مارأيتُ لي كوان يو، وما رآني.. غير أني- ياصحابي- قد رأيتُ عجيبة هذا الزمان: سنغافورة! صنعها ( من مافي) في أربعة عقود بنعمتي العقل والخيال. لمثل هذا الرجل العجيب، ينحني السنغافوريون في احترام، وهو يمر اليوم، مجرد نعش ملفوفا بالعلم الوطني. الخطوات مهيبة.. المزيكا نهنهات أرواح، ولوقع سنابك الخيل نشيدا جنائزيا. لو كنتُ هناك، لكنتُ قد ألقيتُ- مثل الحشود الحزينة- النظرة الأخيرة الحزينة.. ولكنتُ قد انحيتُ الذين يهبون هذا العالم،العجائب، يستحقون التعظيم سلام، والإنحناءة، حتى وهم مجرد نعوش، في الطريق إلى باطن الأرض. مثل بذرة طيبة، سيغرس السنغافوريون لي كوان يو. سيستوى فارعا في ذاكرتهم، على مر الأيام،عودا وأغصانا وأوراقا وظلا.. ويساقط عليهم- في كل مرة- رؤية.. وعقلا وخيالا، وإرادة تقهر المستحيل، ليمضوا على ذات نهج صناعة العجائب، من عجيبة إلى عجيبة! ما أطيب لي كوان يو شجرة طيبة.. وما أطيب ثمارها. مثل أي زعيم عجائبي، تفتق عقل كوان يو، وركض خياله، ليصنع وطنا، يقدمه للزمان عجيبة.. ويصنع أمة لها أكثرمن لسان ولون وثقافة وديانة.. أمة بلون قوس قزح.. العقلُ والخيال الأول يصنعُ الحاضر.. والثاني يصنعُ المستقبل.. وبين الإثنين، مودة ورحمة وسكن وسكينة. العقلُ يصنعُ كل ماهو متماسك.. ورصين.. والخيال، يصنعُ كل ماهو مدهش وعجيب وفنان، على مستوى الشعر، والنحت والرسم والعمارة، والغناء، والمساحات الخضراء الملونة.. بل حتى على مستوى السلوك. لي كوان يو، كان خليطا سحريا من نعمتي العقل والخيال.. ونعمة الإرادة. كان خليطا سحريا من اللحظة الحاضرة، وتلك التي ستجيئ.. خليطا سحريا من الحاضر والمستقبل.. هذا الخليط يصنعُ العجيبة.. العجائب. صنع هذا الرجلُ الفذ سنغافورة، بكل ألقها.. وفتنتها، وسحرها، ولمعانها، وأمنها وإنضباطها.. وبكل تعايش سكانها: أعراقا وألسنة وثقافات وديانات.. وأشكالا وألوانا. من التباين، صنع الإمتزاج.. ومن الإمتزاج صنع عجيبة هذا الزمان... وقال للعالمين: أنظروا.. لا مستحيل مع الخيال. يا كوان يو.. أيها الرجل العجيب.. الخليط السحري، إرقد الآن.. الآن، في سلام... إرقد، والبحر- في مده وجزره- من وراء و أمام، ويسار ماصنعت، يهتفُ مع كل موجة تعلو وموجة تهبط: لي كوان يو.. لي كوان يو!