ركبت مع شاب في أمجاده لمشوار جيئة وذهاباً.. هو شاب مفتول العضلات كم وتلتين سنة «تونست» معه كالعادة.. أول مدخل للونسة أوضح لي إنه من النوع البدق طوالي.. وحكى لي عن الناس الدقاهم وفيهم رتبة كبيرة وذلك بسبب خطأ مروري.. وقام المسؤول داك نبذو(وتَفه) ليهو في وشو.. قام هو طوالي دقاهو.. وبعدين؟ سألته فقال: أدوني شهر سجن لكن أكلتو زي الترتيب.. نظرت إليه وقلت رتبه كبيرة يعني كبير في السن؟.. فقال لي: يعني قدركم كدا فقلت له لكن إنت ما شاب قوي البنية عريض المنكبين.. وداك كبير (وقدرنا كده).. برضو دقيتو؟! المهم طبعاً عملت حسابي ما أكون(المدقوق) الأخير.. لذلك حرضته على الحديث فحكى لي إنه كان مغترباً بالسعودية.. وحكى لي حكاية أعجبتني في عدم الأنِفة والتواضع.. حكى فقال: كنت شغال في السعودية محاسباً باخد تلاته الف ريال.. وعندي كفيل مبسوط مني وفي أمان الله.. كلموني الجماعه عن شغلة مرتبها خمسة ألف ريال لكنهم أتأففوا منها.. أصلو في جماعه زي اُمراء كده.. عندهم أبوهم راجل كبير في السن.. كان عيان.. الشغلانية إنو زول يتابعوا يديهو الدوا.. يوديه الحمام.. ويغسلوا وكده.. قلت مالو.. شغلانة ما بطاله.. وبعدين فيها أجر.. فكرت قلت أشتغلها مشيت عديل للكفيل بتاعي.. حكيت ليهو الموضوع بصراحة.. هو أتكيف مني..؟ وسألني المطلوب.. قلت ليهو تديني إجازة بدون مرتب.. صاحبك فكر وقدر.. قال ليَّ: أقول ليك حاجة.. ممكن شغل الحسابات تعملو وإنت بتمارض في الراجل .. وبقى يجيب ليَّ الشغُل في البيت وكده ضربت عصفورين بي حجر واحد الحكاية دي استمرت سته شهور.. والراجل إتوفى عليه رحمة الله.. وأولادوا ماقصروا معاي يازول طلعت لي زي بي خمسين ألف ريال.. زايد ماهيتي ماشه.. طوالي جيت السودان. انتهت الحكاية طبعاً هريتو بالأسئلة نوع ماكنت بتقرف؟ ماعقدتك الحكاية دي؟ أجاب إجابات منطقية مثل.. البقرفني شنو أتخيلو أبوك ولا جدك.. وقال: مافي حاجه بتعقدني أصلو أنا سرقت ولا بعت مخدرات.. شوف يا حاج مافي شغل عيب طالما شريف! بعد ذلك سألته عن رأيه في الشباب الذي يتأفف من أعمال مثل النادل في المطاعم أو الإشراف على أطفال.. أو عجزه.. فقال: ده هنا في السودان.. لكين بره.. مافي حاجه زي دي. الواحد تلقى مندرش إندراشه، وهو جايي على السودان يعمل ساونا.. وينضف ويجي يرقش.. سألته: لكن لماذا يتأففون منها في السودان ويقومون بها خارج السودان فقال لي: الأختشا الكضاب.. الواحد بتعقد يشوفوا شايل ليهو صينية.. أو بمسح ليهو تربيزة.. قلت له: ولكن لم يحدث أن سمعت إن احداً سخر من مثل هذه المهنة بل درج السودانيون على معاملة هؤلاء بأريحية.. بل إنهم حين يعرفون إن الشاب الذي يمتهن هذه المهنة خريج من كلية جامعية مرموقة يتعاطفون معه ويزيد احترامهم وتقديرهم له على عكس ما يحملونه في أذهانهم. قال ليَّ: العُقد جابوها البنات.. قلت كيف؟ قال: البنت دايره تقشر بي خطيبا أو عريسا.. فما بتشجع الواحد على شغلانية زي دي.. قلت له: بالعكس مفروض تشجعو على طريقة «ياقماري ابني عشك قشه قشه» المشوار انتهى وكنت موفق جداً.. واتفاءلت بيهو (بَرَاني) الشاب.. لكن «بَريه» مفيدة.. أهو طلعت بي موضوع الزاوية دي.. بعدين كان الشاب ود ناس شال مني أجرة معقولة جداً.. ياربي حسب استحمالي(للبريه) وأداني حافز؟!! بعد أن ذهب فكرت في تناقض شخصية الشاب.. فهو ضرب رجل كبير صاحب رتبة ضرباً مبرحاً فيما يبدو إذ كانت نتيجته عقوبة (شهرسجن).. وهو لم يتأفف من حراسة شيخ مريض يقوم بنظافته ورعايته.. لكني تذكرت إنه في معرض حديثه قال لي معترفاً: أنا زول طيب لكين مابرضى الحقاره!!..