أتحفنا صديقنا وزميلنا الصحفي المشرق الأستاذ عبد الباقي الظافر بقصة درامية أخاذة يوم أمس، نشرتها صحيفة (التيار) الغراء وروّجت لها على صفحتها الأولى تحت عنوان مثير هو (وزير في قبضة الشرطة).. والقصة بإختصار هي أن شرطة المرور ألقت القبض على سيارة السيد الوزير وهو بداخلها بسبب مخالفتها لقوانين السير والمرور في البلاد إذ كانت تسير بلا لوحات وبدون ترخيص الأمر الذي دفع بشرطي المرور إلى أن يقف أمام سيارة الوزير لمنعها من السير فقام السيد الوزير بإبراز بطاقته الوزارية وعنّف الشرطي ولامه ووصفه بعدم الأدب وبقلة التعليم. تطورت الأحداث وتدخل ضابط عظيم متمسكاً بحق تحرير مخالفة مرورية ورفض الوزير النزول منها وأصرت الشرطة على سحب السيارة . وتجمهر المارة وجمع الفضول الناس ليكونوا (حلقة للفرجة) على الأحداث المؤسفة التي تقع أمامهم، وتم سحب السيارة إلى مركز الشرطة.. ويبدو أن تسويات قد تمت ليخرج السيد الوزير (المخالف للقانون) والشرطة تؤكد أنه لا مشكلة مع الوزير بل مع السيارة المخالفة مهما كانت تبعيتها وملكيتها. القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد ظفر الظافر بخبطة صحفية عايش أحداثها وعرف أن للقصة ما وراءها لذلك تحدث للسيد الوزير الذي هو رمز الدولة بوزارة مجلس الوزراء علي مجوك المؤمن الذي ظل يؤكد على الدوام وبشهادة سائق العربة الحكومية بأن شراء السيارة تم بالسبت من شركة السهم الذهبي وتم ترخيصها بالأثنين وانها تحمل لوحات حكومية لم يتمكن سائقها من وضعها في مكانها نسبة (لضيق الوقت). المصيبة أن القضية أخذت بُعداً آخر يكشف مدى ما وصل إليه بعض الساسة والتنفيذيين في بلادنا، فقد حوّل الوزير الذي أساء للشرطة ولشرطي المرور الذي أستوقفه، حول الأمر إلى استهداف له من قبل أحد زملائه في مجلس الوزراء، قال إنه وزير (دولة معه) بالوزارة ظل يتربص به منذ فترة لخلافات مؤسسية.. لكن المصيبة الكبرى ليست في هذه الاتهامات الجزافية بل في محاولة الوزير علي مجوك تحويل مسار الحدث (العادي) إلى مؤامرة سياسية وعنصرية وفق إفاداته للظافر صبيحة اليوم التالي عند ما زاره في متزله، وقال إن التعامل غير اللائق حياله من الشرطة جاء لأنه من أبناء الغرب بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال إن مثل هذه التصرفات هي التي قادتهم للتمرد من قبل وإنه لن يقبل أن يكون جزءاً من نظام ودولة تمارس هذه العنصرية وإنه لا خيار له الآن إلا حمل السلاح والنضال من أجل التحرير. ذلك بإختصار ما جاء في الدراما الصحفية التي نقلها بأمانة الأستاذ الظافر.. وهذا أمر مؤسف أن تكون هذه هي نظرة بعض الوزراء لمحاولة الضبط المروري الذي تمارسه الشرطة وهذا حقها خاصة وإن الشرطي لا يعرف من بداخل العربة.. والمؤسف حقاً أن تتحكم عقدة المؤامرة في تفكير وعقل البعض، وما كنت أحسب أن يكون هذا هو تفكير رجل مسؤول ربما أكون أول من تعرفت عليه بعد عودته من التمرد في مكتب المهندس الحاج عطا المنان، وكان معه زميله المحترم البروفيسور الراحل عبد الرحمن موسى الذي شغل منصب وزير دولة بوزارة مجلس الوزراء، وكان معي وقتها زميلي الأستاذ الهندي عز الدين الذي كان نائباً لرئيس تحرير (آخر لحظة) آنذاك. على الحزب الفائز في الانتخابات الحالية وعند جلوس قيادته لاختيار وزرائه، عليه أن يدقق ويضع المعايير الأكثر دقة حتى لا يأتي لنا بوزراء تستهويهم سياسة لي الذراع ولا يريدون الخضوع للمساءلة. رحم الله شرطي المرور أبوداؤود الذي استوقف المرحوم فاروق عثمان حمد الله وزير الداخلية - رحمه الله - أيام الحكم المايوي وحرر له مخالفة بعد أن أدى له التحية.. رحم الله الرجلين.. وذلك العهد الذي كنا نحترم فيه القانون.. نحن لا نريد أن تكون دولتنا أكثر من دولة قانون ومؤسسات.. لكنها بهذه الطريقة.. لن تكون.