كان لابد أن تُجرى الانتخابات.. وكان لابدّ أن تفرز هذه الانتخابات آثاراً سلبية وإيجابية، ثمّ تخلق واقعاً جديداً في حياتنا السياسية والاجتماعية، وقد كان.. ولن تكفي الأسابيع التي انقضت بعد إعلان النتائج النهائية لرصد التحولات، وقراءة وتحليل وتقييم تلك العملية الضخمة، التي شهدها العالم بأسره من خلال التغطيات الإعلامية والمعلومات الاستخبارية، والمتابعة الدقيقة، والاهتمام الكبير الذي نالته الانتخابات العامة في بلادنا.. ولا يمكن لمثل هذه العملية أن يقال عنها: إنها أُعدت على عجل، أو إنه جرى تزويرها !!. ü وحتّى إن صحًّ أن المؤتمر الوطني قد زوَّر الانتخابات هذه، بكل تعقيداتها وسعة انتشارها.. وتعدّد بطاقاتها.. وكثرة أحزابها.. وطول أيامها.. فإنه يستاهل بلغة أهل «الدلالة» ..فهذه مقدرات خرافية، تحتاج لجنود نبي الله سليمان.. لا كوادر الحزب، ولا عناصر الأمن بقادرين على أن يزوّروا بطاقاتها، أو يبدّلوا صناديقها. وقد أفرزت أيام الانتخابات قصصاً وحكايات وروايات، ولعلّ لغة الأرقام، التي بدأ في رصدها وسردها الأستاذ يوسف عبد المنان، تصدق تلك الروايات والقصص عمّا دار بين الناخبين والمرشحين، إباًّن الحملة الانتخابية، والتي امتدّت لما يقارب الشهرين، بذل فيها المرشحون جهداً متبايناً، وكان أكثرهم تعباً ونصباً وجدية هو السيد المشير عمر حسن أحمد البشير، مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، والذي جاب البلاد طولاً وعرضاً، ولم يتوان لحظة واحدة في تغطية كل رقعة وبقعة، وكل فئة وجهة، مبشراً ببرنامجه، مشدَّداً على خطة حزبه.. ونحو ذلك فعل بقية المرشحين حتى انقضت أيام الحملة، والتي عجز عن المواصلة فيها من عجز «وبرك من برك» والعبارة للدكتور نافع علي نافع. تعددت الروايات، لدرجة أن بعضها قد تشابه، بل تطابق، فأهل الولاية الشمالية يقولون، في أكثر من دائرة إنتخابية: إنهم ردوا على بعض مرشحي الأحزاب الأخرى غير المؤتمر الوطني ردوداً من قبيل.. لوكان دايرين تنافسوا المؤتمر الوطني ما تجونا بالظلط ده، لأنه من إنجازات المؤتمر الوطني، أو يا خي النادي الإنت قاعد تتكلم فيه ده، عملو مرشح المؤتمر الوطني وسيدة كبيرة، قالت لمرشح، كان يخاطب حشداً في قرية، وهو يقف فيظل صهريج قالت ليه: (ياولدي كدي أول حاجة أمرق من ضل الصهريج ده، لأنه جابوه لينا الناس الإنت مادايرهم ديل).. وقال بعض الحلفاويين لمرشح المؤتمر لمنصب الوالي هناك: «اسمع يا فتحي، إحنا شايفين الظلط الإنتو عملتوه.. والكهرباء أهي في بيوتنا، والموبايل أهو في جيبنا.. وإحنا راح نديك أصواتنا،.. إنتا عايز تتكلم في إيه تاني؟؟ روح شوف شُغلك.. وفي نهر النيل، كان أحد غلاة الأنصار راكباً حماره، حاملاً عصاه، كان يقف قبالة كل عمود كهرباء، ويضرب بعصاه صورة مرشح الحزب للرئاسة، ويخاطب صورته بقوله: «بعد ما تجيب عمدان كهرباء تعال لصّق صورك فوقها».. وواحدة دنقلاوية، قالت لمسؤول حملة انتخابية، كان يحمل صوراً لمرشح حزبه: (الصورة دي لصّقها في قميصك أو بنطلونك لكن ما تلصقها في عمود الكهرباء ده؛ لأنه بتاع البشير).. حاجَّة كبيرة في السن وعندها عقيدة طائفية قالوا لها: السيد إنسحب من الإنتخابات قالت: البركه يا يمه، حملاً خَّف.. وعرقاً جفَّ.. وكان السيد الصادق المولع بضرب الأمثال يقول لمن يظن أنهم من مؤيديه: ((أكلوا توركم وأدُّوا زولكم .. باعتبار أنه زولهم والتور من المؤتمر الوطني)).. وقد كان يقول عن إنجازات المؤتمر الوطني: هذه بضاعتكم رُدَّت إليكم.. وعندما حصحص الحق، واستبانت المواقف، ووردت تقارير قياس الرأي فضَّل حجب اسمه من سجل المرشحين؛ تفادياً لوصمة تاريخية كانت ستلحق به، وهو رجل تاريخي، حقيقة ما بيستاهل ميتة العوجة، وعورة العين. كما قال الهمباتي النبيل يرثي جمله قائلاًً: الدايم الله يا هجّام فريق أم زين ما بتستاهل ميتة العوجة وعورة العين وكان الجمل قد تعَّرض للضرب بعد أن قبض البوليس على صاحبه حتى انفقأت عينه، ثم نُحر بعد ذلك.. مثل بعض الأحزاب التي خرجت من الانتخابات من الباب، وعادت لتحاول الدخول بالمشاركة في الحكومة من الشباك.. وآثرت صندوق الاقتراح على صندوق الاقتراع فالسيد يرفد الصحف كل صباح جديد بمقترح جديد، وغير مفيد. جلبت ربة المنزل (لحماً) وقد تغيرَّت رائحته، وهم لا يملكون طعاماً، فاعترض زوجها، بحجة أن اللحم مُتعفّن.. لكن زوجته الماهرة خلقت منه طبقاً شهياً، ووضعته أمام أطفالها، والرجل يراقب ويوجّه: يا ولد شيل الحتة دي، يا بت شيلي العضم داك، فقالت له زوجته: إنتا قبيل ما قلتا ما بنفع.. فرد عليها حانقاً: (أها دخلتي خشمك ده، عليَّ الطلاق، أكان آكل مع أولادي) ثم هجم على الصحن.. وهذا هو المفروض.