دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل صدور كتاب «دموع التماسيح في أزمة دارفور».. الألمانيان ستيفن ودوداين ل«الأهرام اليوم»:
نشر في الأهرام اليوم يوم 03 - 10 - 2010


حوار طلال إسماعيل، إيفلين أبو عساف
في الطريق إلى مدينة الفاشر عبر طائرة الأمم المتحدة، كان المحاضران بالجامعات الألمانية البروفيسور ستيفن كروبلين ودوداين محمد سعيد يتأملان اختلاف الوجوه التي تعمل ضمن قوات «يوناميد» في دارفور، كانت العبارات باللغتين العربية والألمانية تسأل عن سر هذا الحال، لا إجابة للاستفسارات، ولا توقعات بقرب حل مشكلة دارفور التي أخذت بعداً دولياً، هكذا بدت لنا سماء الفاشر ونحن ننزل من الطائرة الدولية ونتوجه صوب الجامعة وبيت الوالي «كبر»، كانت كلمات ستيفن ودوداين عن حقيقة الصراع الدولي في دارفور مذهلة وتشيب لها شعرات الرأس. الأرقام والوثائق ودور إسرائيل في تأجيج الصراع.. ولد ستيفن كروبلين في مدينة ميونيخ في العام 1952م، ودرس الجغرافيا والجيولوجيا في جامعة برلين التقنية، وجامعة إكسس إن بروفانس، وفي فرنسا أعد أطروحة الماجستير حول هضبة الجلف الكبير، وقد أثارت فضوله صور الأقمار الصناعية للصحراء الكبرى، وقد اكتشف أثناء اطلاعه على بعض هذه الصور مجرى سابقاً لأحد فروع نهر النيل في وادي هور، والمثير في هذا الاكتشاف أن هذا الفرع لم يكن مدوناً في أي أطلس أو خريطة بحسب ما ذكر في جامعة الفاشر أثناء محاضرته التي قدمها، وهو ما دفعه للتوجه إلى هذه المنطقة حيث أمضى قرابة عام ليثبت أن هذا المجرى كان حتى جفافه قبل حوالي 3 آلاف عام أكبر فروع نهر النيل. تقدم كروبلين بنتائج أبحاثه حول وادي سوات في عام 1990م وحصل من جامعة برلين الحرة على درجة الدكتوراه، وقام كروبلين منذ العام 1980م بما يقارب أربعين رحلة علمية للتعرف على ثقافات أهل السودان وأنماط حياتهم، في ما يلي الحوار المثير الذي أجرته «الأهرام اليوم» في الخرطوم مع دوداين، وفي برلين مع ستيفن؛ حول الصراع في دارفور.
الحوار مع دوداين بالخرطوم
{ كيف تقرأ تضارب أرقام الضحايا في حرب دارفور وعدم اتفاق كل الأطراف على رقم محدد؟ وهل لذلك علاقة بالصراع السياسي؟
- النظرة السليمة لما يدور في السودان بشكل عام وفي دارفور بشكل خاص، أنه قرار اتُّخذ في العام 1997ممن يطلق عليهم اسم المحافظين الجدد، وفي الحقيقة إن المنظمة الصهيونية العالمية هي رأس الحربة للمحافظين الجدد، وهم يتخذون قراراً بغزو 7 دول خلال 5 سنوات منها العراق وإيران وأفغانستان وسوريا ولبنان والسودان، وبلوروا هذه الفلسفة بمسمى «بيرل هاربر» وهو الموقع الذي قصفه اليابانيون في الحرب العالمية الثانية وصار مبرراً للهجوم على نجازاكي وهيروشيما بالأسلحة الذرية وإبادة سكانهما، ومن أطلق عليهم النازيون الجدد، ويعرفون في الأدبيات السياسية بالمحافظين الجدد أرادوا في كل بلد بلورة مبرر من أجل غزوه، في العراق استخدموا أساطير «أسلحة الدمار الشامل» وجلس المجرم كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق أمام مجلس الأمن وبث سمومه حول امتلاك العراق لتلك الأسلحة، وبعد إبادة مليون مواطن عراقي قال في مقابلة تلفزيونية: «لقد كان غزو العراق وصمة عار في تاريخي» ولكنه كرر وصمة العار يوم 7 سبتمبر عام 2004م حينما ادعى أن هناك إبادة جماعية في إقليم دارفور رغم أن كولن باول قال قبل هذا التاريخ وبالضبط في يوم «30 يونيو 2004» بعد أن كان في دارفور ورأى كل شيء بأم عينيه وفي مقابلة تلفزيونية بالخرطوم مع المحطة القومية الأمريكية أجاب كولن باول عن الأسئلة وقال إن السودان ليس رواندا ولا توجد إبادة جماعية في دارفور، ونفس هذا الشخص بعد عدة أسابيع يجلس أمام الكونغرس الأمريكي ويقول إن هناك 400 ألف ضحية في دارفور.
على ماذا استند كولن باول؟ يوم «23 يونيو 2004» استدعى مكتب المخابرات في وزارة الخارجية الأمريكية ما يطلق عليها المنظمات غير الحكومية، وواحدة منها منظمة «الإئتلاف من أجل العدالة الدولية» التي تقودها سيدة تدعى نينا بانج جونسن التي عملت لمدة 5 سنوات مستشارة للسيناتور جوزيف ليبرمان، وهو فاشي رئيس لجنة الأمن السابق بمجلس الشيوخ الأمريكي، وهو الذي قدم للكونغرس اقتراح تمزيق العراق إلى 3 دول وهو من أشرس المحرضين على الحرب ضد العراق، ومن أشرس الصهاينة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملت السيدة نينا خمس سنوات مستشارةً له، وبإشراف المحافظين الجدد تم تأسيس منظمة الأمن التي يأتي تمويلها من المليونير سورسي وقد كلفت هذه المنظمة بإعداد الحرب على يوغسلافيا والعراق، وبعد ذلك كلفت هذه المنظمة من قبل مكتب المخابرات في وزارة الخارجية الأمريكية بتأسيس لجنة والذهاب على وجه السرعة إلى شرق تشاد، وخلال أسبوعين استطاعوا صياغة رواية الإبادة الجماعية التي كانوا يحتاجون إليها، ومن يطلع على إرشيف الكونغرس الأمريكي ووزارة الخارجية وقد اطلعنا عليه ودرسناه منذ الأول من يناير 2004 وحتى 7 سبتمبر يجد أن هناك في 7 مواقع مختلفة أن أعضاء الكونغرس الأمريكي عندما اتخذوا القرار بأن هناك إبادة جماعية في دارفور كان ادعاؤهم بأن هناك 30 ألف ضحية في دارفور ولا يوجد سيناتور واحد أو تصريح واحد لوزارة الخارجية الأمريكية يذكر أن هناك عدداً أكبر من ذلك لعدد الضحايا في دارفور، وقام معهد دراسة الأوبئة التابع لمنظمة الصحة العالمية بإعداد دراسة استنتج منها أن 80% من عدد الضحايا في دارفور هم ضحايا أوبئة وليسوا ضحايا عنف، وهذا وضع المحافظين الجدد في مأزق حيث لا يستطيعون حتى وإن كانت هناك بضعة آلاف من الضحايا في دارفور أن يدعوا أن هناك إبادة جماعية في دارفور.
{ كيف استطاعوا الخروج من هذا المأزق؟
- تم تكليف السيدة «نينا بانج» بإرسال فريق أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية عليه رسمياً «فريق توثيق الفظائع في دارفور»، وقامت السيدة نينا بالتنسيق مع الصهيوني جيري فاولو «رئيس تحالف انقذوا دارفور» وهو مؤسس للجنة النصب التذكاري لمتحف الهولكوست بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو من أشرس العنصريين الذي نشطوا لسنوات عدة في جنوب السودان بعد أن اتخذت الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون في العام 2003 قراراً بالتدخل في دارفور، فتم نقل جيري فاولر إلى شرق تشاد وتطوير بنية صهيونية هناك بهدف زعزعة الأمن في دارفور، وبناء على اقتراح جيري فاولر قاموا بتعيين مستشارين: البروفيسور صمويل توتيل والبروفيسور إيريك. وكلاهما صهيونيان، ويعملان في معهد بالقدس المحتلة، مختصان بتطوير أساطير «الهولكوست»، وسنتطرق إلى لماذا هذا فكر عنصري، وأماكن ضعف الإعلام العربي في هذا المجال، وهذا الإئتلاف الذي يطلق عليه أنه إئتلاف غير حكومي وغير ربحي حصل على مليون دولار من مكتب المخابرات من وزارة الخارجية الأمريكية، وجمعوا الفريق وتوجهوا لمدة «14» يوماً إلى شرق تشاد «وشربوا الشاي» في «19» موقعاً وطرحوا أسئلة على بعض اللاجئين بحسب ادعائهم وقالوا إن هناك «396.812» ضحية في دارفور بناء على بعض المقابلات العشوائية التي تمت في مخيمات اللاجئين، وعاد الفريق بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ووضعوا هذه النتائج تحت تصرف كولن باول ولم يتورع عن المثول أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي ليدعي أن هناك إبادة جماعية حدثت في دارفور.
{ هل يمكن اعتماد أرقام الضحايا في دارفور في البحوث العلمية أو السياسية؟
- نحن حصرنا كافة المراجع في أرقام الضحايا عن دارفور والأكثر واقعية على الرغم من أنني لا أقبل ما قام به المعهد الكاثوليكي الذي يتبع لمنظمة الصحة العالمية؛ أنه لا توجد منهجية علمية في تحديد عدد الضحايا في دارفور، ولكن إذا اعتمدنا بروتوكولات الكونغرس الأمريكي، وسأضعها تحت تصرفكم، فهي تقول إنه حتى شهر سبتمبر 2004م كان عدد الضحايا في دارفور «30» ألف ضحية، وأرسلوا الخبراء في تطوير أساطير الإبادة الجماعية وأنتجوا هذه المهزلة.
ويتبنى العديد من الإعلاميين والسياسيين العرب مصطلحات الدعاية الصهيونية حول «إئتلاف أنقذوا دارفور» الذي تم تأسيسه كأداة لتنفيذ مخططات الغزو الاستعماري الصهيوني للسودان حيث يتم طرح هذا التنظيم العنصري وكأنه حركة للدفاع عن المضطهدين في السودان ورؤية إسرائيل حول السودان لخصها آفي ديختر وزير الأمن الصهيوني في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في محاضرة ألقاها بتاريخ 4 سبتمبر 2008 بعنوان التوجهات الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه السودان كالتالي:
«حين بلورت إسرائيل محددات سياستها وإستراتيجيتها حيال العالم العربي انطلقت من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالي أو المنظور (..).
السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية (..).
كانت هناك تقديرات إسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان في منتصف عقد الخمسينيات أنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن استمرت في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفي ضوء هذه التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه إلى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها في ما بعد.
وقد كشفت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء الراحلة (غولدا مائير) عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها الجغرافي عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والتغيرات في البنية الاجتماعية والسكانية فيهما.
إن جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل من بن جوريون وليفي إشكول وغولدا مائير وإسحاق رابين ومناحم بيجين ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الإستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفي أعقاب ذلك في دارفور (..).
هذا الخط الإستراتيجي كانت له نتائج ولا تزال عوقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكرياً واقتصادياً قادرة على تبوّء موقع صدارة في البيئتين العربية والأفريقية.
في البؤرة الجديدة في دارفور تداخلنا في إنتاجها وتصعيدها، كان ذلك حتمياً وضرورياً حتى لا يجد السودان المناخ والوقت ليركز جهوده باتجاه تعظيم قدراته. ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود يجب ألا يتوقف لأن تلك الجهود هي بمثابة مداخلات ومقدمات التي أرست منطلقاتنا الإستراتيجية التي تضع نصب أعينها أن سوداناً ضعيفاً ومجزأ وهشاً أفضل من سودان قوي وموحد وفاعل.
صانعو القرار في البلاد كانوا من أوائل المبادرين إلى وضع خطة للتدخل الإسرائيلي في دارفور 2003م والفضل يعود إلى رئيس الوزراء السابق إرييل شارون. أثبتت النظرة الثاقبة لشارون والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع السوداني خصوصاً والوضع في غرب أفريقيا صوابيتها. هذه النظرة وجدت تعبيراً لها في كلمة قاطعة ألقاها رئيس الوزراء السابق خلال اجتماع الحكومة في عام 2003م، حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف تدخلنا في جنوب السودان.
لا بد من التأكيد مرة أخرى أن قدراً مهماً وكبيراً من أهدافنا في السودان قد تحقق على الأقل في الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق في غرب السودان في دارفور.
الحوار مع ستيفن كروبلين
{ اهتمامك بخصوص البيئة في السودان؟
- منذ سنوات بادرت إلى تأسيس محمية طبيعية كبيرة ومحمية حضارية ومتنزّه وطني في شمال غرب السودان. وافقت حكومة السودان المركزية وكذلك حكومات الولايات الثلاث المعنية: شمال دارفور، الولاية الشمالية وكردفان عام 2000م على هذا المشروع الذي سيصبح بعد تنفيذه ثاني أكبر محمية طبيعية على الصعيد العالمي. هذا المشروع سيكون مثلاً رائعاً لحماية البيئة الصحراوية، للتراث الحضاري، للجمال الطبيعي والتنوع الحيوي للمناطق الصحراوية، هذا المشروع الذي كان من الممكن إنجازه منذ عشر سنوات وقع ضحية السلبية (الحصار) من الدول الغربية التي تحول بذلك دون حماية البيئة والتراث الأثري وتبطئ بذلك عملية تحسين الظروف المعيشية لسكان دارفور.
{ لماذا تهاجم السياسة الخارجية التي تنتهجها الصهيونية العالمية ضد السودان؟
- قمت منذ عام 1980 بما يقارب أربعين رحلة علمية للبحث في تحولات البيئة والمناخ كذلك في التاريخ الاستيطاني للقسم الشرقي من الصحراء الكبرى دام بعضها عدة أشهر. وتعرّفت أثناء إقامتي على الإنسان السوداني بثقافاته المتعددة، طيبته المتناهية وأنماط حياته ونزعته البديهية إلى السلام، عندما رأيت أن الصورة النمطية التي يرسمها إعلام «المستعمرين الجديد» تتناقض وبشكل مطلق مع قناعتي التي تبلورت عبر السنين شعرت ببساطة أنني ملزم بإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يدور في السودان. لقد قمت بذلك، ليس منذ أن تصدر السودان عناوين الصحف بسبب أزمة دارفور، بل قبل ذلك بزمن بعيد. لقد مكثت في السودان سنوات طويلة لكي أكون قادراً على إطلاع الرأي العام على الانطباعات الشخصية التي حصلت عليها أثناء سنوات إقامتي في هذا البلد، أما دارفور فهذه ليست المرة الأولى التي تحاول القوى الغربية فيها أن تحقق أهدافها، باستطاعتنا أن نعود بذاكرتنا إلى حقبة الاستعمار البريطاني التي دامت طويلاً، ارتكبت خلالها جرائم رهيبة في حق الشعب السوداني. لقد نشرت صحيفة «الفرنكفورتر روندشاو» وهي إحدى الصحف الأوسع انتشاراً في ألمانيا مقالاً لي تحت عنوان «كرة القوى العظمى حول كارثة لاجئي دارفور في السودان» تصديت فيه لتقارير متحيزة تتضمن أنصاف الحقائق ويُتطرق فيها إلى الأساطير حول من يطلق عليهم (الجنجويد) وحول الشهود الذين يقوم الإعلام الأوروبي بتقويلهم ما يراد تعميمه من آراء مغرضة حول السودان. وفي مجلة «إنترناشونال مجلة السياسة الدولية» التي تصدر في فيينا النمسا، تطرقت إلى الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول الثروة النفطية في أفريقيا والحجج الواهية التي يسوقها الإعلام حول جنوب السودان ومن ثم دارفور لطمس حقيقة هذا الصراع وزيف اهتمام الدول الغربية بالديمقراطية وحقوق الإنسان في السودان وكيف يتم استغلال التخلف المعرفي حول السودان لدى المجتمعات الأوروبية بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص لتضليل الرأي العام.
{ ما رأيك في مصطلح الإبادة الجماعية في دارفور؟
- في محاضرة ألقيتها في «المتحف المصري» في برلين بعنوان: «الإبادة الجماعية في دارفور هي مجرد دعاية»، وجّهت فيها النقد اللاذع للإعلام في ألمانيا بسبب تقاريره السطحية واتهاماته «السخيفة» للسودان مما يعيد إلى الذاكرة أساليب دعاية حقبة الإمبراطورية الثالثة (العهد النازي) السوداء، وكما لم يعثر في العراق على أسلحة دمار شامل؛ لا يوجد أي دليل على سبيل المثال صور أقمار صناعية حول «مقابر جماعية» في دارفور ولو وجدت صورة واحدة لتم نشرها في جميع أنحاء العالم، هذه مجرد ادعاءات لا غير لتقنيع الأطماع الاستعمارية في خيرات السودان. وقد تساءلت لماذا؟ واستناداً إلى أي معطيات تدعي الأمم المتحدة أن 200 ألف إنسان فقدوا حياتهم بسبب الصراع في دارفور وأن 2.5 مليون شردوا من ديارهم؟ وأشير إلى هذا التساؤل بتذكير الحضور بالرأي الذي عبّر عنه فيرنر داوم الدبلوماسي الألماني المخضرم وسفير ألمانيا السابق في الخرطوم: «من يعمل ضمن إطار منظمة (ويقصد هنا الأمم المتحدة) ويعارض وجهة نظرها يفقد وظيفته».
{ ما هي المصالح الدولية في الصراع حول دارفور؟
- طبعاً هناك العديد من الأسباب في مقدمتها المصالح الاقتصادية، المواد الخام بدءاً بالبترول، اليورانيوم، الذهب والمواد الخام الأخرى التي قد تكتشف بعد. وهناك المصالح الإستراتيجية التي تدفع بعض القوى إلى بسط نفوذها على أكبر بلدان القارة الأفريقية من أجل التحكم بالعديد من الدول المجاورة وهناك طبعاً المصالح السياسية التي تريد صرف الأنظار عن المظالم المرتكبة في مناطق أخرى من العالم، في العراق أثناء الحرب، أو فضيحة أبو غريب أو الجرائم التي ترتكب منذ ستين عاماً في فلسطين. هناك من هم بحاجة إلى طفل شرير أو «دولة مارقة» لكي يتم تحويل الأنظار إليها ويدعون أن ما يتم في تلك الدولة هو في غاية السوء أو أسوأ مما يحدث في مكان آخر وحتى لو كانت تلك الادعاءات باطلة تماماً.
قلة من الساسة الألمان يملكون الجرأة للوقوف ضد تيار المحافظين الجدد. السيدة إلكي هوف عضو البرلمان الألماني الاتحادي عن كتلة الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) والناطقة باسم الحزب في قضية السياسة الدفاعية هي من القيادات السياسية النادرة في ألمانيا التي زارت السودان بما في ذلك ولاية دارفور، تثمن بحكم معرفتها للواقع عالياً آراء البروفيسور كروبلين وترى أنه على الحكومة الألمانية أن تسهم فعلياً في دعم النشاط الإنساني بدلاً عن رفع أصبع الاتهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.