وبالأمس يكتب حبينا البديع صلاح عووضة.. حروفاً وكأن «سنة» قلمه كانت مغموسة في مجرة الدموع.. يكتب صلاح وكأن كلماته كانت تتأوه وتتوجع.. يكتب عن الماضي البديع الذي إرتحل.. والزمن الزاهي الذي غادرنا إلى غير رجعة.. عن هذا الوطن الحديقة.. بل «التفاحة» قبل أن تدهسه خيول «الأخوان».. وصلاح يكتب عن لوحات فنانة بكلمات «فنانة» تتقافز من غصن إلى غصن.. ويجتاحنا الوجع.. ويسربلنا الأسى.. ونتم «شطر» بيت الأغنية.. لنبكي مع «جماع».. «ثم ضاع الأمس مني وانطوت في القلب حسرة». تلك يا صلاح حسرتنا على ماض تولى .. وحسرتنا الكبرى وبكاؤنا والذي يجب أن يكون أشد نحيباً وأعنف وجعاً من نحيب الخنساء على هذا الجيل «المسكين» و «الظلوم».. والذي وجد حديقة الوطن قد زبلت أزهارها وتيبست صفقاً وفرع أشجارها واحطوطب العشب. هذا الجيل المسكين الذي ما عرف يوماً ولا شاهد مرة.. ولا «سمع» حتى بالنجمة المضيئة الساهرة والزاهرة «ليلى رستم» نعم كانت تطل علينا مرة كل أسبوع عبر شاشة التلفزيون السوداني الأبيض والأسود نقلاًَ من تلفزيون بيروت.. أيضاً أبيض وأسود.. كنا «نتسمر» على مقاعدنا أو أسرتنا أو «بنابرنا» وعيوننا لا ترمش مشدودة الى الشاشة.. وحواسنا نرسلها طائعين مختارين إلى «الأستديو» وليلى رستم تصطاد من سماء الإبداع نجوماً لونت الدنيا تجلسها على الأرض.. أرض لبنان وداخل «الأستديو» ونستمتع نحن وكل الأمة العربية ب «نجوم على الأرض» يتدفق «عبد الوهاب» ألحاناً.. ويزهر نزار قباني ورداً وزنابق وأزهار.. وتأتي مرة فيروز.. والطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان.. ثم تنفجر فيروز كما البركان.. والغضب الساطع آت.. من كل طريق آت.. بجياد الرهبة آت.. افتحوا هي الأبواب.. أنا ذاهبة لأصلي.. صلاح وأنا وعبر صحيفة الأيام.. في ذاك الزمن البديع.. كنت قد خاطبت ليلى رستم.. طالباً منها المجيء للسودان.. وحشدت لها عبر «الجريدة» أسماء نجوم فأقمار وكواكب.. حدثتها وطلبت منها أن تأتي وتصطاد من سماء الوطن ما تشاء من النجوم.. أن تجلسها في برنامجها على الأرض.. اليوم يا صلاح أتمنى «إن كانت على قيد الحياة أن لا تأتي.. صلاح.. اذا أتت في ذاك الزمان.. كانت ستجد وردي.. وعثمان حسين وكابلي.. وابراهيم عوض.. تجد أي منهم وهو في كامل الهندام.. بدلة بلون الدهشة.. وربطة عنق بطعم العطر.. ومن خلفهم نصف دائرة وحشد من «كمنجات» و «عود» و «بنقز» و «فلوت».. وكلمات اغاني كالعصافير في الروض.. ولسان أنيق.. وثقافة بلا قيف.. تجد عائشة الفلاتية وهي تشدو.. باقي لي يومين واسافر.. يا حبيب ودعتك الله يحفظك من المخاطر.. تجدها تترنم.. أنا بحبك يا مهذب أمتى ترحم قلبي المعذب.. يجدها تبكي عندما يوجعها «علي محمود التنقاري» بكلمات البعاد والفراق والرحيل.. عندما يمطرها بجحيم الهجر والحرمان والخصام. الآن يا صلاح.. نطلب من الله ان لا تأتي.. نجومنا يا صلاح.. والذين يتدافع ويركض نحوهم المعجبون.. هم طه وأولاد الصادق وتلك التي تفخر وتفاخر بأن شريفاً ما مبسوط منها.. نجومنا يا صلاح يدخلون الى خشبة المسارح على صهوات الخيول.. ورافعات وأوناش العربات.. نجومنا يا صلاح.. هو ذاك الذي ينظم الكلمات ملتقطاً حروفها من قاع المدينة.. ليعيدها عبر مطربين.. مجازاً مرة أخرى الى قاع المدينة.. وترقص بغير حياء.. جوقة صبايا وصبيان قاع المدينة.. صلاح.. أليس عجيباً وغريباً ومدهشاً.. أن يكون «الجزلي» خارج أسوار «الحوش» الذي اضاء على كل جنباته باهر المصابيح.. وبكرة نواصل..