نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حماية الآثار السودانية


بقلم// بروفيسور أزهري مصطفى صادق
الخرطوم 5-9-2020 (سونا)-تعرضت بعض الاثار السودانية الي تخريب ممنهج وسرقات عدة وكان اخرها ما تعرض له موقع المراغة الاثري وذلك عندما تعدي عليه خمسة اشخاص عمدوا الى تجريف وتدمير ذلك الاثر حيث احدثوا حفرة بعمق 17 متر وعرض 10 امتار وطول حوالي عشرين متر في احدى اطراف الموقع الاثري، مما اثار العديد من التساؤلات حول الاثار السودانية وما تعرضت له على مدار التاريخ وهل تم حصرها ومعلرفة اعدادها و اماكنها و هل تم تصنيفا و ما هي المشاكل و التحديات التي تواجهها كارث سوداني و انساني. في الورقة التالية يتناول عالم الاثار السوداني بروفيسور ازهري مصطفي صادق بالسرد والتحليل والمقارنة الاثار السودانية و مناطقها وعصورها المختلفة واهميتها التاريخية ومسئولية الحفاظ عليها :-

حماية الآثار السودانية
بروفيسور// أزهري مصطفى صادق Azhari Msutafa Sadig//
تمهيد
بدأ البحث الأثري في السودان منذ نهايات القرن التاسع عشر، عندما تنبه باحثو الآثار الأوائل الى أهمية السودان الأثرية والتاريخية وباعتباره جسر التواصل الثقافي لأفريقيا جنوب الصحراء.

وبمرور الوقت تتالت الأعمال الأثرية في العديد من مناطق السودان وإن كانت قد تركزت في البداية على شمال ووسط السودان، وتم الكشف عن آلاف المواقع الأثرية في جميع ربوعه ولا تخلو بقعة منه الآن من مواقع أثرية بما فيها الصحاري والمناطق النائية.
ومن الصعب تتبع كل هذه المواقع الأثرية او تصنيفها بشكل مخصص ولكنها تغطي فترة طويلة من تاريخ البشرية تبدأ من العصر الحجري القديم (Paleolithic) وحتى الفترات الحديثة التي تقع ضمن إطار حماية قانون الآثار السودانية. تشمل هذه المواقع الكهوف والمحميات الطبيعية والمستوطنات الصغيرة وتتدرج حتى المعابد الكبىرة والاهرامات الفريدة والقباب والأضرحة وغيرها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمواقع العصور الحجرية في ابي عنجة (Abu Anja) والخرطوم (Khartoum) والشهيناب (Shaheinab) تمثل نماذج فريدة في العالم لتلك الفترات، تلى ذلك مواقع متفردة في اقصى شمال السودان للفترة المعروفة باسم فترة المجموعات النوبية (Nubian Groups) مثل حلفا وارقين وغيرها ، وما قبل كرمة (Pre-Kerma) في منطقة كرمة التي تلتها حضارة كرمة الكوشية (Kerma Civilization) في نفس المنطقة وامتدت جنوباً حتى الشلال الرابع، قبل أن يدخل السودان مرحلة حضارية هامة خلال دولة نبته (Napata) بمواقعها الفريدة في الكرو (Kuru) وجبل البركل (Barkal) ، ثم حضارة مروي (Meroe) التي توسع نفوذها في مناطق عدة من السودان وكانت حاضرتها شمال كبوشية مع مواقع فريدة في النقعة (Naqa) والمصورات (Musawwarat es-Sufra) ثم مرورا بحضارات السودان الوسيط (Medieval) في فرس وبوهين وغيرها، والإسلامي بمواقعه المتميزة في سنار والخندق ودنقلا ودار مالي وغيرها. بعض هذه المواقع تم تسجيلها ضمن التراث العالمي مثل مجموعة جبل البركل الذي يضم العديد من المواقع التي تعود لحضارة نبته ومروي.
وهناك آلاف من المواقع الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها هنا.

حماية الآثار: مسئولية عالمية ووطنية:

يعد السودان من أوائل الدول الأفريقية والعربية التي سنت قوانين لحماية المواقع الأثرية منذ بدايات القرن العشرين وتم تعديل القانون أكثر من مرة آخرها في العام 1999. وكل الآثار والشواهد والمباني التاريخية، محمية بموجب القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية لحماية الآثار والتراث الثقافي.
لقد تم تجريم الاعتداءات على الممتلكات الثقافية بموجب العديد من القوانين المحلية والمعاهدات الدولية والتي نصت جميعها على حماية الممتلكات الثقافية، واحترامها، وتضمنت بنوداً وأحكاماً قانونية تُجرّم الاعتداء عليها، وتضع أحكاما للحماية العامة والحماية الخاصة والحماية المعززة لها.
وحسب ما جاء في اتفاقية لاهاي فإن الممتلكات الثقافية تشمل الممتلكات المنقولة والثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني والأماكن الأثرية والمخطوطات وكل الأشياء ذات القيمة التاريخية والأثرية وكذلك المباني المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية نفسها كالمتاحف ذات العلاقة والتي تتطلب بموجب الاتفاقيات الوقاية والاحترام والحماية المتواصلة وعدم تعريضها للتدمير أو التلف وتحريم سرقتها ونهبها أو تبديدها (بالبيع أو خلافه).
فعلى الصعيد الدوليّ وقّع السودان وانضم إلى العديد من الاتفاقيّات الدوليّة التي تُعنى بحماية التراث الثقافيّ، ولعلّ أهمّها "اتفاقيّة لاهاي" لعام 1954 المتعلّقة بحماية التراث الثقافيّ، بما فيه من مواقع وأبنية ومنقولات ووثائق ومؤلّفات تثبت قيمة أثريّة أو تاريخيّة أو فنيّة أو دينيّة.
وفي ذات الوقت فإن كل المواقع الأثرية محمية بقانون حماية الآثار السوداني لعام 1999.
والآثار، يقصد بها في القانون:أى شيء خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة مما يكشف عنه أو يعثر عليه، سواء كان ثابتاً أو منقولاً، مما يرجع تاريخه إلى مائة عام، ويجوز للهيئة أن تعتبر لأسباب فنية وتاريخية أى عقار أو منقول آثاراً إذا كانت للدولة مصلحة فى حفظه وصيانته بصرف النظر عن تاريخه وتعتبر من الآثار الوثائق والمخطوطات، وأيضاً بقايا السلالات البشرية والحيوانية والنباتية.
وكل أرض أثرية في القانون يقصد بها "الأرض التي يقع بها الموقع الأثري أو المبنى التاريخي وهو كل بناء أو جزء من بناء خلفته الحضارات والأجيال السابقة ويكون أثراً وفق أحكام هذا القانون.

وجاء في الفصل الثاني من القانون أن ملكية الآثار في باطن الأرض أوعلى سطحها ملكاً للدولة.
وتختص الهيئة بالآثار ومسئولية تقدير أثرية الأشياء والمباني التاريخية والمواقع الأثرية وتسجيلها، كما تختص بتنفيذ أحكام هذا القانون.
ونص القانون على معاقبة من يتلف الآثار او يهدمها حيث أورد صراحة أن: كل من يتلف قصداً أثراً مسجلاً أو حديث الاكتشاف أو يهدم بسوء قصد بناءً أثرياً أو أكتشف حديثاً أو جزء منه أو يأخذ شيئاً من أحجاره أو زخرفه أو يحدث فيه ما يغير معالمه، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.

التدمير المنظم والعشوائي للآثار السودانية:-

عانت المواقع الأثرية بالسودان من عبث الطامعين في الكسب غير المشروع ومن التدمير المنظم خلال فترات الحكم الثنائي وخلال بناء المدن والمشاريع الزراعية ومن العوامل الطبيعية الأخرى.
والعديد من القطع الأثرية السودانية توجد الآن في متاحف العالم ونقلت بشكل ممنهج خلال الحكم التركي والإنجليزي المصري من بعده، وكذلك من خلال السرقة كما حدث في أهرامات البجراوية في منتصف القرن التاسع عشر.
كما عانت المواقع الأثرية من الإهمال خلال فترات متعددة وعانت خلال الحروب والصراعات الداخلية، ثم حدثت حملات عشوائية على المدافن والمقابر والمواقع الأثرية بالنبش والنهب والمتاجرة، وقد رأى كاتب هذا المقال بعينيه كيف دمرت حتى المقابر الإسلامية، علاوة على الاستهتار بقيمة هذه المواقع وإقامة الحفلات عليها كما كان يحدث في مهرجان جبل البركل كل عام خلال الحكم البائد.
كما أثر الزحف السكاني والبناء الحضري وقيام المشاريع الزراعية خاصة في الخرطوم على ضياع المئات من المواقع الأثرية خاصة تلك التي تعود لفترات ما قبل التاريخ (Prehistory)، كما دمرت العديد من المواقع كما حدث في كوبي (حوالي 65 كلم شمال غرب الفاشر)
والتي كانت مدينة رئيسية في غرب دارفور ومحطة نهائية لقوافل درب الأربعين، والعديد من مواقع حضارة مروي في البطانة مثل العليم ، كما دمرت أجزاء من موقعي النقعة والمصورات بسبب الحفريات غير المنظمة او تطاول المسئولين السابقين كما حدث في موقع المصورات.

حمى الذهب وتدمير الآثار: -

في سلسلة مقالات لي بعنوان السودان ارض الحضارات، (https://fac.ksu.edu.sa/asadig/blog/61631) نبهت قبل سنوات في مقال قصير بعنوان السودان: أرض الذهب الى خطورة تعدين الذهب الأهلي على المواقع الأثرية خاصة في الصحراء الشرقية التي تقع بين نهر النيل وجبال البحر الأحمر والمسماة بالصحراء النوبية. لقد تطور تعدين الذهب في هذه المنطقة الغنية الشاسعة مع مرور الوقت، ابتداءً من فترات ما قبل التاريخ، مروراً بفترات تاريخية متعددة وحتى يومنا هذا.
المستفيد الأكبر من ذلك على مر العصور، وفق مقياس ما وجد من ذهب خام ومشغولات ذهبية، هي مصر القديمة في مراحل متعددة من تاريخها الفرعوني القديم، وإن كانت قد استغلت كذلك الامتدادات الشمالية للصحراء داخل الحدود الحالية. لقد دللت الدراسات على أن أقدم استخدام لموارد الذهب في صحراء السودان الشرقية يعود على الأقل الى نحو 3500
قبل الميلاد، وربما كان التعدين بسيطاً لا يتعدى الحفر لأعماق غير بعيدة في باطن الأرض، ثم يسحن لاستخراج الشوائب والأتربة باستخدام أدوات طحن كبيرة من الكوارتز أو الجرانيت.
استمرت هذه الأساليب البسيطة لفترات طويلة ، خاصة من قبل المصريين في فترات المملكة القديمة (2700 – 2160 ق.م) والمملكة الوسيطة (2119 – 1794 ق.م) ، ثم توسعت وتطورت خلال ما سمي بالمملكة الحديثة (1550 – 1070 ق.م)
حيث تصاعد استغلالهم للمنطقة جنوب ووسط الصحراء النوبية وحتى تلال البحر الأحمر خاصة في مناطق وادي العلاقي ووادي قبقبة وغيرهما.

لم يكن تعدين الذهب حكراً على حكام مصر من المصريين ، بل استمر كذلك خلال الفترات التي حُكمت فيها مصر من قبل البطالمة والرومان والبيزنطيين ، واستُغلت أكبر مساحة ممكنة من الصحراء على الرغم من أن التعدين تركز بشكل أكبر على الجزء الجنوبي من مصر خاصة في منطقة وادي العلاقي.
أما خلال فترات السودان القديم، فقد كانت هناك بعض الدلائل القليلة على التعدين في فترة حضارة كرمة (2500 – 1500 ق.م)، وازداد الاهتمام بالتعدين خلال الحكم الكوشي في نبتة ومروي (نحو 800 ق.م – 350 م) ، بالرغم من أن ذلك لم يدرس باهتمام كبير بسبب استخدام الكوشيين لذات مواقع التعدين القديمة وبالتالي كان من الصعب بالنسبة للباحثين وضع تسلسل واضح لاستخدامها وكميات الذهب المستخرجة منها في تلك الفترة.
مع ذلك فالناظر إلى ما تركه الكوشيون (Kushites) من مشغولات ذهبية، خاصة تلك المكتشفة في أهرامات البجراوية، وبالأخص في هرم الملكة أماني شاخيتو (Amanishakheto (حكمت مروي من حوالى 10 ق.م إلى السنة الاولى من الميلاد)، قد يدرك مدى استفادة الكوشيين (Kushites) من مصادر الذهب آنذاك، والتي مع ذلك لم تكن بذات المستوى الذي نراه في العصور السابقة لعصرهم.
استمر تعدين الذهب، ولو بكميات قليلة نسبياً، خلال الفترات الأولى من الوجود العربي في السودان خاصة في المناطق القريبة من نهر النيل، وبشكل أكبر على طول وادي العلاقي، ووصل قمته خلال القرنين العاشر والحادي عشر من الهجرة تحت إشراف ابن طولون (990 م) وحتى عام 1350 ه تقريباً في الجزء الشمالي الشرقي من السودان.

إن ما نراه في يومنا هذا، مما يمكن أن نسميه (حمى البحث عن الذهب)، التي أصابت الشباب والشيوخ في كثير من مناطق السودان الحبيب، لهي صفحة من تاريخ طويل لتعدين الذهب في السودان، ولا زالت هناك العديد من المناطق التي تتطلب مزيداً من البحث، ولو أن التاريخ يؤكد أن التركيز الأكبر على التعدين كان في المنطقة الممتدة من النيل إلى البحر الأحمر والتي بها آلاف من المواقع الأثرية التي تحتاج إلى حماية من الغزو البشري الحديث لمناطق لم تطأها قدم إنسانٍ منذ آلاف السنين.

خلال الأيام السابقة، وبحسب ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، تسبب الباحثون عن معدن الذهب في تدمير موقع المراغة على بعد 270 كم شمال الخرطوم والذي يعود تاريخه إلى ألفي عام، باستخدام معدات عملاقة. وقالت اختصاصية علم الآثار السودانية للصحيفة حباب إدريس أحمد: "هدفهم الوحيد من الحفر هنا الحصول على الذهب. لقد قاموا بعمل جنوني، ولكسب الوقت استخدموا جرافات ثقيلة".

وقال حاتم النور مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف:
"الحفر تم تحت جنون الثراء والبحث عن الكنوز، ولأن الأرض مكونة من الحجر الرملي النوبي ومغطاة بطبقة من الصدأ، فإن جهاز كاشف المعادن الذي يستخدمونه يصدر صوتا؛ لأن الحجر يحتوي على معدن الحديد، فيظنون أن هناك ذهبا، وهكذا يواصلون الحفر".
وكانت الصدمة الأكبر بالنسبة للعلماء، أنه عقب اقتياد "لصوص الذهب" إلى قسم الشرطة، تم الإفراج عنهم عقب ساعات قليلة. (انظر: https://bit.ly/2EA318q)
(

علماء الآثار السودانيون في موقع جبل المراغة الأثري
كلمة أخيرة:

لقدعانت الآثار السودانية كثيراً من التخريب والنهب المنظم والعشوائي، وتم اتخاذ العديد من الخطوات العملية والإجراءات والاستراتيجيات لحمايتها، ومع كل ذلك لا تزال تتعرض للعديد من التهديدات البشرية والطبيعية.

وبالرغم من أن السياحة تعد أهم مصدر من مصادر تحويل العملات لما لا يقل عن 38% من دول العالم (منظمة السياحة العالمية)، ومع تميز السودان بثراء كبير في هذا الجانب يتمثل في السياحة الطبيعية والأثرية والتاريخية والدينية وغيرها، الا ان الاستفادة من السياحة الأثرية لا يزال قاصراً الى حد كبير.

وبالسودان العديد من الوجهات السياحية مثل محمية الدندر التي تم إنشاؤها عام 1935 وهى من أجمل المحميات بالسودان والتى يصل عددها إلى 18 محمية وتتمتع بحياة برية جميلة في مساحة تصل لحوالي 10000 كلم2، وكذلك جزيرة سنقنيب وجبل مرة ومحمية الردوم وغيرها من الوجهات الطبيعية.
كما تمثل مدن كثيرة وجهات سياحية للأجانب بصفة خاصة مثل امدرمان وغيرها. وتمثل المواقع الآثارية الجزء الأكبر من الوجهات السياحية خاصة مواقع البجراوية والبركل وكرمة وسواكن والنقعة. كما تعد متاحف السودان مثل المتحف القومي ومتحف على دينار وتحف بيت الخليفة وتحف شيكان وجهات سياحية هامة.

يتميز السودان بتنوع وتعدد الموارد السياحية والتي تمثل طيفا واسعا يبدأ من الآثار والمواقع التاريخية إلى الحياة البرية والنيل والصحراء والبحر الأحمر إضافة للتراث غير المادي المتمثل في الزي والزينة والفنون الشعبية وغيرها.

كل هذه الموارد تشكل قاعدة أساسية للنشاط الاقتصادي وتنمية المجتمعات المحلية سيما وأن أغلبها في الريف الأمر الذي يوفر فرصة سانحة للتشغيل وتحريك القطاعات الاقتصادية المختلفة استفادة من خاصية المضاعف Multiplier التي تميز النشاط السياحي.

وبالرغم من أن قانون الآثار يتضمن عقوبات رادعة تحمي الآثار السودانية كما بينا أعلاه الا أن ذلك لم يمنع من العبث بها وتدميرها كما حدث مؤخراً في موقع المراغة.

كما أن الاعلام السوداني بكافة جهاته لم يقدم الكثير للتعريف بالموروث الثقافي السوداني بالشكل الأمثل وظل يركز في عرضه لمواقع محددة أضحت معلومة للمواطن الا انها لا تكفي ليعطيها الاعتبار الأمثل إذا ما قورنت بمسؤولياته الجسيمه الأخرى في المأكل والملبس والحياة الكريمة.

إن على الدولة مسئولية كبيرة تجاه هذه المواقع الأثرية وحمايتها، إن كانت تنظر اليها كمصدر اقتصادي أساسي كما فعلت دول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية. ويتطلب ذلك مزيد من المحافظة على المعالم الأثرية والطبيعية، وتعريف الجميع بمآلات العبث والإضرار بالآثار ونوع العقوبة.

ويشمل ذلك أن تتفهم المؤسسات الإدارية بالدولة أهمية الآثار والمحافظة عليها، واعتبار الإنفاق في مجال الآثار استثماراً مستقبليا ذو عائدات قد تمثل مخرجاً اقتصاديا مهما ومصدرا للدخل وبرنامجا لتعزيز النسيج الاجتماعي عبر السياحة الداخلية.

فلتقم الحكومة بخطوات جريئة في اعتماد السياحة كنشاط استراتيجي فتبدا بحماية المواقع الأثرية والتاريخية وتجري مسحا تفصيليا للموارد المتاحة وتضع، بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية، خطة لتنمية الموارد وتحويلها لمقاصد سياحية وفق جدول زمني يضمن توفر الحد المعقول من البنيات الأساسية ومنظمي الرحلات وطاقات الإيواء والإرشاد السياحي ويترافق ذلك كله مع حملات دعائية وترويجية احترافية. وليكن شعار المرحلة:
"هذه دجاجة تبيض ذهبا فلنحرص على رعايتها لا وأدها".
( انظر سونا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.