مشاركة المواطنين في الشأن السياسي تقتصر على عدد قليل من الجمهور الذي ينحرط في الحياة السياسية الحزبية، بينما تعتمد الكثرة على الوسائط الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة لمعرفة مايحدث في الساحة السياسية، ويشمل ذلك أيضاً المسار الانتخابي.. ويعتبر التلفاز والراديو وأجهزة الاتصال اللاهوائية مصادر معلومات لغالبية المواطنين. نبدأ هذه الحلقة بدور الصحفيين في تغطية العملية الانتخابية تغطية قبلية وأثناء الانتخابات، وتحليل النتائج بعد ظهورها، ولذلك يشكل الصحفيون حلقة وصل حيوية بين الحكومة والشخصيات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية وبين عامة الناس. المجلس الأوربي حدد فيما يتعلق بوسائط الإعلام والانتخابات أهمية الاستقلال التحريري والمهنية للصحفيين حيث قال «الاستقلال التحريري والنزاهة المهنية هي حجر الزاوية في التغطية السليمة للانتخابات.. إن القصور الصحفي سواء على صعيد القدرة الذاتية او على صعيد المسؤسولية يمكن أن يتسبب فى تأثير سيئ على نتائج الانتخابات» وهذه المقولة تجسدت في متابعة الصحافة البريطانية لانتخابات مجلس العموم البريطاني والبرلمان، وفي انتخابات رئاسة الجمهورية في الولاياتالمتحدة حيث لعب الإعلام دوراً مفتاحياً في تحريك العملية الانتخابية وتنشيطها وزيادة المشاركة الفاعلة في التصويت، وفي تعريف الناخب بأماكن التصويت والقيد الزمني وفي المتابعة الدقيقة لعملية التصويت في المراكز المختلفة، ونقل اى تجاوزات بشفافية ومهنية. وللصحافة الورقية والالكترونية دور مهم تقوم به في إدارة الدولة الديمقراطية بكفاءة.. والصحافة هي قناة معلومات تسعى باتجاهين ما بين الحكومة والناخب عبر إعلام الناس بآراء واجراءات وسياسة الحكومة والمساعدة في مساءلة الحكومة نيابة عن الناس وفي بلورة والإفصاح للرأي العام، وقد برز هذا الدور بصورة واضحة في قضية (ووتر قيت) الأمريكية، حيث اسقطت الصحافة الرئيس الأمريكي نيكسون وبعده الرئيس الامريكي كيلنتون في سابقة اعتادها المجتمع الامريكي الذي يدين الكذب والادلاء بمعلومات كاذبة من المسؤولين. وفي السودان فإن هيكل الصحافة يختلف اختلافاً كبيراً عن الهياكل المألوفة في الدول المتطورة، كما أن النظام الحزبي يختلف أيضاً، حيث نجد العشرات من الصحف اليومية السياسية وهي تصدر دون توجه حزبي واضح، وتتجه بآرائها يساراً ويميناً دون ثبات على مواقف معينة مما يلقى على القارئ عبء التنقيح والفحص للأخبار والمقالات، ذلك أن معظم الصحف لا تصدرها الأحزاب أو المنظمات السياسية، وإنما تخضع لتوجه رئاسة تحريرها، وهذا مما يقلل استفادة المواطن من الصحف كأدوات للمعرفة السياسية وأضحت بعض الصحف نخبوية تخاطب جمهرة محدودة. عدد الأحزاب السياسية المترهل قد يعني اتساع ساحة الديمقراطية، ولكن في نفس الوقت يعكس عدم القدرة على الاجماع على توجهات محددة، مثلاً توجهات يمينية ويسارية ووسط ورغم وضوح أهداف الأحزاب فإنها في المنتهى تروج لهذه التيارات دون أن تحاول الارتباط بأحزاب أخرى تشاركها نفس التوجهات، وهذا يعكس فردية القرارات والنزوع الى تعلية روح الكارزمية عند رؤساء الأحزاب وهذا يشتت المواطن الحائر بين أحزاب تتشابه برامجها وتختلف أسماؤها. السياسيون يبحثون عن الصحف التي تعكس آراءهم بطريقة صحيحة، كما أن المواطن يبحث عن الصحافة التي لا تنشر برامج السياسيين بل تقوم بفحصها مثلاً إذا قال مرشح إنه سيزيد ميزانية الصحة بنسبة 25%، فعلى الصحفي أن يسأله من أين يأتي بهذه الزيادة، وما العائد منها، وكيف سيتم استغلالها، وما هي المنافع المترتبة عليها وهل هي أولوية مقارنة بالخدمات الأخرى. وعلينا أن ندرك أنه خلال الفترة الانتخابية فإن السياسيين ليس وحدهم مجال اهتمام الصحف والتدقيق والأهمية التي يعلقها الناخبون على الصحفيين تبرز بشكل كبير، لأن ثقة الناخب في مهنة ونزاهة الصحفي هي أهم محور لاكتساب ثقة المرشح.. حيث أن التغطية الصحفية تؤثر بشكل كبير على الناخبين خاصة الذين لا ينتمون الى حزب معين وهم الغالبية.. ولذلك على الصحفي الالتزام بمبادئ الاتفاق والتوازن وعدم التحيز في التغطيات الإعلامية للحملات الانتخابية ويقول المجلس الأروبي «إنه يتعين على الإذاعيين (الصحفيين) في الدول أن يغطوا الحملات الانتخابية بنهج منصف ومتوازن وغير متحيز» وعلى وجه العموم فإن الصحفيين العاملين بالوسائط الورقية المطبوعة مسموح لهم بحرية أكبر في مضمار التغطية الصحفية للانتخابات والشؤون السياسية مقارنة بزملائهم في الوسائط الإذاعية، ويؤكد المجلس الأوربي أن على الحكومة ألا تتدخل في الاستقلال التحريري للصحف أو المجلات، ولا في حقها في التعبير عن اي أفضليات سياسية، وذلك يعني أن الصحف حرة في أن تعبر صراحة عن تأييدها لحزب سياسي أو لرأي مرشح، والغالب أن تحصر تلك الصحف آراءها السياسية بصفحات الرأي بعيداً عن التغطية التحريرية، وبهذه الطريقة تخدم تلك الصحف مصالح قرائها وليس المصالح المرتبطة بحزب واحد بعينه فحسب، ولعله من باب عدم التحيز أن الصحفي الذى يرشح نفسه ينبغي ألا يسخر صحيفته لعكس توجهه فقط حتى لا يفقد المهنية والإنصاف والتوازن والتحيز. إن إدارة الصحف للعملية الانتخابية في بلد كالسودان غالبية سكانه في الريف وتحدد المواصلات انتشار الصحف في المناطق النائية ينبغي أن تكون على مستوى يخاطب كل أهل السودان، وأن يتم استغلال محطات الإذاعة المختلفة لنقل ما يدور في الصحف كما تفعل القنوات التلفازية والمحطات الإذاعية وللإذاعة دور كبير وجوهري في السودان بحكم انتشارها وسهولة متابعتها ورخص كلفة شراء الراديو واستخدام حجارة البطارية في تشغيل الراديو في مناطق لا تتمتع بالتوصيل الكهربائي وهي مناطق شاسعة في السودان، وقد يكون أحد العوائق لتلعب الصحف دورها كاملا في قلة الامكانات المادية للصحف على متابعة العملية الانتخابية وعكس آراء المرشحين بصورة جذابة، وقد تكلف الصحف المرشحين بدفع تكلفة الدعاية الخاصة بهم، وهذا مما يقلل ظهور المرشحين في الصحف نسبة لقصور الجانب المادي لهم وقد تسعى الدولة الى دعم حملات المرشحين لأن في ذلك تنشيط للعملية الانتخابية وإتاحة أكبر فرص الفوز على قدم المساواة للمرشحين. إن تجربة السودان الانتخابية عريقة ولكن الجيل الحالي غاب عن صناديق الانتخابات الحزبية لفترة طويلة وينبغي أن تكون هناك حملات توعوية بالعملية الانتخابية وأهميتها حتى تسير العملية الانتخابية بسلاسة وهذا دور وزارة الإعلام والثقافة وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.