وقطع الرئيس قول كل خطيب... والحق هو ما نطق به الرئيس، وهنا ظللت أردد مصفقاً للرئيس وهو يعلن أمام حشود القضارف أنه- أي الحكومة- سوف تحكم بالشريعة، وأن الشريعة وحدها هي مصدر التشريع.. ظللت أهتف صدقت سيدي الرئيس، لأن الذي كان سائداً لمدة عشرين سنة وتزيد لم يكن حكماً بالشريعة السمحاء التي نعرفها حرفاً حرفاً.. وآية آية.. وحديثاً حديثاً.. واجماعاً إجماعاً.. وقياساً قياساً.. ولا كانت تشبه حتى اجماع الأمة والفقهاء... نعم أن حديث السيد الرئيس في القضارف هو اعتراف ضمني بأن الإنقاذ أولاً، ثم بعد ذلك المؤتمر ثانياً... وتتلوها حكومة الوحدة الوطنية ثالثاً لم تكن تحكم بالشريعة، إذن لماذا يعلن الرئيس أنهم سوف يقيمون شرع الله؟.. أيضاً قال السيد الرئيس إنها سوف تكون شريعة ناصعة واضحة ساطعة مبرأة من كل شائبة.. بل أردف قائلاً: لن تكون شريعة (مدغمسة)، وهذا ما كنا نردده سراً وعلناً أن هذه ليست الشريعة السمحاء التي نعرف... ونتمنى وبالله عليكم هل يقبل شرع الله المطهر ذرة من (دغمسة)؟ وإذا ذهبنا مع الحكومة أنها مارست شريعة (مدغمسة) إرضاء لأحبة كانت تأمل في بقائهم ضمن منظومة الوطن الكبير، أو كانت (مدغمسة) لتعقيدات الواقع الدولي والإقليمي.. ألا يتنافى ذلك مع جوهر الشريعة نفسها، ولماذا التنازل عن حرف واحد من شرع الله المطهر إرضاء حتى لكل إنس أو جان مشى على ظهر الأرض؟.. ألم يسمعوا بقصة النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، عندما كان وحيداً ليس معه أحد، لا يسنده ظهر غير سند الواحد الأحد، عندما تكالبت عليه القبائل والبطون، وكل قريش تقاتله وتطالبه بالكف عن الدعوة لشريعة التوحيد.. جاءه عمه أبوطالب قائلاً.. طالباً.. راجياً أن يكف النبي المعصوم عن هذه الدعوة، فكانت كلماته التي ما زال صداها القاطع الصارم العطري يعطر ويتردد صداها في كل أرجاء الكون.. كانت كلماته التي ترفض المساومة أو التنازل أو إرضاء كل البشر... كانت كلماته (تالله يا عمي لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر على يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)... نعم كان هذا هو الدرس الذي لم يتعلمه أحبتنا في الإنقاذ، إن شرع الله غير قابل للمساومة أو التنازل أو (الدغمسة).. المهم أن الحكومة قررت أن تحكم بعد الانفصال بشرع الله، وهنا أقول أين أنت يا (شنان) ويا (حليلك)، فقد كنت أيامها تلك تشدو (حُكمنا شريعة.. وتاني مافي طريقة لي حكم علماني)، نعم كنا نسمع نشيدك هذا في اليوم ألف مرة، وكنا نتمتم في (سرنا) والله إنك لم تقل حقاً، فالذي نراه ونشاهده ونعايشه ونعيشه ونصطلي بنيران سعيره، لا يمت للشريعة بصلة أو وشيجة، ولكن كيف نقول ذلك وكل (البنادق في السما) وإن من يشك في أن تلك شريعة أو لا إنما هو علماني، فاسد، وطابور خامس، عميل، وخائن، ومرتد مارق خوان كفور.. نعم كان هذا هو الحال حتى وبعد أن صرح وأعلن مولانا خلف الله الرشيد، وهو من لا يشك أحد في إسلامه ووقاره وتقواه، أعلن مولانا وقبل أيام أن هذه ليست شريعة بل هي حدود شرعية خمسة أقحمت اقحاماً في الدستور، هنا أيضاً ظللنا نردد (بالدس) صدقت.. صدقت يا مولانا.. وبتنا في ذاك الاضطراب والبلبلة.. و(بلع ألسنتنا) و(المشي جنب الحيط)، حتى انفجر السماء ألواناً وأضواءً، وهلت الحقيقة ساطعة من الشرق من قضارف الخير، والرئيس يعلن أنهم بعد الاستفتاء المفضي حتماً ويقيناً للانفصال، يعلن الرئيس أنهم سوف يطبقون شرع الله، عندها انقشع الضباب، واستبانت الرؤيا، وصدق رأينا، وكذب نشيد صديقنا شنان، لأن الشريعة سوف تحكم وليس كما كان يردد شنان .. حكمنا شريعة. ومرحباً بشرع الله الحق.. وغداً نكتب عن شرع الله الذي نأمل، ونتمنى، ونتوق.