الحبيب الغالي جداً علي اتبرا.. أشواقي لك لم تفتر.. لأنسك الرائع.. لروحك السمحة.. لحروفك الملونة في بهاء، في إيمانك الذي لا يتزحزح.. بجماعتكم.. جماعة الأخوان المسلمين.. الذين مازالوا يقبضون على الجمر.. لم تفتنهم سلطة.. ولا أسكرهم رنين أموال.. ونكتب يا صديقي.. بالدموع.. عن أخوة لك.. ركضوا خارج المضمار.. ويا للخسارة عندما يحس المرء بالهزيمة.. الهزيمة من رجال كانوا محور الآمال ومعقل الأفكار.. ويا للبشاعة عندما تحل بك المأساة وترثى بحروف نازفة.. عهداً.. وجماعة.. وأخوة.. قرأت كلامك حرفاً حرفاً.. تعاطفت معك بل حزنت شديداً.. رغم أني كنت من ألدَّ أعداء جماعتكم.. أنا ضعيف جداً أمام الدموع عندما تتساقط من عيون من حلت به مأساة أو مصيبة.. تذكرت عندها.. مالك بن الريب التميمي.. وهو يرثي نفسه عندما كان الموت يحوم حول وريده.. بل عندما أمسك الموت بطرف وريده.. تذكرت «مالك» وهو يستجدي أو يتحدى.. أو يسخر وهو ينشد، «خذاني فجراني ببردتي اليكما.. فقد كنت قبل اليوم صعب قياديا».. صديقي علي اتبرا.. أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد.. أني ما كنت أكتب حرفاً واحداً.. ولا كنت التفت برهة أو لمحة.. أو لفتة لو كتب غيرك هذه المرثية.. فأنت صديقي تذكرني بالأخوان المسلمين «زمان» صحيح... أننا كنا بل كنت مقابلاً لهم في الضفة الأخرى.. بل كنا على طرفي نقيض.. ولكن الصحيح أيضاً أني كنت أرى صدقاً في إيمانهم.. وانسجاماً حد التوحد والذوبان بين أفعالهم وأقوالهم.. بين الذي يبشرون به وبين سلوكهم.. بين إيمانهم وتطبيقهم الصارم على أنفسهم بالذين يؤمنون به.. تجولت صديقي في «مخي».. وبدأت تنبش.. وتنفض طبقات الأحداث من دماغي.. طبقة.. طبقة.. طبقة.. حتى جئت بأساتذة وإحبة.. من «إخوانك» كنت أحمل لهم شلالاً دفاقاً من الود والاحترام.. جئت لي بأستاذي الجليل صادق عبد الله عبد الماجد.. الذي مازال يأكل الطعام.. ويمشي متعثراً.. في الأسواق.. مازال يشع ويضيء.. يعطر المجالس يرتدي التواضع وسماحة النفس دثاراً وإزاراً.. ويتواصل تنفيسك.. وتجيء بأحد زملاء الدراسة.. حسين اسماعيل.. وما هي إلا برهة وتأتي بالأستاذ المتواضع.. الرقيق محمد الطيب من حي ود ارو.. وأتذكر كيف كان «اخوانك» هؤلاء في ذاك الزمان «مساكين» و«مهذبين» و«ما ناس شدايد» كيف كانوا يقابلون «شقاوتنا» وأحياناً «فلتاتنا» بابتسامات مسكينة مرتبكة وخجولة.. يا اتبرا.. لماذا الحزن.. لماذاالدهشة.. لماذا البكاء.. لماذا الإحساس بالهزيمة في بعض «الإخوان».. ألم تقرأ أو تسمع بحديث النبي المعصوم.. ألم يطرق سمعك ذاك التحذير الذي قال به نبي الرحمة.. عندما قال ما معناه لأصحابه.. إنه لا يخاف عليهم من الفقر، بل يخشى عليهم من إقبال الدنيا.. وجريان المال.. الذي يفتنهم.. فيهلكون كما هلك الأقوام من قبلهم.. يا اتبرا.. لماذا التقليل من خطر داهم وأنت تتحدث عن «بضع» أفراد.. مشغولين بأموالهم عن آلام هذا الشعب.. ثم تتحدث عن بعض «إخوانك» من الذين وظفوا المناصب للمصالح الذاتية.. ثم تتحدث بل توصي الرئيس بأن يشترط من يخلفهم بعد إقالتهم إنه لا تجارة مع الوزارة. صديقي اتبرا.. رغم أني لست من جماعة الإخوان المسلمين.. فقد كتبت نفس كلماتك في أيام مضت مشفوعة بصفحات من سيرة الخلفاء الراشدين عن استغلال المنصب.. والثراء من أموال المسلمين بغير حق.. وأنه لا وزارة مع تجارة.. وأوردت تحديداً ما قام به خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أمير المؤمنين أبوبكر الصديق، الذي لما أتته إمارة المسلمين قد اعتزل التجارة تماماً.. وقد كان رجلاً يبيع ويشتري قائلاً في تصميم.. إنه لا تجارة مع رعاية أمر دولة المسلمين.. لم يستمع الينا أحد.. بل أمطرنا أحد إخوانكم وانتاشنا بسهام خرقت أجسادنا.. وتهكم علينا قائلاً.. «نحمد للإنقاذ انها جعلت حتى اليساريين يحاكمونها بالإسلام وشرع الله».. ختاماً صديقي.. إني أعتقد- وأرجو أن أكون صائباً- إن كل «الإخوان» إذا تمكنوا من السلطة سيفعلون.. مثلما نراه الآن ذاك الذي أبكاك..