تناولنا في المقالين السابقين اثنين من الأزمات التي مرت بالمواطن، وأطلقنا عليها أزمات مارس الصغرى، وهي أزمة غاز الوقود وأزمة تبديل أجهزة الوزن والمعايير. وهنا نلتقي مرة أخرى لاستعراض موضوع آخر يتعلق بتوفير خدمة للمواطنين، ألا وهو موضوع استخدام رقم الخدمة الهاتفية لإبلاغ أعطال الكهرباء عبر الاتصال بالرقم (4848)، ولما كان موضوع انقطاع التيار الكهربائي واستمرار الأعطال من التكرارية والاستمرارية بمكان بالدرجة التي تتولد منها أضرار اجتماعية، سياسية اقتصادية بالغة التعقيد، ولا نقول أمنية، لأن البلد محروسة ومؤمنة، والحمد لله في كل الظروف كل حاجة تمام!!! ولكن هذا الرقم (4848) إن أمره لعجب حيث أوتي به لسرعة الاستخدام في إرسال بلاغات الكهرباء، وكأي وسيلة أخرى تقانية يمكن أن تخدم الناس لراحة بالهم وتوفير مقومات - وعناصر ضرورية - كعامل الوقت وزيادة الإنتاج وانخفاض التكلفة، وتوفير الخدمات بالقدر الذي يرضي متلقي الخدمة إن لم نقل يسعده، كما تسعى لذلك كل الشركات والشراكات الممتازة والمحترمة؛ كما نود أن نطلق عليها دوماً. ولكن كان الواقع عكس ما يتوقع، حيث يدفع مستخدم هذا الرقم تكلفة المكالمة وبأسعار مضاعفة، حيث أن أدنى حد لتكملة محادثة هو (4) جنيهات، تبدأ بالاستقبال وكلمات الترحيب والتعريف بأنك متصل بشركة الكهرباء؛ ومن ثم فاصل موسيقي، ويتواصل الرد بأن الشبكة مشغولة وأن الموظفين سوف يقومون بالرد عليك بمجرد الانتهاء من مشاغلهم، ومن ثم يأتي تعقيب بعد فاصل موسيقي هاديء مفاده بأن هذه المكالمة لأغراض الجودة: (الجودة حتة واحدة)، وهنا نقول يرحم الله الجودة المفترى عليها (قال الجودة قال!!). ومن ثم يأتي فاصل موسيقي صاخب يعقبه رد من موظف هاديء البال ورايق الحال أو بارد الأعصاب في أدق عملية وصف لحاله، فيقول هذا الموظف المسؤول: مرحباً معاك بلاغات الكهرباء أين أنت أيها المواطن وما هي مشكلتك.. فما أن تقوم بسرد المشكلة ومكان السكن ورقم المنزل إلا ويبادرك هذا الموظف وقبل انتهاء حديثك بأن هنالك عطلاً عاماً، وأن المحاولات جارية لإعادته دون تحديد عامل الزمن باعتباره أهم مورد في حياة الإنسان ودون اهتمام بتكلفة المكالمة محل الحديث والموسيقى، باعتبارك مواطن تسربت منك مبالغ مالية وبحساب الجمع من آلاف الناس دون أن تقدم لهم إجابة يطيب بها خاطرهم ولو باعتذار رقيق أو ترحيب يرفع عنك عتمة الظلام، باعتبار أن قطوعات الكهرباء في النهار شيء عادي ولا يؤثر كثيراً بالمقارنة مع قطوعات الليل التي لا يسلم منها أحد من أحد الضررين؛ جيوش البعوض وأحياناً زوار الليل (اللصوص). خاتمة المطاف نذكر بأن الأصل في استخدام التقانة ليس المظهرية أو ادعاء التطور وزيادة الأعباء على المواطن ولكن.. لراحته وكسب رضاه بتقديم خدمة أفضل، وهذه هي أهم عناصر الجودة يا هؤلاء، فالجودة ما كلام - الجودة فعل. الجودة ليست أن تحدث ضرراً بالآخرين وذلك بحجب خدمة مشتراه مسبقاً دفعها صاحبها مقدماً ويفترض أن تقدم له وباستمرار، ولكن أن تحبسها أو تقطعها عنه دون اقناع له وتقول هذه لأغراض الجودة!! هذا مما يتنافى مع مبادئ الجودة وأولها الجانب السلوكي في الالتزام بالقول واتباعه بالفعل، وما أحاق الجودة من ضرر أكثر من عدم تطابق الأقوال مع الأفعال. خاتمة المطاف ارجعونا إلى أيام البلاغات وتدوينها في كراسة الأحوال ومتابعتها بدلاً من هذه التقنية المكلفة لأنها حصرياً على خط الهاتف ولا يمكنك أن تصل إليها راجلاً أو عبر أي وسيلة مواصلات أخرى. الصديق أحمد الصديق