مبروك .. فالدولار الفائر عاد لرشده .. وبدأ رحلة الهبوط بشكل ملحوظ في السوق الأسود، والذي نسميه على استحياء : (السوق الموازي) .. بعد أن سخر من الأسعار الرسمية ومد لها لسانه طيلة الأسابيع الماضية. عودة الدولار، جاءت بعد ضخ البنك المركزي لكميات كبيرة منه في البنوك، حيث جن جنون الكثيرين من قبل، حين بدأت تسود في الساحة مظاهر القنوط من الوحدة الجاذبة، خصوصا بعد التصريحات السالبة لقيادات الحركة الشعبية، وحين استيقظنا على القرارات العصبية المفاجئة بمنع استيراد العربات المستعملة، وتحجيم استيراد بعض السلع الأخرى، وقبل ذلك وضع سقوفات يومية للصرافات المسموح لها بالتحويل، وممارسة التصعيب لامتلاك النقد الأجنبي .. حتى لو تم دفع المقابل له كاملا بالجنيه السوداني ! وسواء طار الدولار .. أو حط ركابه على الأرض .. فهذا لا يهمنا في شيء، فلسنا من أصحاب الدولارات والحمد لله، لكن المصيبة أن الارتفاعات المتواترة في الدولار، تنعكس في نفس اليوم على السلع، كل السلع، بل وعلى الخدمات، بدءا من سعر مشوار الركشة، وحتى أسعار تذاكر السفر بالجو داخليا وخارجيا ! أحد معارفي سألني بتلقائية : لماذا لا تشتري الدولة الذهب المكتشف من المواطنين في ولاية النيل .. وتدفع لهم القيمة بالجنيه السوداني، ثم تبيع هذا الذهب للدول التي تدفع بالدولار، وبذلك تتوفر لنا المزيد من الأرصدة الدولارية ؟ بصراحة .. لم يخطر السؤال ببالي، ولا أعرف الإجابة، لكن الذي أعرفه، أن البنك المركزي اكتشف مؤخرا جدا أمرا مهما، وهو أن غياب المعلومة يضر ضررا بليغا بالاقتصاد، وأن تحقيق الوفرة الدولارية في السوق .. عامل حاسم في تبريد الأجواء، والحفاظ على أسعار الدولار من التطاير المستمر في الفضاء العالي. البنك المركزي بدأ في ضخ الدولار من هنا، وأسعار السوق السوداء للدولار تراجعت من هنا. إذن الارتباط واضح ، ولا يحتاج ذكاء لمعرفته، فكلما شددت الجهات الرسمية في التعامل مع الدولار، كان ذلك سببا في تجفيف السوق منه، ومن ثم تطاير أسعاره، لتبدأ عوامل الشلل تسري في أوصال الحياة العامة. أظن أن الدكتور صابر محمد حسن، محافظ البنك المركزي، سعيد بتحقق النتائج الإيجابية، لأن العامل النفسي مثل (الحاوي) في المسألة الدولارية، كما أن المحافظ لم ينس أن يضخ المزيد من الأطمئنان النفسي بتأكيده أن تأثير الانفصال إذا حدث لن يكون أسوأ من تأثيرات الأزمة المالية العالمية التي تجاوزتها البلاد. أهم ما قاله الدكتور صابر وتناقلته وسائل الإعلام، هو أن (تمليك الحقائق كاملة في مؤتمره الصحفي يوم الخميس الماضي، أعاد الأمور إلى نصابها ..). هنا مربط الفرس، فلو كانت الحقائق واضحة، لما حدث ما حدث، ومع ذلك، فإن كشف الحقائق متأخرا، خير من عدم كشفها أبدا، ومن هنا، ننتظر من بنك السودان عدم ترك فجوات، والتواصل المستمر مع الناس، حتى لا تتولد الآثار السلبية التي لن تنحصر في تطاير الدولار، لكنها ستمتد لتفاصيل الحياة العامة، وتزيد من الضغط على الناس .. المضغوطين أصلا بأعباء الحياة المتصاعدة .. وبراثنها الناهشة في جسدهم دون رحمة.