حجه بالتلبية قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ومن أجل تحقيق التوحيد شُرع للحاج أن يقرأ في ركعتي الطواف بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص والكافرون كما كان يفعل الرسول ، ومن أجل تحقيق التوحيد شرع التهليل للحاج عند صعود الصفا والمروة، فيستحب للحاج والمعتمر أن يستقبلَ القبلة عند صعوده الصفا والمروة ويحمدَ الله ويكبرَه ويقول: "لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ومن أجل تحقيق التوحيد أيضًا كان خير الدعاء يوم عرفة أن يقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. وفي مناسك الحج وشعائره تربيةٌ للأمة على إفراد الله سبحانه بالدعاء والسؤال والطلب والرغبة إليه والاعتماد عليه والاستغناء به عن الناس والتعفف عن سؤالهم والافتقار إليهم؛ فالدعاء مشروع في الطوافوالسعي وأثناء الوقوف بعرفة وعند المشعر الحرام وفي مزدلفة، كما يشرع الدعاء وإطالته بعد الفراغ من رمي الجمرة الصغرى والوسطى في أيام التشريق، شرع الدعاء في هذه المواقف الستة لتعليق القلوب بالله وإفراده بالعبادة والدعاء والالتجاء. فإنّ تنقّلَ الحجاج بين المشاعر وطوافَهم حول البيت العتيق وتقبيلَهم للحجر الأسود ورميَ الجمار وغيرَه كثير، كلّ ذلك أمثلةٌ حيّة لتحقيق هذا الانقياد لشرع الله تعالى وقبولِ حكم الله عز وجل بكل انشراح صدر وطمأنينة قلب، ولا يتم حجك إلا بفعل هذه الشعائر، ، يقول تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أدْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [البقرة:208] أي: ادخلوا في جميع شرائع الدين، ولا تتركوا منها شيئًا. وفي الحجّ بخصوصه دعا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام فقالا: رَبَّنَا وَأجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:128]، فلقد دعوا لنفسيهما وذريتهما بالإسلام الذي حقيقته خضوع القلب وانقياده لربه، وذلك يتضمّن انقياد الجوارح، ورضِي الله عن الفاروق عمر إذ يقول عن الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) ووقفة أخرى مع شعيرة الحج ترسخ عندنا الولاء بين المؤمنين والبراءة من المشركين، وكم هو محزن حقًا تفرّق المسلمين شيعًا وأحزابًا وتمزقهم إلى دول متعددة ومتناحرة، وقد غلبتْ عليهم النعرات الجاهلية المختلفة، وإن فريضة الحجّ أعظمُ علاج لهذا التفرّق والتشرذم، فالحج يجمع الّشمل وينمّي الولاء والحبّ والنصرة بين المؤمنين، وإذا كان المسلمون يجمعهم مصدر واحد في التلقّي الكتاب والسنة وقبلتُهم واحدة فهم في الحج يزدادون صلة واقترابًا، حيث يجمعهم لباس واحد ومكان واحد وزمان واحد ويؤدون جميعًا مناسك واحدة. كما أن في الحج أنواعًا من صور الولاء للمؤمنين؛ حيث الحجُ مدرسة لتعليم السخاء والإنفاق وبذل المعروف أيًا كان، سواء أكان تعليم جاهل أو هداية تائه أو إطعام جائع أو إرواء غليل أو مساعدة ملهوف. وفي المقابل، يقول ابن القيم في تهذيب السنن: "استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين لا سيما في المناسك" ، لقد لبى النبيّ بالتوحيد خلافًا للمشركين في تلبيتهم الشركية، وأفاض من عرفات مخالفًا لقريش حيث كانوا يفيضون من طرف الحرم، كما أفاض من عرفات بعد غروب الشمس مخالفًا أهلَ الشرك الذين يدفعون قبل غروبها، ولما كان أهل الشرك يدفعون من المشعر الحرام أي: مزدلفة بعد طلوع الشمس خالفهم الرسول فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأبطل عوائد الجاهلية ورسومها كما في خطبته في حجة الوداع، حيث قال: ((كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع))؛ يقول ابن تيمية: "وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات مثل دعواهم: يا لفلان، ويا لفلان، ومثل أعيادهم وغير ذلك من أمورهم" ووقفة أخيرة مع شعيرة الحج تذكر الحاج وغيره ممن يشاهده في وسائل الإعلام تذكِّره بيوم الخروج من الدنيا إلى ميقات القيامة وأهوالها، فعلى الحاجّ إذا فارق وطنه وتحمّل عناء الرحيل بالسفر إلى تلك المشاعر أن يتذكّر يوم الرحيل عن الدنيا، وإذا لبس المحرِم ملابس الإحرام وتعبد لله بلباس تلك اللفائف فعليه أن يتذكر أنه سيوسَّد التراب بمثلها، وأنه سيلقى ربه على زيّ مخالف لزيّ أهل الدنيا، وإذا وقف بعرفة ورأى من ازدحام الخلق وارتفاع أصواتهم واختلاف لغاتهم فليتذكر موقف القيامة واجتماع الأمم في ذلك الموطن العظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. وان من أفضل أيام عشرة ذى الحجة روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ) وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام أعظم ولا احب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) وروى ( أفضل الأيام يوم عرفة). أنواع العمل في هذه العشر : الأول : أداء الحج والعمرة ، وهو أفضل الأعمال ، ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) وغيره من الأحاديث الصحيحة . الثاني : صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها - وبالأخص يوم عرفة - ولاشك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه ، كما في الحديث القدسي : ( الصوم لي وأنا أجزي به ، انه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله ، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) متفق عليه . ( أي مسيرة سبعين عاماً ) ، وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ) . الثالث : التكبير والذكر في هذه الأيام . لقوله تعالى : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ ) وقد فسرت بأنها أيام العشر ، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أحمد رحمه الله وفيه : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد وعن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم . وروى إسحاق رحمه الله عن فقهاء التابعين رحمة الله عليهم انهم كانوا يقولون في أيام العشر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها ، لقوله تعالى : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد ، و السنة أن يكبر كل واحد بمفرده ، وهذا في جميع الأذكار والأدعية إلا أن يكون جاهلاً فله أن يلقن من غيره حتى يتعلم ، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح ، وسائر الأدعية المشروعة . الرابع : التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب ، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة ، فالمعاصي سبب البعد والطرد ، والطاعات أسباب القرب والود ، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ان الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه ) متفق عليه . الخامس : كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فانها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام ، فالعمل فيها وان كان مفضولاً فأنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وان كان فاضلاً حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال إلا من عقر جواده واهريق دمه . السادس : يشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الوقت من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ويشرع التكبير المقيد وهو الذي يعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة ، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة ، وللحجاج من ظهر يوم النحر ، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق . السابع : تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق ، وهو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، ( وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما ) متفق عليه . الثامن : روى مسلم رحمه الله وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي رواية ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ) ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي ، فقد قال الله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وهذا النهي ظاهره انه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه ، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر . التاسع : على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تصلى ، وحضور الخطبة والاستفادة . وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد ، وانه يوم شكر وعمل بر ، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر . العاشر : بعد ما مر بنا ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والابتعاد عن المنهيات واستغلال هذه المواسم والتعرض لنفحات الله لنحوز على رضا الله وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل وأن يجعلنا من حجاج ومعنمرى بيت الله الحرام العام القادم . ن ف

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.