ان احد اهم واجبات الحكومة في اي بلد هو المحافظة على الاستقرار الاقتصادي بما يحقق الرفاهية المنشودة للمواطنين، وامام هذا الواجب البديهي والاساسي فان الحكومة (أي حكومة) مطالبة دائما بامتلاك رؤية استراتيجية شمولية للوضع الاقتصادي تمكنها من امتلاك برامج وخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الاجل للتعامل مع كل التحديات الاقتصادية المزمنة والطارئة. الدعم الحكومي هو دعم مالي تتكفل به الحكومة في أي بلد ما لتوفير سلعة مهمة للمواطنيين أو شريحة منهم وذلك لتوفيرها بقيمة هي دون دون القيمة الحقيقية لها مما يعطي المستهلك القدرة على شرائها وإستخدامها رغم ضعف ومحدودية موارده المالية. ويعتبر دعم المشتقات النفطية أحد أشهر أنواع الدعم المتعارف عليها عالميا وهو ليس حكرا على الدول المنتجة للنفط فقط بل إن الدول المستوردة للنفط تقوم أيضا بتقديم دعم متفاوت للمشتقات النفطية لتصل إلى جميع فئات المجتمع بأسعار مناسبة. وفي السابق كان القول بإن دفع عجلة التنمية الإقتصادية والتقليل من آثار الفقر هو أحد أهم موجبات الدعم الحكومي. أما اليوم فإن المنظمات الدولية (منظمة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي) ترى في الدعم الحكومي إعاقة للتنمية الإقتصادية للدول وتعزيز للفارق بين المستويات الإجتماعية المختلفة بين أبناء المجتمع الواحد وإهدار لموارد الدولة في جوانب إستهلاكية مما يحرم الإقتصاد من مدخولات عالية كان بالإمكان إستخدامها في مشاريع تنموية بعيدة الإمد وتستهدف شريحة أعرض من فئات المجتمع. بالامس قال الرئيس عمر البشير، إن البلاد ستصل إلى مرحلة أشد حرجًا في حالة عدم رفع الدعم عن المحروقات، معتبرًا أن دعم المحروقات يصب في صالح الأغنياء فقط. وأكد البشير- خلال كلمته أمام طلاب حزب المؤتمر الوطني أن خطوات الإصلاح الاقتصادي المرتقبة، تهدف لتوزيع عادل للموارد، مشيرًا إلى أنه سيتم المضي قدمًا نحو تحقيق النهضة والاستقرار لكافة شرائح المجتمع السوداني. ووعد الرئيس السوداني بالاستمرار في الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني في البلاد، مؤكدًا أن الخطوات الإصلاحية تهدف لإعادة التوزيع العادل لموارد السودان على كافة أبناء الشعب السوداني ووفقا لهذ السياق يرى الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق الاستاذ عبدالرحيم حمدى أن من ايجابيات رفع الدعم عن المحروقات تحقيق العدالة الاجتماعية وتوجيه الدعم لمستحقيه من الاسر والشرائح الفقيرة . وأشار حمدى للدراسة التي اجراها البنك الدولي بطلب من وزارة المالية والاقتصاد الوطني والتى اثبتت أن الدعم الذي تقدمه الحكومة تذهب نسبة1% منه فقط للمستحقين من الشرائح الفقيرة فيما تذهب 99% لغير المستحقين الشئ الذي يتطلب تعديل في سياسات الدعم وتوجيهه التوجيه الصحيح . ايجابيات رفع الدعم عديدة ابرزها منع تهريب السلع المدعومة لخارج البلاد خاصة المواد البترولية كما أن رفع الدعم يمنع الصرف غير المرشد للموارد مما ينعكس ايجاباً علي الموازنة العامة ويتم توجيهه لدعم الخدمات الضرورية التي تستفيد منها الشرائح الضعيفة . ولكن من زاوية مغايرة رفع الدعم عن المحروقات يعني ارتفاع أسعار البنزين والغاز مما سيؤدي الى ارتفاع اسعار جميع المنتجات والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والخدمية التي تعتمد اعتماداً اساسيا ومباشراً على الترحيل من مصادر الانتاج والمزارع والموانئ الى الاسواق (وليس القمح وحده) .. وبالمثل حين يرتفع سعر الوقود سيزداد سعر المواصلات بانواعها .. كما ستؤدي الى ارتفاع رسوم المدارس وكذلك أسعار الخدمات الغذائية وغيرها ..اضافة الى الأثر الغير مباشر جراء ارتفاع أسعار المحروقات سيكمن في سلسلة ارتفاعات غير مبررة من قبل التجار على سلعهم . وطالما لرفع الدعم ايجابيات لابد من مطلوبات ينبغى بالضرورة ان تتوفر مثل توفير المواصلات العامة بمستويات جيدة وبإسعار مناسبة . ولان سياسات الحكومة عادة ما يصاحبها تغيير في سلوكيات افراد المجتمع لابد من وضع سياسات تساعد المجتمع على تغيير سلوكياته لتتناسب مع السياسات الحكومية بعيدة المدى. ولابد من الشفافية والوضوح لانهما جانبان مهمان في مسيرة رفع الدعم فيجب أن تكون الإرقام واضحة ويستطيع رجل الشارع أن يفهمها ويحسبها لوحده ، فإن كان إستهلاكه من الوقود والكهرباء يعادل 50 جنيها لكل شهر على سبيل المثال فيجب أن يعلم هذا المواطن هل سيدفع مائة أم مأتين أو ثلاث بعد رفع الدعم. هذا جانب من الوضوح والشفافية أما الجانب الآخر فإن للمواطن الحق في أن يعلم كيف سيتم إستغلال المبالغ المجتزئة من الدعم وكيف ستصل إليه لاحقا وبإلأرقام التي لا لبس فيها . ع.أ